الاقتصادمفكرة الأسبوع

السعودية مصممة على الحفاظ على حصتها من سوق النفط العالمية

تخلت السعودية، اكبر منتج للنفط في العالم، عن دورها في تحقيق التوازن في سوق النفط العالمية، وباتت تجد نفسها حالياً وسط معركة صعبة للحفاظ على حصتها في قطاع شديد التذبذب.

فقد بدأت اسعار النفط بالتراجع منذ منتصف العام 2014، وواصلت ذلك بشكل حاد اثر قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) في تشرين الثاني (نوفمبر) العام نفسه، عدم خفض انتاجها. وادى القرار الى تواصل تدهور سعر النفط، من اكثر من 110 دولارات للبرميل، الى مستوى يناهز ثلاثين دولاراً حالياً.
ويرى محللون ان القرار كان يهدف الى الضغط على منتجي النفط العالي الكلفة، لا سيما النفط الصخري الاميركي، واخراجهم من المنافسة في السوق العالمية، والضغط ايضاً على دول اخرى منتجة للنفط، ابرزها ايران وهي ايضاً عضو في اوبك، وروسيا، اكبر منتجي النفط عالمياً من خارج الكارتل.
ويقول الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي «الهدف الرئيسي للسعودية هو حماية حصتها من السوق (…) لا يمكن ان تسمح لمنتجي النفط العالي الكلفة المنافسة في اسواقها».
وافقد تراجع الاسعار الرياض ما يوازي 250 مليار دولار من الايرادات المالية خلال اقل من عامين، واعلنت المملكة تسجيل عجز قياسي في ميزانية 2015 بلغ 98 مليار دولار، وتوقعت 87 ملياراً من العجز في 2016.
وبعد 14 شهراً على قرار اوبك رفض خفض الانتاج (تلاه قرار مماثل مجدداً في كانون الاول/ديسمبر 2015)، تغرق السوق بفائض من العرض الذي يبقي الاسعار متدنية بحيث وصفها رئيس مجلس ادارة شركة «ارامكو» السعودية خالد الفالح بانها «غير منطقية».
رغم ذلك، يرى محللون ان السعودية لن تخفض الانتاج دون اتفاق شامل.
ويقول خبير النفط في جامعة جورجتاون الاميركية جان فرنسوا سيزنك «السعوديون يدركون جيداً ان خفضهم للانتاج لن يؤثر كثيراً على الاسعار، لان الكمية المخفضة ستعوضها دول اخرى مثل ايران والعراق وروسيا».
يضيف «السعوديون يريدون للمنتجين ان يعانوا بما يكفي للاتفاق على خفض شامل»، بمعنى التوصل لاتفاق بين دول اوبك والدول من خارجها على خفض متواز للانتاج، بما يضمن احتفاظ كل طرف بحصته.

سياسة قد تؤتي ثمارها
وانفقت السعودية عشرات مليارات الدولارات في العقدين الماضيين لزيادة قدرتها على انتاج النفط الى 12،5 ملايين برميل يومياً، لتصبح المنتج الوحيد الذي يملك هامش انتاج اضافياً، ما يعني قدرتها على تعديل انتاجها للتأثير على توازن السوق.
وتملك المملكة ثاني اكبر احتياط نفطي يقدر بـ 268 مليار برميل، وخامس احتياط من الغاز الطبيعي يقدر بنحو 8،5 تريليون متر مكعب. وبحسب شركة «ريستاد الاستثمارية» الاستشارية، فالكلفة الانتاجية لبرميل النفط في السعودية عشرة دولارات فقط، وهي ثاني ادنى كلفة عالمياً.
الى ذلك، تتمتع السعودية ودول خليجية اخرى باحتياط نقدي ضخم يتيح التأقلم مع اسعار متدنية للنفط لفترات اطول قياسا مع دول اخرى.
واعرب باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية «توتال»، عن اعتقاده ان السعوديين لن يخفضوا انتاجهم قريباً.
واوضح لفرانس برس على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس مؤخراً «علينا فعلاً ان نرى الامور من وجهة النظر السعودية. لن ترغب بخفض الانتاج في وقت لديك كلفة انتاج اقل من الآخرين، وقدرة على المقاومة لوقت اطول من الآخرين».
وخلال منتدى اقتصادي في الرياض هذا الاسبوع، اكد الفالح امتلاك المملكة وسائل عدة تتيح لها تحمل اسعار النفط المنخفضة لسنوات مقبلة.
اضاف «لدينا تكنولوجيا اتاحت لنا الحفاظ على كلفتنا الانتاجية المنخفضة. هذا سيكون اكثر فائدة في مناخ الاسعار المتدنية، في حال استدامة ذلك»، مشدداً على ان الشركة المملوكة حكوميا لم تخفض استثماراتها في مجال الانتاج، بل قلصت نفقاتها في مجالات اخرى.
وفي تقرير اصدرته الاثنين، اعتبرت شركة «جدوى للاستثمار»، ومقرها الرياض، ان السعودية هي البلد الوحيد ذو قدرة انتاج احتياطية، ما يؤهلها «للوقوف في وجه اي محاولات لانتهاك حصتها في السوق العالمية».
الا ان قرار الابقاء على مستويات الانتاج المرتفعة واجه انتقادات كذلك.
ويقول الحرمي «النفط الصخري اثبت انه اكثر ليونة مما كان متوقعاً»، في اشارة الى ان الاسعار المنخفضة للنفط ادت الى خفض انتاج هذا النوع العالي الكلفة، الا انها لم تتمكن من اخراجه كليا من المنافسة في السوق.
ويرى دبلوماسي غربي في الرياض رفض كشف اسمه، ان السياسة النفطية السعودية الراهنة هي احدى ادوات مقاربة اكثر جسارة اعتمدتها المملكة في ملفات عدة منذ بدء عهد الملك سلمان بن عبد العزيز مطلع العام 2015، لا سيما السياسة الخارجية والنزاعات في الشرق الاوسط.
ويتوقع محللون ان تؤتي هذه السياسة النفطية ثمارها في وقت قريب.
ويقول سيزنك «اعتقد في وقت قريب سيكون ثمة اتفاق مع الدول المنتجة من خارج اوبك، والتي لا يمكنها ان تستمر في النزف الى ما لا نهاية».
ونتيجة لذلك، يتوقع ان ترتفع اسعار النفط الى حدود خمسين دولاراً للبرميل. الا ان السعودية ستعمل على عدم ارتفاع الاسعار بشكل كبير، لتفادي عودة قوية لمنتجي النفط الصخري.
وخلال مؤتمر نفطي في الكويت الثلاثاء، رجح رئيس مجلس ادارة شركة «غينيس» تيم غينيس، ان تعاود السعودية ودول خليجية في حزيران (يونيو) او كانون الاول (ديسمبر)، لعب دور التوازن في السوق النفطية العالمية.

أ ف ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق