دولياترئيسي

الفرنسيون من أصول عربية يتأهبون لقطع الطريق على مارين لوبان

بعد امتناع أغلبيتهم عن التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات المناطقية، يتأهب الفرنسيون من أصول عربية، في منطقة نور با دو كاليه بيكاردي (شمال فرنسا) لقطع الطريق على اليمين المتطرف ومنع زعيمته مارين لوبان من الفوز برئاسة منطقتهم.

«كانت الصدمة عند إعلان النتائج كبيرة جداً، كنت أتوقع حلول مارين لوبان في الطليعة لكن لم أتخيل أنها ستحصد 40 في المئة من الأصوات». حكيم أغوني يتحدث ويحلل ويتأسف، ويتحسر ويتساءل كيف ستكون الأمور في حال اكدت زعيمة «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة نتيجة الدورة الأولى من الانتخابات الجهوية في نور با دو كاليه بيكاردي، وفازت برئاسة هذه المنطقة الشعبية الواقعة في شمال فرنسا؟
يتحدث حكيم وعيناه تنتقل من مكان لآخر داخل متجر أبيه بحي وازيم الشعبي في مدينة ليل، كبرى مدن المنطقة، وكأن هذا الأستاذ الجامعي يبحث عن كلمات دقيقة للتعبير عما أسماه «مأساة». يبحث عن كلمات بسيطة لتفسير نتائج الجولة الأولى التي فازت فيها لوبان بنسبة 40،64 بالمئة من أصوات ناخبي نور با دو كاليه بيكاردي، مقابل 24،97 في المئة لمرشح اليمين المعتدل كزافييه برتران، فيما حل مرشح الحزب الاشتراكي بيار دو سانتينيون، ثالثا بنسبة 18،12 في المئة.

«أنا لا أبالي!»
حكيم أغوني، فرنسي من أصل جزائري يسكن في حي وازيم الذي يعيش فيه كثير من العرب والمسلمين. حي شعبي يقع على مشارف مدينة ليل، يعج بالمحلات والمتاجر المغاربية ويشهد حركة تجارية وبشرية كثيفة تميزه عن غيره من الأحياء بالمدينة.
عندما تتحدث إلى عرب ومسلمي هذا الحي، تلمس لديهم شعوراً بالإحباط، وهو ما يتذرعون به لتبرير غياب أغلبيتهم عن التصويت في الجولة الأولى من الانتخابات المناطقية التي جرت الأحد الماضي، علما أن أصواتهم غالباً ما تكون في صالح اليسار.
التقينا رشيد عند مدخل مطعم صديقه جمال، في قلب وازيم. عندما تسأله عن احتمال فوز مارين لوبان برئاسة المنطقة، يجيب هذا الفرنسي المغربي الذي يعمل بقطاع المواصلات مبتسماً «أنا لا أبالي!» ثم يضيف «ما الذي سيتغير في حياتي إذا فازت مارين أو فشلت؟». رشيد يسعى لإيجاد مبررات لدى صديقين محيطين به، لا سيما جمال الذي قال متحدياً اليمين المتطرف «دعوهم يصلون إلى الحكم، سوف نرى ماذا يفعلون».

لا أرى عذراً عن تخلف أحدهم عن التصويت
غياب الكثير من المصوتين العرب والمسلمين عن مراكز الاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات في نور با دو كالي لم يفاجأ حكيم أغوني، لكن الأمر يزعجه. «لا أفهم هذا التصرف ولا أقبله على الإطلاق»، يقول حكيم، ويتابع «لا أفهم كيف نبقى مكتوفي الأيدي أمام ظاهرة خطيرة مثل اليمين المتطرف؟ واضح بالنسبة إلي أن أغلبية الممتنعين عن التصويت يجهلون عواقب وصول مارين لوبان إلى رئاسة المنطقة».
لكن حكيم متفائل بقدرة هذه الفئة من المجتمع الفرنسي على الانتفاضة في الجولة الثانية، الأحد المقبل، لقطع الطريق على اليمين المتطرف. ومونية، الفرنسية المغربية التي تسكن في حي وازيم، متفائلة أيضاً باستيقاظ عرب ومسلمي ليل وكل المنطقة للوقوف في وجه «الجبهة الوطنية».
وتقول مونية، العاملة في قطاع الخدمات الاجتماعية والتي تقترب من التقاعد «دعوت أولادي وسأظل أدعوهم إلى ممارسة حقهم وواجبهم الانتخابي، فهم مواطنون فرنسيون كغيرهم ولا أرى عذراً عن تخلف أحدهم عن التصويت». فعلى الرغم من أنها تعترف بتعرض العرب والمسلمين للتمييز والتهميش، خصوصاً في مجال العمل، إلا أن مونية تتمنى أن يهتموا بأمورهم ويفرضوا وجودهم عن طريق التصويت.
تدعوهم مونية لفرض أنفسهم في منطقة يعيش فيها نحو ستة ملايين شخص، وهي ثالث منطقة في فرنسا من حيث عدد السكان، كما أن نسب البطالة والفقر في هذه المنطقة تتراوح بين 12 و18 في المئة، بحسب تقديرات معهد مونتاني المختص في قضايا المجتمع. وسيبلغ عدد مستشاري المنطقة الجديدة (قبل الإصلاح الإداري في تموز/يوليو الماضي، كانت ليل تابعة لمنطقة نور با دوكاليه) 170 مستشاراً، كلهم من اليمين واليمين المتطرف، حيث أن المرشح الاشتراكي «بيار دو سانتينيون» انسحب أمام مرشح اليمين «كزافييه برتران» لقطع الطريق أمام مارين لوبان.
حكيم أغوني مستاء لانسحاب مرشح اليسار، لكن أمام خطر اليمين المتطرف يقول إن الخيار واضح وضوح الشمس «الجمهورية ضد الإقصاء والتهميش والتطرف».

«مسلمون ومواطنون»
ولا يشك عبد الوهاب نبحدة، رئيس مسجد ليل الكبير، في أن المسلمين بالمنطقة سيدلون بأصواتهم الأحد في الجولة الثانية كغيرهم من المواطنين الفرنسيين، للتعبير عن مكانتهم في المجتمع. عبد الوهاب أستاذ بثانوية ابن سينا، بضاحية ليل جنوب، ويعرف أكثر من سواه معاداة الإسلام والمسلمين في نور با دو كاليه بيكاردي. وبالتالي، فإن احتمال وصول مارين لوبان إلى رئاسة المنطقة يؤرقه كثيراً.
ويقول عبد الوهاب، والذي لم يتفاجأ بنتيجة الجولة الأولى من الانتخابات «انتخاب لوبان على رأس المنطقة أمر لا يصدق، وندعو كل المواطنين الواعين بخطر اليمين المتطرف إلى التصويت لأجل قطع الطريق أمامه». ورغم اعترافه بوجود فكر متشدد لدى «فئة قليلة جداً» من مسلمي المنطقة يعتبرون التصويت حرام، يشدد رئيس مسجد ليل على أن «فرنسا دولة قانون، وعلى الفرنسيين ومن بينهم المسلمين احترام القانون». ويضيف «نحن نعتز بجذورنا الإسلامية ولكننا في ذات الوقت متمسكون بالمواطنة، وليس لدينا أي إشكال مع قانون العلمانية».
فهل تستيقظ ليل وتستفيق نور با دو كاليه بيكاردي لتنتفض في وجه اليمين المتطرف؟ بالنسبة إلى إيريك ديليس، وهو أحد أبرز ممثلي اليمين المتطرف في ليل، «الفوز بات قريب». أما بالنسبة إلى حكيم أغوني، فـ «الانتفاضة واجب».

فرانس 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق