سياسة لبنانية

كيف يتصرف عون بعد 11 تشرين؟

يتصرف أطراف الحوار والحكومة على أساس أن التسوية السياسية – العسكرية سقطت عملياً، وأن الحكومة تعطلت عملياً نتيجة لذلك ولم يعد أحد يتحدث عن «مفاجآت ربع الساعة الأخير»… أما في حسابات الربح والخسارة، فإن أوساط قوى 14 آذار في تقويمها لنتائج هذه الجولة تعتبر أن العماد ميشال عون خسر جولة جديدة هي الثانية في غضون شهرين بعد خسارته معركة تعيين قائد جديد للجيش وعدم التمديد للعماد قهوجي، وبالتالي فإن العماد عون خسر النصف الثاني من المعركة والذي كان يقضي بإبقاء روكز في المؤسسة العسكرية و«حفظ حقه وفرصته» في قيادة الجيش، في حين أن العماد قهوجي خرج بربح كامل، فهو استمر في موقعه قائداً للجيش وحفظ بذلك حقه وفرصته في رئاسة الجمهورية. ولم يكن وضعه ليستمر قوياً ومتماسكاً لو بقي روكز في الجيش عبر ترقيته الى رتبة لواء لأن هذه الترقية ستكون مؤشراً الى أنه قائد الجيش المقبل وسيكون بمثابة قائد ظل أو رديف للجيش مما يشكل إضعافاً لـ «قيادة قهوجي وورقته الرئاسية»…
وفي نظر هذه الأوساط أن جملة عوامل تضافرت وافشلت الوصول الى التسوية: العماد قهوجي لم يكن مضطراً للتدخل بعدما تكفل وزير الدفاع سمير مقبل بمهمة إحباط مشروع الترقيات… والرئيس سليمان وجدها فرصة سانحة للنيل من عون الذي لم يكن يحسب له حساباً وأخرجه من حساباته منذ خروجه من قصر بعبدا… والرئيس سعد الحريري لم يرَ من داعٍ أو مصلحة له لممارسة ضغوط على حلفائه المسيحيين في الحكومة من أجل خصمه عون حليف حزب الله… والسعودية ليست أبداً في وارد التدخل وممارسة ضغوط على الحريري أو على سليمان في وقت تتلقى أعنف الحملات وأقساها من حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله… ولم يعد مهماً تفنيد الأسباب وإنما الوقوف على النتيجة المترتبة على فشل التسوية: فمن جهة ظهر أن بري وجنبلاط لا يمسكان تماماً بزمام الأمور والتسويات… ومن جهة ثانية خسر عون معركة قيادة الجيش خسارة كاملة ومن يخسر هذه المعركة كيف له أن يربح معركة رئاسة الجمهورية؟!
الصورة في الرابية ليست على هذا القدر من الإحباط والشعور المرير بالخسارة، لا بل ثمة صورة ثانية يجري تظهيرها أو ترويجها تفيد بأن العماد عون أصبح الآن مرتاحاً ومتحرراً من تسوية لم يكن مقتنعاً بها ومتحمساً لها، خصوصاً بعدما تكوّن اعتقاد وانطباع أنه يسعى ويلهث وراء ترقية العميد روكز ووراء الحصول على «جائزة ترضية». ولكن ما حصل أن عون تحرر من عبء ثقيل ومن تسوية كانت ستعطيه ربحاً وهمياً مقابل ثمن باهظ سيدفعه سياسياً وشعبياً بعدما جرى التسويق لهذه التسوية باعتبارها خدمة شخصية له ولصهره روكز، والإيحاء بأن التيار الوطني الحر يسعى الى مكاسب آنية «عائلية» متنازلاً عن مطالبه الأساسية والجوهرية…
مصادر الرابية تكاد أن توحي أن عون هو الطرف الثالث بعد الحريري وقهوجي الذي ارتاح ضمناً لدور سليمان التعطيلي لتسوية لم تعد مربحة ومناسبة ولا يريد أن يتحمل مسؤولية إفشالها حتى لا يتحمل مسؤولية الوضع الذي سيليها… وتعطي هذه المصادر انطباعاً أن التسوية والترقيات صارت وراءها، وأن تظاهرة 11 تشرين فتحت صفحة مرحلة جديدة ونقلت المعركة الى ملعب آخر. التيار الوطني الحر هو الطرف واللاعب الأقوى فيه، وهذه التظاهرة بدأ التعاطي معها ليست فقط كـ «عرض قوة» شعبي وسياسي بما يعزز الشرعية الشعبية والسياسية لرئاسة جبران باسيل للتيار، وإنما أيضاً كرد مباشر يدشن مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والحكومي ويعيد المعركة الى مسارها الأساسي رئاسة الجمهورية بعدما خرجت لفترة في اتجاه مسار جانبي هو «قيادة الجيش».
لا يفكر عون في الخروج من الحكومة، فأي خطوة من هذا النوع لا بد وأن تكون منسقة مع حزب الله… وإنما يفضل أن يبقى داخل الحكومة لممارسة «التعطيل البناء»… وباستثناء ملف النفايات الذي ينتمي الى حقبة ما قبل 11 تشرين، لا تسهيلات بعد اليوم في الحكومة التي ستدخل عملياً في دائرة الجمود والفراغ بعد رئاسة الجمهورية ومجلس النواب… لتستقر الكرة من جديد في ملعب الرئيس تمام سلام: هل يقبل ويرضى بهذا الواقع أم يلجأ الى الاستقالة؟! وهل يفضل حكومة مستقيلة على حكومة معطلة، أي يفضل حكومة تصريف أعمال بطريقة رسمية وقانونية تحرره من المسؤولية وتبقيه في السلطة؟!
حذرت مصادر الرابية من أن تعثر اتخاذ قرار سياسي بقضية الترقيات العسكرية يعني «التعطيل الشامل.. وانتظار انتخابات سوريا لحل المشكلة في لبنان». وقالت: «الجنرال عون أصبح فعلياً في مرحلة «ما بعد شامل روكز» وهذا يجعله أكثر ارتياحاً وتحرراً من أي عبء ضاغط عليه في الموضوع»، مضيفة في سياق تحذيرها من مغبة عدم إقرار الترقيات: «لم يعد يقبل بأقل من رئاسة الجمهورية ولن يعود إلى الحكومة إلا بعد انتخابه رئيساً أو أقلّه بعد إجراء انتخابات نيابية جديدة».
المصادر تضيف: «أصبحنا اليوم في مكان آخر. والعماد ميشال عون يعتبر أنه قد تحرر من هذا الأمر الذي بات عبئاً عليه، وكان أحد أسباب غيابه عن طاولة الحوار أمس».
وشددت المصادر على أنه «لا عمل للحكومة بعد اليوم، والمعادلة باتت كالآتي: نفهم أننا لا نستطيع أن نفرض إجراء انتخابات نيابية، وفي المقابل على الفريق الآخر أن يفهم أنه لن يفرض علينا انتخابات رئاسية، والبلد ذاهب إلى التعطيل».
بالنسبة الى العماد عون «المستقبل» يظل يتحمل المسؤولية السياسية عن سقوط التسوية حتى لو جاء الرفض من حلفائه واتخذ من هذا الأمر حجة وذريعة للتنصل من المسؤولية. وفي هذه الحال فإن رد عون سيكون تعطيل الحكومة من دون الخروج منها، وهو قادر على ذلك لأن حزب الله يدعمه في كل ما يقرره ويراه مناسباً. والرئيس بري يتضامن كلياً مع حزب الله في موقفه الحكومي بقاء أو خروجاً… وهذا الموقف أبلغه بري عبر وزيره علي حسن خليل على طاولة حوار عين التينة لوفد المستقبل في الجلسة الأخيرة التي كاد أن يكون موضوع الترقيات العسكرية البند الوحيد على جدول أعمالها…
والخلاصة أن المعادلة السياسية واضحة، بخلاف الصورة السياسية المشوّشة، وهذه المعادلة هي «التسوية… أو الحكومة». فإذا «طارت التسوية» تعطلت الحكومة وانتهت عملياً… المسألة باتت مسألة أيام ومصير الحكومة يتقرر في غضون أسبوع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق