سياسة لبنانية

ماذا بعد جلسة 16 كانون؟!

يمكن تلخيص صورة السباق الرئاسي بعدما دخل أشواطه الأخيرة ومرحلة التصفيات النهائية على الشكل الاتي:
1- ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية أحدث تحولاً في مسار المعركة وفي المعادلة الرئاسية. فلم تعد المواجهة بين عون وجعجع وإنما باتت بين عون وفرنجية، ولم تعد المعركة بين 8 و14 آذار وإنما انتقلت الى داخل 8 آذار، والحريري أقرّ وسلّم عبر مبادرته بأن رئيس الجمهورية سيكون من فريق 8 آذار. وهذا الاعتراف لا يصيب فقط ترشيح جعجع وإنما أيضاً فكرة «الرئيس التوافقي».
2- مبادرة الحريري فقدت زخمها وتعثرت انطلاقتها وحصل ذلك بسبب أخطاء في التقدير حصلت في مثلث «الحريري – فرنجية – جنبلاط» ولعل أهمها ثلاثة:
– خطأ في تقدير موقف حزب الله الذي لا يمكن أن يفوّت فرصة وصول حليفه فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وسيعمل جاهداً على إقناع عون وأن يكون جزءاً من التسوية… ولكن تأكد أن لا عون مستعد للتنازل ولا حزب الله مستعد للضغط عليه، لا بل يضغط في الاتجاه المعاكس، في اتجاه أن يبقى عون متمسكاً بموقفه…
– خطأ في تقدير موقف السعودية التي لا بد وأنها أعطت الضوء الأخضر للحريري كي يُقدم على هذه التسوية، وإنها ستعمل على إنجاحها وستقوم بكل ما يلزم بما في ذلك التدخل لدى جعجع وإقناعه بالموافقة مقابل ضمانات… ولكن تأكد أن جعجع ليس مستعدا لتأييد انتخاب فرنجية لا بل يبدو أقرب الى تأييد عون إذ خُيِّر بين الاثنين.
– خطأ في تقدير الموقف المسيحي بعدما كان الاتكال على بكركي والكتائب والمستقلين لتأمين حد أدنى من غطاء مسيحي للتسوية يعوّض رفض عون وجعجع لها… ولكن تبيّن أن رئيس الكتائب سامي الجميل واجه صعوبة في إقناع مكتبه السياسي وأن البطريرك الراعي واجه صعوبة في إقناع مجلس المطارنة.
3- ترشيح الحريري لفرنجية حرّك الاستحقاق الرئاسي بقوة، أخرجه من حال الاستنقاع والركود ولكن لم يخرجه من المأزق والطريق المسدود. وهذا المأزق يمكن اختصاره على الشكل الاتي:
– العماد عون لا يتراجع عن ترشيحه ولا يرى فرصته في الرئاسة قد استنفدت، لا بل يرى أن عامل الوقت في مصلحته.
– حزب الله لا يتراجع عن تحالفه مع عون… ويعطيه الأولوية على الرئاسة.
– الحريري لا يتراجع عن ترشيحه لفرنجية لمصلحة عون. فإذا كان فرنجية كبّده خسارة، فإن عون سيكبّده هزيمة…
– فرنجية لا يتراجع عن ترشيحه ويرى أن له حظاً في الرئاسة بخلاف عون الذي لا حظ ولا فرصة له بالوصول… فرنجية يلعبها «صولد» إما الرئاسة أو السقوط في السياسة.
4- جلسة 16 كانون في حكم المؤجلة وأن تلحق بسابقاتها… وهامش المفاجآت قبل هذه الجلسة لم يعد موجوداً لأن فريق 8 آذار، وإن اختلف حول ترشيح فرنجية، إلا أنه ما زال موحداً خلف حزب الله، ولا يذهب (باستثناء بري) إلا موحداً الى جلسة الانتخاب. وهذه الجلسة تنتخب المتفق عليه، ولا اتفاق على رئاسة الجمهورية ولا انتخاب ممكن أن يمر من دون حزب الله وعون.
5- السؤال المطروح: ماذا بعد جلسة 16 كانون؟! هل «تطييرها» يعني تطيير الفرصة وتسوية انتخاب فرنجية، وبالتالي العودة الى الوضع السابق والى معادلة: عون… أو لا رئيس؟! أم أن التأجيل هو لمزيد من تهدئة اللعبة والانفعالات وإعادة إنتاج التسوية وتمريرها بطريقة جديدة ومن منطلق أن المعادلة الجديدة أصبحت: فرنجية… أو لا رئيس؟!
في الواقع تطرح التقديرات والاحتمالات الاتية:
أ- صعوبة العودة من «مربع فرنجية» الى «مربع عون».
ب- جدية ترشيح فرنجية وأن التسوية المتداولة ما زالت حية ترزق ولم تمت، وأنها تعثرت وانتكست لكنها لم تسقط، وأن ورقتها طويت ووضعت جانباً ولكنها لم تُرمَ في سلة المهملات…
فلم يعد فرنجية مجرد مرشح رئاسي، وإنما بات يختصر معادلة سياسية تحظى بقوة دفع دولية ولكن غير مكتملة إقليمياً، وبأكثرية نيابية عددية، ولكن مع وجود فجوة مسيحية… وما هو حاصل مع فرنجية يذكر بما حصل مع ميشال سليمان عندما جرى الاتفاق عليه في العام 2007 وجرى انتخابه «على الساخن» في العام 2008… وما بين الاتفاق والانتخاب حصلت أحداث أمنية أبرزها 7 أيار (مايو) وحصلت تسوية الدوحة… وبالتالي فإن سيناريو سليمان يمكن أن يتكرر مع فرنجية الذي سينتخب عاجلاً أم آجلاً، وسيتأخر انتخابه الذي سيحصل بعد أحداث تفرضه وتسوية تظلله.
ج- الانتقال من فرنجية الى مربع «الرئيس التوافقي» احتمال وارد أيضاً، ولكن هذا لا يحدث إلا بعد أشهر وبعد التأكد من عدم إمكانية انتخاب فرنجية بسبب موانع داخلية بدت هذه المرة أكبر من قوة الدفع الدولي. وبالتالي فإن سيناريو العام 2008 لا يتكرر خصوصاً ما يتعلق بموقف عون وطريقة تصرف حزب الله الذي لا يريد ميشال سليمان آخر ولا يرى في وصول فرنجية عن طريق السعودية والحريري إلا إضعافاً وتقييداً له.
أما الموقف الدولي فإنه مؤيد لفرنجية من منطلق اهتمامه بانتخاب رئيس للبنان ورؤيته للتسوية الحالية بأنها توفر حلاً ممكناً ووحيداً في هذه المرحلة… فإذا صار توافق على غير فرنجية، أياً يكن الرئيس المتوافق عليه، لا مشكلة لدى الدول المعنية بالشأن اللبناني… المهم انتخاب رئيس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق