آدب

سيلينا سري الدين: الحب مادة اساسية في كتاباتنا وشعلة تضيء دروبنا

عن «المركز العربي للابحاث والتوثيق» في بيروت، صدر حديثاً، كتاب بعنوان «أحجية عشقٍ لا تُحلّ إلا بِكَ…» للأديبة والرسامة والمهندسة المعمارية سيلينا سري الدين. هذا الكتاب يبدأ بالحب، وينتهي بالحب، هذه الكلمة الصغيرة، الساحرة، التي تخرج من اعماق الحلق لتنتهي عند اطراف  الثغر، فتعبّر اجمل تعبير عمّا في اعماقنا من عواطف حارّة وأمنيات نطمح اليها… هذه الكلمة الصغيرة، الساحرة، التي تارة ترتفع بنا الى القمة، وطوراً تهبط بنا الى الاسفل. مع الحب تصير الحياة بلون الورد، ومن دونه تتحول الى صحراء قاحلة، انه محور الوجود في كل زمان ومكان. في هذا الكتاب الجميل والأنيق، تبوح سيلينا سري الدين بأحلى الكلام المغلّف بالحب والمعاناة والمشاعر الانسانية، وترسم اجمل الرسوم المعبرة… وهي القائلة، بأنها تعيد رسم الحياة بالريشة والقلم، فهما صنوان لا ينفصلان. فهذا الكتاب، يشبه صاحبته، يشبه الكاتبة والشاعرة الحالمة والصريحة والصادقة، والمؤمنة بالحب العفيف، والباحثة عن طمأنينة النفس وسلام البشرية.

ما وراء عنوان كتابك الجديد «أُحجية عشق لا تُحلّ إلا بكَ…»؟
نحن نعيش في زمن تناسى نغمات القلب وانغمس في مشكلات الحياة الاقتصادية وفي الحروب والدماء. وهذا ما فرضته علينا الانظمة والدول، ووسائل الاعلام، التي تبث على مدار الليل والنهار مشاهد المجازر وأشلاء الاطفال… من هذا المنطلق، ولكي نعيد صورة لبنان، الذي طالما كان الحب الصادق والرومانسية، هما عنوان حياتنا اليومية، ولكي نورث الجيل الجديد هذه المفاهيم، ونبعده عن الصور المأساوية اليومية، فلا بدّ لي: ان اعيد دقات القلب والتفاؤل الى حياة شبابنا.
كما ان جمالية العشق، تكمن في غموضه… فلو حُلّت ألغازه لفقد وهجه الأثيري، واصبح مادة سهلة يتحكّم العقل بها. وتنتهي معه الخرافة لمملكة الأمنيات، والصراع الأزلي بين لهفة القلب ورجاحة العقل.

 حامل الهوى
عندما بدأت بقراءة كتابكِ، تذكرت بيت الشعر القديم الجديد: «حامل الهوى تَعِبُ»… فهل كُتب علينا العيش في هذه الدوامة؟

ان الحب الصاد
ق والبنّاء لا يتعب صاحبه، لأن الحب مشاعر انسانية واستمرار للبشرية، وكما لا يمكن إلغاء العقل ووظائفه فلا يمكن الغاء المشاعر ودقات القلوب، لأن ما يميز الانسان عن غيره من الكائنات، هو المشاعر الانسانية، ومن ضمنها الحب المتوازن مع العقل.
فالدوام
ة الحقيقية، يعيشها اصحاب المشاريع، الذين لا يعرفون النوم، من اجل الحفاظ على ثرواتهم او زيادتها ويتناسون نغمات القلب.

قصص عشقية
كنت كلما قرأت صفحة من صفحات هذا الكتاب الجميل، تزداد حيرتي وتزداد تساؤلاتي، تارة أشعر أن الحب بين الحبيب والحبيبة غير متبادل، وطوراً أشعر العكس… فما هو رأيكِ؟

ان القصص العشقية التي رويتها، كانت بأسلوب ارتوت بفصول الطبيعة، التي تُبدّل ثوبها من فصل الى فصل… فلا عجب ان الحب يتبدّل حسب اهواء ومزاجية الواقع المتناقضة…

اجمل الشعر
كتابكِ يبدأ بالحب وينتهي بالحب، هذا الوهم الجميل الذي يتسرب الى قلوبنا بلا استئذان… وفي رأيي ان اجمل واصدق الادب هو النابع من الذات، اي انني لا اوافق تماماً ما قاله ذات يوم الشاعر الرائع أمين نخلة من ان «اجمل الشعر أكذبه». فالى اي حد هذا الكتاب يشبهكِ؟

ان الكلمة الصادقة  والواضحة كالشمس، تبقى حيّة أبداً ولا تموت، حتى ولو رحل قائلها. والشعر ينبع من وجدان الشاعر، حاملاً انفعالاته وعواطفه الذاتية. وهو يفعل ذلك من دون تكلّف او مشقة، لأن الموهبة الشعرية تتكفل بذلك، وان ما يخرج من القلب يدخل الى القلب من دون استئذان. لذلك اوافقك الرأي، بأن اجمل الشعر اصدقه وليس أكذبه، «وعذراً من شاعرنا العظيم أمين نخلة». وان لم نجد الحب في حياتنا لاخترعناه، ليكون مادة اساسية في كتاباتنا وشعلة تضيء دربنا.
كذلك، فان كتابي هذا هو مرآة لشخصيتي، التي اتسمت بالصدق والصراحة مع نفسي اولاً، ومع الآخرين. فكنت أصوّر ذاتي وأعبّر عن مشاعر الآخرين من خلال «أحجية عشق  لا تحل الا بِكَ…» لأن مشاعري امتداد لمشاعر الآخرين وبالعكس.

صرخة في وجه الرجل
هل ان هذا الكتاب صرخة في وجه الرجل الشرقي؟

ان للحب معاني سامية وفناً لا يستطيع اتقانه الا ذوو القلوب الطاهرة.
وان جميع الاديان تزرع الحب «أحبوا بعضكم بعضاً» وترافقه بالمودة والرحمة وتتوجه بالزواج.
ولكن، نجد ان الرجل الشرقي يجهل ثقافة التعبير عن الودّ والحب والمشاعر. وقد يعود ذلك الى عدم ثقته بنفسه وبالآخر، أو نتيجة كبرياء، او تعالٍ في غير موضعه، او نتيجة تربية خاطئة، تصور اظهار الحب بأنه ضعف او نقص او سذاجة، وقد يتكلف الكثير من الجهد والمال حتى يبدي حبه لمن أحب، مع العلم، انه قد يختصر ذلك كله بكلمة رقيقة ولطيفة.
لذا، جاء كتابي هذا، كصرخة في وجه الرجل عموماً، لا سيّما ان الحب لا يميز بين شرقي وغربي، فالتمييز يكون بالتعامل مع هذا الحب.

محطة الذكريات
هل هو مجرد اعترافات فتاة عاشقة وقلقة على حبها؟

ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، فكما ان الزرع لا يعيش من دون ماء وهواء، فالانسان بطبيعته مكوّن من كتلة مشاعر تحرّك سلوكه، فمن الطبيعي الا يحيا الانسان من دون حب. وفي رأيي، ان وراء كل انسان ناجح ومتفائل حباً جارفاً.
اما بالنسبة الى شخصيات كتابي، فانها مجرد قصص حب لاشخاص، كنت شاهدة على مشاعرهم التي تسرّبت من قلوبهم، والتي تاهت بين سراديب الحياة اليومية… فكنت الصائدة الماهرة لهذه العشقية التي زرعت على ضفاف العمر… وانتهت عند محطة الانتظار والذكريات.

لا بدّ من الأحلام
تقولين، وما اجمل ما تقولين، او بالاحرى تتساءلين: «ماذا لو كانت ايامنا تشبه احلامنا…» فهل هذا يعني ان احلامنا دائماً بعيدة المنال. فالى متى ستظل احلامنا مجرد احلام؟!

تمرّ بنا لحظات نتمنى أن نسطّر ما نريد بحرية، دون ان نجد ما يقيدنا، وفي لحظات اخرى، نريد ان نكتب بعفوية، لا يهم ما نكتبه، بقدر ما يهمنا ان نكتب. وتقتلنا لحظات نبحث بها عمن يسمعنا. وبما ان ايامنا متشابهة، ترانا نسترجع احلامنا، هي الاحلام التي عجزت الآمال عن تحقيقها على ضفاف حلم أرقّ من خيوط العنكبوت.
لقد رسمت كل تلك الصور وأبحرت في كل الاتجاهات، مغمضة عيني، لأعيش ما لم تستطع يداي ان تمسكه. والشخص السوي ليس الذي لا يحلم بل  هو الذي لا يعطي الحلم اكثر من حدوده، ويشعل له الضوء الاحمر عندما يحاول ان يتحكم به.
وخير لنا ان نحلم كثيراً حتى ولو حققنا قليلاً، من ان لا نحلم ابداً.
وحتى ولو بقيت احلامنا مجرد احلام وحبراً على ورق.

الرسم بالكلمات
في كتابك الجديد – وكما تقولين – أنتِ تعيدين رسم الحياة بالريشة والقلم، فكيف تحددين العلاقة بينهما وأنتِ الكاتبة والرسامة معاً؟

القلم والريشة صنوان لا ينفصلان،  فإن وقع الكلمات على النفوس لساحر، يحرّك النفس والروح والمشاعر، حتى قيل، ان تأثير القلم على الأمم أبلغ من أثر السيف  والألم. وان الكلمة الآن هي المحرّك الرئيسي للشعوب، فكم من كلمة اقامت حروباً وكم من كلمة اصلحت بين دول.
اما الرسم فهو غذاء للروح كما الطعام غذاء للجسد، واذا لم تستطع الأذن ان تلتقط الكلمة فلا بدّ للعين ان تلتقط الخطوط والألوان، فكيف اذا اجتمعت الكلمة مع الريشة؟ فكان الرسم بالكلمات.

الكلمة والألوان معاً
اين تجدين نفسك اكثر، في الكتابة او في الرسم؟

ان الفنون لا تتجزأ عن بعضها البعض، الكتابة فن، والرسم فن.
لا أذهب الى الكتابة دائماً، خشية ان اكرر نفسي، فالجأ الى الريشة. ولا ننسى ان الانسان بدأ بالكتابة عن طريق الرسم، ثم تطورت هذه الرموز الى حروف.
لذلك، فانني أجد نفسي في الكتابة وفي الرسم معاً، وبالتساوي بين الكلمة والالوان.

الدور الأبرز
أنتِ ابنة كاتب وصحافي اسمه رجا سري الدين، وابنة كاتبة وباحثة اسمها عايدة العلي سري الدين، هل تعتقدين ان الكتابة نوع من الوراثة؟

عادة ما تلعب الجينات دوراً اساسياً في هذا المضمار، اذ نجد ان من يتربى في جو سياسي، لا بد ان يصبح سياسياً او كاتباً. وفي احيان اخرى، تلعب المصادفة دوراً كبيراً في حياتنا، اذ نجد انفسنا على خطى والدينا لا شعورياً ودون ان ندري.
بالنسبة اليّ، لا شك في ان والديّ كان لهما الدور الابرز في ما وصلت اليه الآن. ولكن لا يمكن ان اغفل ايضاً، تأثير الظروف  والمعاناة كمحرك اساسي لقلمي وريشتي.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق