أخبار متفرقة

واقع مسيحي جديد

ترشيح جعجع لعون أعاد خلط الأوراق الرئاسية وقلب المشهد السياسي وأوجد واقعاً مسيحيا جديدا. ما حصل أشبه باهتزاز سياسي عنيف ستكون له ارتداداته وانعكاساته بدءا من الساحة المسيحية:
1- العنوان الرئيسي و«الرسمي» للحدث السياسي في معراب كان ترشيح عون، ولكن العنوان الفعلي والوجه الآخر كان تكريس المصالحة بين العونيين والقواتيين وإقفال نهائي لصفحة الصراع المرير الذي طال لعقود وطويت صفحاته على مراحل… هذا الصراع انطلق في أيلول (سبتمبر) 1988 في ظل فراغ رئاسي وأقفل في كانون الثاني (يناير) 2016 في ظل فراغ رئاسي أيضاً، مع فارق أن «الرئاسة» فرقت آنذاك بين جعجع وعون، وأن الرئاسة تجمع الآن بينهما… ويمكن القول إن احتفال معراب كان احتفالا بالاتفاق السياسي والمصالحة المنجزة أكثر مما كان احتفالاً بالرئاسة الآتية وغير المضمونة حتى الآن…
2- هذا التلاقي بين جعجع وعون يحصل على أساس اتفاق سياسي، بدأ بورقة النوايا المعلنة واستكمل بورقة التفاهمات غير المعلنة، وبالتالي فإنه يقف على أرض سياسية صلبة وثابتة ويؤسس لمرحلة جديدة على الساحة المسيحية عنوانها «ثنائية عون -جعجع» التي تستحوذ على أكثرية مسيحية واضحة ولكن ليست حاسمة.
في الشكل تشبه الثنائية المسيحية المستجدة ثنائية شيعية مزمنة، ولكن في المضمون لا تصح المقارنة وتظهر اختلافات كثيرة تجعل أن الاقتداء بالنموذج الشيعي غير ممكن «مسيحياً» لسببين على الأقل: الأول أن أمل وحزب الله تجمعهما «استراتيجية واحدة» مع اختلافات في التكتيكات والوسائل، فيما القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لا تجمعهما استراتيجية واحدة، وحتى الآن ما زال كل منهما ملتزما بتحالفه وفريقه ومشروعه… وأما السبب الثاني فهو اختلاف واقع الحال بين الساحة الشيعية حيث يسيطر حزب الله وحركة أمل بشكل شبه تام ويحتكران قرارها وتمثيلها ويمنعان أي تدخل «خارجي» من قوى وطوائف أخرى في شؤونها… والساحة المسيحية التي تتميّز بالتعددية ويصعب اختزالها بثنائية واحتكار قرارها وتمثيلها ومنع تدخل الآخرين في شؤونها.
3- المشهد السياسي المستمر منذ عشر سنوات باصطفافه الحاد وانقسامه العمودي بين فريقي 8 و14 آذار لن يبقى على حاله. فالتطورات الرئاسية كانت كافية لإحداث تغيير ملموس وجذري في هذا المشهد وفي قواعد اللعبة التي تحولت من اصطفاف طائفي الى اصطفاف سياسي وصارت تدور من الآن فصاعداً بين ثلاثة لاعبين كبار: «الشيعي» و«السني» و«المسيحي»…
فإذا كان تحالف 14 آذار يعني عملياً وبشكل أساسي تحالف الحريري – جعجع، فإن هذا التحالف أصيب بانتكاسة قوية وحصل فيه افتراق كبير عند محطة رئاسة الجمهورية، وحيث مضى كل واحد في سبيله ووفق ما تقتضيه مصلحته…
وإذا كان تحالف 8 آذار يعني عملياً وبشكل أساسي تحالف حزب الله مع عون، فإن هذا التحالف يتعرض لاهتزازات متتالية كان آخرها الإعلان الرسمي عن ترشيح عون من معراب، مع ما يعنيه ذلك من انعطافة سياسية من جانب عون، ولم يكن ليقوم بها لو كان واثقاً تماماً من حزب الله إن لم يكن برغبته في إيصاله للرئاسة، فعلى الأقل في قدرته على تحقيق ذلك…
وفي اختصار، فإن تطورات الأسابيع الماضية كانت نتيجتها أن تحالف 14 آذار أصيب بعطب في «ركيزته المسيحية» مع حصول الشرخ بين القوات والكتائب (إضافة الى المستقلين) الذي يغذيه «المستقبل»، وأن تحالف 8 آذار أصيب أيضاً بعطب مماثل في ركيزته المسيحية مع تفجر خلاف فرنجية – عون الذي خرج عن سيطرة حزب الله…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق