سياسة لبنانية

لقاء معراب الحدث الذي كشف زيف السياسة اللبنانية

لقاء معراب الذي اعلن خلاله رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، كان الحدث الذي كشف زيف السياسة في لبنان، وعرى مواقف السياسيين فظهرت جلية للعيان. منذ اشهر لا بل منذ سنوات والتصاريح السياسية تتوالى. هذا الفريق مع ذاك المرشح، وهذا الحزب يرشح هذا المرشح. وتعددت المواقف والاسماء حتى ظن اللبنانيون انهم يعرفون ميول كل الافرقاء. الا ان ترشيح العماد ميشال عون قوبل بصمت مطبق من جميع الاطراف ولم تتطوع جهة واحدة من الجهات التي كانت تجاهر بتأييده في الاعلان عن موقفها، رغم الوعود والتصاريح التي كانت تؤيده.
هكذا هي السياسة في لبنان بدع من نسج مصالح السياسيين، وبعدهم عن فنون السياسة، بحيث اصبحت موضع تندر في الاوساط المحلية والخارجية. والسياسيون اللبنانيون على تناقض بحيث يكادون لا يستقرون على رأي. فهم يتنقلون من اليمين الى اليسار ومن الشمال الى الجنوب، بخفة اصبحت مألوفة. ففقدوا ثقة الناس بهم، وفقدوا ثقتهم بانفسهم. فهم ينامون على خط ليطل الصباح وقد انتقلوا الى خط آخر معاكس. حقاً انه لامر عجيب غريب. والامثلة على ذلك كثيرة.
نبدأ من مجلس الوزراء الذي يفترض فيه ان يكون موضع ثقة جميع المواطنين، فهم يوكلون امرهم اليه ولكن العكس ما هو حاصل. ففي كل الدول التي تتبع النظام الديمقراطي هناك اكثرية تحكم وتدعى الموالاة، واقلية تعارض وتسمى المعارضة. اما ان تنشأ معارضة داخل الحكم، وبالتحديد داخل مجلس الوزراء فأمر مستغرب. فالمعارضة يفترض فيها الا تكون على توافق مع تصرفات الحكومة، فتجهر برفضها سياستها، ولكن الذين يعارضون داخل الحكومة فهم يعارضون من؟ هل هم يعارضون انفسهم؟ فهم الذين يحكمون، وهم الذين تسلموا مقدرات الحكم، وقد اختارهم الشعب اذا كانت للشعب كلمة على هذا الاساس. فاي معارضة هذه وضد من بالتحديد؟
بعد طول جدل، حكي عن اتصالات مكثفة اسفرت عن توافق على عقد جلسة لمجلس الوزراء يشارك فيها الجميع، لتسيير امور الناس المعطلة. ولكن المواطنين فوجئوا بعدد من الوزراء يقاطعون الجلسة بحجة انهم غير موافقين على بعض القضايا. واللافت ان المعارضين هم الفريق الاقوى، المهيمن على كل مقدرات البلد، فضد من يعارضون اذاً؟ هل يريدون ابعاد الفريق الاخر نهائياً فيكرسون انفسهم حكاماً بلا منازع، وهم في الحقيقة كذلك؟
يقولون ان الوضع لا يعجبهم وهم يريدون ان يغيروه. فهل بالمقاطعة يتم التغيير، ام بحضور الجلسات ومحاولة الاصلاح من الداخل؟ اذاً القضية ليست احتجاجاً، بل تنفيذ خطة باتت واضحة، وهي نشر الشلل والفراغ في كل مكان. فرئاسة الجمهورية معطلة منذ اكثر من ستماية يوم ولا من يسأل او يهتم، ومجلس النواب مشلول تماماً وتمضي الايام والاسابيع والاشهر ولا يعقد جلسة واحدة تعالج قضايا الناس الغارقين في اليأس والبؤس، بعدما كفروا بهذه الدولة وبفساد هذه الطبقة السياسية. ومجلس الوزراء هو الاخر معطل ومشلول، واذا ما تسنى له عقد جلسة كل شهرين او ثلاثة او ربما اكثر يقاطعه المقاطعون فتصبح قراراته غير قابلة للتنفيذ، وموضع شك في جديتها. فيتعرقل التنفيذ تماماً، كما حصل بالنسبة الى قرار معالجة كارثة النفايات الجاثمة على صدور اللبنانيين وانوفهم. لقد اتخذ قرار بعد جدل طويل، وبعد طروحات كثيرة، بترحيل هذه النفايات، فلماذا لا تزال تملأ الشوارع والساحات، وتحمل بين جوانبها جميع انواع الامراض التي بدأت تنتشر هنا وهناك، وفي كل مكان، والمسؤولون عنها غافلون؟ لماذا لا ينفذون قراراتهم؟ ولماذا يجتمعون ويتداولون طالما ان طريق التنفيذ مسدود؟
ومن المفارقات التي ترتكب والتي تثير التساؤل والتعجب ما رأيناه في الاسبوع الماضي. فقد استنفرت الدولة كل اجهزتها وتعقبت مواطنين مسالمين، عزل، كل ذنبهم انهم يطالبون بابسط الحقوق التي عجرت هذه الدولة عن تأمينها لهم، فالقت القبض على عدد منهم وسيقوا الى السجن كالمجرمين. في هذا الوقت كانت تطلق شخصاً اعترف بأنه تعامل مع جهات اجنبية ونقل عدداً كبيراً من المتفجرات بهدف تفجيرها ضد سياسيين ورجال دين وفي اماكن عامة، بحيث تقضي على اكبر عدد من الناس. لماذا؟ لان المخططين اعمى الحقد بصرهم وبصيرتهم وارادوا ان يدفع الابرياء ثمناً لا يعرفون مقابل ماذا؟ فهل هذه هي الدولة العادلة الحريصة على مواطنيها ومصالحهم؟
وهذه التناقضات ليست محصورة في الطبقة السياسية الرسمية، بل تشمل بعض السياسيين الحزبيين. فبعد ان انقسمت البلاد بين فريقن 8 و14 اذار، وقد عانى لبنان ما عانى من حروبهم ضد بعضهم البعض، اذا بنا نرى اناساً من هذا الفريق يقفزون الى الفريق الاخر بكل بساطة ودون ان يرف لهم جفن. ففريق 14 اذار الذي منحه الشعب، او الاكثرية الساحقة منه، التوكيل واطلق يده في التصرف واولاه كل ثقته. اساء التصرف واساء الى الامانة. فبدأ منذ اليوم الاول يخسر مواقعه الواحد تلو الاخر، في وقت كان الفريق الاخر اي 8 اذار يدعم مواقفه ويتقدم ويحاول ضرب مكاسب خصومه. وفي فترة قصيرة استطاع ان يحقق هدفه، في وقت كان فريق 14 اذار قادراً على ادارة البلاد وتحقيق اهداف ثورة الارز، التي اصبحت شعاراً بلا مضمون، بفعل سوء ادارة هذا الفريق، واصبحت الكلمة الاولى والاخيرة لفريق 8 اذار، الذي يهيمن على كل مقدرات البلاد، يتلاعب بها وفق اهوائه ومصالحه ومصالح داعميه.
ولم يكتف هذا الفريق بخسارته بل رأيناه يقفز الى الجهات المقابلة. واحد يرشح احد قادة 8 اذار لرئاسة الجمهورية دون اي تشاور مع حلفائه، معلناً نفسه القادر على التحكم بالفريق كله، فينبرى زعيم اخر من 14 اذار ويبدي استعداده لترشيح الد اعدائه. وهكذا انفرط عقد 14 اذار الذي علق عليه الشعب كل الامال، فخاب فأله. والمضحك انهم لا يزالون يؤكدون ان 14 اذار باقية وانهم مستمرون فيها.
بعد كل ذلك هل يمكن الوثوق بالسياسيين في لبنان؟ بالطبع لا، وعلى الشعب المغلوب على امره ان يقلع شوكه بايديه، وان ينزل الى الشارع ويضغط مهما اشتدت الحرب عليه من السياسيين، لانه في النهاية هو الاقوى، وبقليل من الصبر والمثابرة يتحقق له ما يريد.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق