الأسبوع الثقافيمن هنا وهناك

فنانون فرنسيون ينسخون جداريات كهف لاسكو

يستعيد رسامون في محترف متخصص في جنوب غرب فرنسا الحركات نفسها التي انجزها فنانو كهف لاسكو في رسومهم الجدارية قبل 18 الف سنة، مستعينين هذه المرة بالصمغ الاصطناعي بدل الصخر الطبيعي وباضواء كاشفة مكان مصابيح الزيت، على ان تعرض هذه النسخة الكاملة ناهية العام 2016.

وكهف لاسكو الملقب بـ «كاتدرائية سيستنيا لعصور ما قبل التاريخ» والمدرج في قائمة التراث العالمي للبشرية مغلق للعموم منذ العام 1963 بغية حمايته. وقد عرضت نسخة أولى منه سنة 1983 لا يقدم فيها سوى جزء من الرسوم الجدارية التي تعود للعصر الحجري القديم العلوي.
وفي مونتينياك، على بعد 1،5 كيلومتر من المغارة الأصلية، تبصر الخيول والأيائل وغيرها من الحيوانات المرسومة على جدران الكهف، النور مجدداً بدفع من فناني مدرسة الأعمال المنسوخة في بيريغور (ايه اف اس بي).
وهذا العمل الشاق الذي يتطلب جهداً كبيراً قد بدأ في أواخر العام 2012 وأنجز بسرعة قياسية بفضل جهود النحاتين والرسامين ومصنعي المعادن الآتين من مجالات مختلفة. ويكشف فرنسيس رانجنباش المدير الفني للمدرسة أن كل عنصر من العناصر الستة والأربعين اللازمة للمشروع تطلب بشكل إجمالي ثمانية أشهر من العمل.
وكانت البداية مع «التخريط الرقمي» لكتل كبيرة من البوليستيرين لرسم حدود الواجهات والأسقف استناداً إلى عينات أخذت من الكهف التاريخي بتقنية الأبعاد الثلاثية. ثم قام النحاتون باستنساخ أدق التفاصيل يدوياً، أحياناً بواسطة أدوات تستخدم عند أطباء الأسنان، على ما يصرح فرنسيس رانجنباش المتخصص في النحت.
وتكتسي الدقة أهمية بالغة في هذه العمليات الرامية إلى تقديم نسخة طبق الأصل من الكهف، إذ ما من مجال للتعديل بعد صب أعمدة الصمغ هذه الممتدة على أمتار عدة.
ثم تبدأ عملية الطلي الطويلة مع دهن صبغ طبيعي اولاً على طبقات عدة للحصول على لون الصخر الطبيعي وبعدها تستنسخ الحيوانات التي اشتهر بفضلها كهف لاسكو في أنحاء العالم أجمع.

نقطة بنقطة
ومن اجل التقرب قدر الامكان من الرسوم الاصلية يستند كل فنان الى صورة رقمية للكهف يبثها ضوء كاشف. ويقول جيل لافلور كبير الرسامين وهو يركز على نسخ مجموعة من الايائل من «قاعة الثيران» البالغ طولها 17 متراً «هذا يسمح لنا بمعرفة المكان المحدد للحيوانات على الجدار».
ويوضح ان رسامي لاسكو في تلك الفترة «استفادوا من قشارة الجدار لاعطاء الجسم شكله واكتفوا باعادة رسم خط ظهر الحيوان واضافوا الحوافر».
ويضيف «كانوا على الارجح اسرع منا مع تقنيات مختلفة. اما نحن فمضطرون الى ان نكون دقيقين جداً لنسخ ما قاموا به بحذافيره». ويؤكد النحات فرنسيس رانجنباش «نحتاج احياناً الى ساعات لنسخ 10 سنتمترات مربعة فقط نقطة بنقطة».
ويعمل رسامو المحترف في ظروف جيدة وفي وضعية عمودية مع انوار متطورة تحاكي نور النهار الطبيعي. اما رسامو الكهف فهم على الارجح كانوا يصعدون الى سقالات بدائية ويرفعون ايديهم للرسم على سقف يبلغ ارتفاعه ثلاثة امتار «في ظل انارة غير ثابتة». ويؤكد فرنسيس رانجنباش قائلاً «كانوا يتمتعون بحس تقني رائع وهم يرسمون الحيوانات غيباً مع كيفية تنقلها بحيوية». وهو يعتبر ان لاسكو لا تزال تجذب الفنانين بعد 18 الف سنة لانجاز رسومها «لاننا نستعيد الحركات نفسها وهذا امر ساحر».
وفي غضون اسابيع قليلة سيبدأ نقل 900 متر مربع من الجدران التي انجزها هؤلاء الفنانون الى المركز الدولي لفن الجداريات في مونتينياك الذي يتم بناؤه عند اقدام تلة لاسكو…على مرمى رمح من الكهف.

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق