سياسة لبنانية

التسوية التشريعية – السياسية: حسابات الربح والخسارة

التسوية السياسية – التشريعية أعلنها الرئيس سعد الحريري من الرياض بعد اتصالات الخطوط المفتوحة مع لبنان (عين التينة – معراب – الرابية)، وبعد مشاورات مع وفد وزاري مكتمل المواصفات الطائفية والسياسية (سلام – باسيل  حسن خليل – أبو فاعور – مقبل)… وهذه التسوية تضمنت وفق إعلان الحريري ثلاث نقاط:
– مشاركة تيار المستقبل في الجلسة التشريعية المنعقدة الخميس لإقرار المشاريع المالية.
-التزام تيار المستقبل عدم حضور أي جلسة تشريعية بعد اليوم لا تكون مخصصة لمناقشة قانون جديد للانتخابات بهدف التوصل إلى صيغة لإقراره.
– التصويت لإقرار قانون استعادة الجنسية اللبنانية.
هذه البنود يضاف إليها بنود أخرى تفصيلية منها إقرار قانون تحرير أموال البلديات والاتفاق على سحب توصية سابقة للمجلس النيابي حول عدم أولوية قانون الانتخاب وتشكيل لجنة نيابية مصغرة مع  مهلة شهرين لإعداد قانون انتخاب وإقراره، وإلا فلا تشريع كما تعهد الحريري.
أهمية هذه التسوية ليست فقط في أنها «أنقذت الوضع الهش» وحالت دون انزلاقه الى أزمة سياسية – طائفية اندلعت فجأة في وقت غير مناسب وظرف غير ملائم، أهميتها تكمن في نقطتين:
1- أنها أكدت أن الوضع محكوم بضوابط وتوازنات وتحالفات لا يمكن تغييرها أو كسرها أو القفز فوقها، وبالتالي فإن الستاتيكو القائم هو حاجة ومصلحة للجميع.
2- أنها شكلت مؤشراً إيجابياً، للمرة الأولى منذ عام ونصف، الى إمكانية الخروج من مرحلة التأزم والفراغ الى مرحلة الانفراج والملاءة. فهذه الحلحلة تؤشر الى حل. وإذا كانت القوى السياسية قادرة على إنتاج تسوية مرحلية فإنها قادرة على تسوية شاملة.
أما في حسابات الربح والخسارة فيمكن اختصارها بأن الجميع خرج رابحاً، أو بتعبير أدق أن أحداً لم يخرج خاسراً وانتهت الجولة بالتعادل السلبي. وهكذا فإن:
– الرئيس نبيه بري نفذ ما قرره: انعقاد الجلسة في موعدها ومن دون إدراج قانون الانتخاب على جدول أعمالها. ولكنه بالمقابل وصل الى نتيجة مشابهة لإدراجه القانون ومؤداها أن أي جلسة تشريعية جديدة لم تعد ممكنة من دون قانون الانتخابات على رأس جدول أعمالها.
– الرئيس سعد الحريري ظهر في موقع ودور «المنقذ للموقف» وفي «واجهة التسوية» التي من دونه لم تكن لتحصل بعدما أوصد بري الأبواب. هذه الجولة بدأها بري الذي وقف للمرة الأولى بكشل مكشوف على خط المواجهة مع المسيحيين، وأنهاها الحريري الذي وقف على «خط المجاملة»…
– حزب الله الذي لم يظهر الى الواجهة وعمل من خلف الستارة، يكفيه في هذه الجولة أنه نجح في التوفيق بين حليفيه عون وبري…
– الثنائي «عون – جعجع» خرج بربح مشترك بعدما خاض المعركة صفاً واحداً. هذه المعركة السياسية «الصغيرة» التي أعطت مؤشراً الى ثبات ورقة النوايا وبدء الترجمة العملية لها، والى إمكانية وصول التوافق المسيحي الى نتيجة فيما لو وحد موقفه وهدفه. ولا مبالغة في القول إن هذا أول مكسب (لا يصح الكلام عن انتصار) يحصل عليه المسيحيون في السنوات العشر الأخيرة، وأول إنجاز يفتح صفحة جديدة في طريقة التعامل معهم، إذ لم يعد بالإمكان تجاهلهم أو تجاوزهم أو الاستمرار في نمط التعاطي الذي كان متبعاً أيام الوصاية السورية (استيطاء حيطهم).
– حزب الكتائب ليس خاسراً سياسياً بعدما استلحق نفسه وانضم من موقعه وعلى طريقته الى «الانتفاضة المسيحية»… ولكنه خاسر معنوياً بسلوكه خيار «السياسة السلبية» (تعليق مشاركته في الحوار والاستمرار في مقاطعة البرلمان). والمشهد اليوم معبّر، إذ بينما يعيش التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية «أجواء احتفالية» ويعتبران المعركة منتهية في جولتها الحالية، يواصل الكتائب احتجاجه ويقف وحيداً في الشارع…
الموقف المسيحي كان موزعاً في هذه المعركة بين مقاطعة شاملة (الكتائب) ومشاركة مجانية (المردة) ومشاركة مشروطة ومدفوعة الثمن (القوات والتيار). وأما الثمن النقدي فكان إقرار قانون استعادة الجنسية وقانون تحرير أموال البلديات. وأما الثمن المؤجل وقد يكون شك بلا رصيد فهو قانون الانتخابات. بمعنى العودة الى النقاش فيه من دون الوصول الى إقراره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق