سياسة لبنانية

«قراءة سياسية» في الحراك الشعبي في الشارع ما له وما عليه (نقاط الضعف والقوة) الإنجازات والخيبات

يتابع الحراك المدني طرح العناوين المطلبية وتسيير التظاهرات التي تنادي بالمحاسبة وتحقيق العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي… ما زال هذا الحراك صامداً ولكن أصابه تضعضع وانحسار في الحجم والزخم مع جهود الطبقة السياسية لاحتوائه وفي ظل شكوك وتساؤلات تحاصره… الحراك الشعبي تحول جزءاً لا يتجزأ من الحياة السياسية المتحركة على إيقاع الشارع والموزعة بين حوار وحراك… وفي وقت يستمر المتحاورون في الدوران في حلقة مفرغة، يحاول منظمو الحراك الشعبي تفادي الوقوع في أفخاخ ومطبات… وفي يوم جديد من المواجهة بين المتحاورين والمتظاهرين، بين الطبقة السياسية الحاكمة والطبقة الشعبية المحكومة، هذه جردة حساب وتقويم للمراقبين والمحللين لما استطاع الحراك إنجازه وما عجز عن تحقيقه ولنقاط القوة والضعف، وللإنجازات والخيبات، ولعلامات النجاح والفشل…

أولاً: نجح الحراك في تحقيق مجموعة من الأهداف والإنجازات أبرزها:
– إثبات صموده وقدرته على الحشد، ويبدو أن الخطة الرسمية لاستيعاب الشارع لم تنجح في إطفاء التحرك .
– ما حدث أشبه بصحوة شعبية عارمة، وقد كشف هذا الحراك عما يختلج في صدور اللبنايين على اختلاف طبقاتهم وطوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم من أزمات ومطالب. فقد استطاعت مجموعات الشباب والصبايا إيقاظ الحس الشعبي العارم وطرح كل الشعارات التي توحد اللبنانيين على رغم انقساماتهم العميقة.
– نجح الحراك حتى الآن في مواصلة الاحتفاظ بالمبادرة على الرغم من كل الضغوط التي يتعرض لها، إما لإحراجه فإخراجه من الشارع وإما لحرفه عن مساره الأصلي. وخيّب الحراك آمال المراهنين على تعبه وفقدان الزخم والحيوية متجاوزاً محاولات التشويش عليه. ولم يعد المحك بالنسبة الى المتحمسين للحراك يتمثل في عدد المشاركين الذي قد يزيد تارة أو ينقص أخرى، تبعاً للظروف، المهم هو الاستمرار في الضغط والمواجهة الديمقراطية من خلال تكتيكات مختلفة تتراوح بين ما هو مباغت وما هو معلن.
– الحراك أثبت أنه قادر على تقديم نماذج راقية ومنضبطة من التحركات الاحتجاجية في الشارع. وأثبت أنه قادر على تجاوز التباينات داخله. وللمرة الأولى منذ انطلاق الحراك في تموز (يوليو) الماضي رفعت المجموعات سقفها وخاطبت قوى النظام كلها: الزعماء والسلطة والهيئات الاقتصادية.
– على رغم أن الحراك الحالي لم يأت من فراغ وإنما نتيجة تراكم حراكات سابقة من «حملة إسقاط النظام الطائفي» إلى حراكات حقوقية نسوية وشبابية وصولاً إلى هيئة التنسيق النقابية، إلا أن السقف السياسي الذي وضعه كان الأعلى لجهة الانقلاب على الاصطفافات السياسية ما بين قطبي 8 و14 أذار.
– إذا كانت المجموعات الشبابية الفتية التي انطلقت بالحراك تفتقر إلى الخبرة السياسية للحفاظ عليه، إلا أنها تمكنت من فرض واقع جديد في البلاد حيث لم يعد الإعلام مسرحاً للزعامات التقليدية وخطابها، بل لوجوه شابة جديدة تحتل حيزاً أساسياً منه، وتفرض تغيراً جوهرياً في الخطاب العام. كما كسرت نمطية احتكار الشارع ونزول المواطنين من خارج الاصطفافات الطائفية والمذهبية على ضفتي 14 و8 آذار. ويتحرك جيل اليوم بعيداً عن أي رافعة حزبية ونقابية بعدما شرذم النظام ورجالاته النقابات والأحزاب.
– أدى الحراك المدني المطلبي الى تحريك الوضع على الساحة اللبنانية، ودفع القيادات السياسية الى التفكير جدياً في أن تأجيل الخلافات الكبرى التي تعني مصير لبنان، لا يجوز أن ينسحب على قضايا الناس الحياتية، والى التمييز بين القضايا الخلافية الكبرى التي لا حل لها راهناً، والمسألة الحياتية التي تمس لقمة الخبز والحد الأدنى من المستوى المعيشي المطلوب في لبنان.
ثانياً: الحراك الشعبي أخفق في مجالات وسجلت عليه مآخذ وانتقادات:
– عدم توحيد المطالب باعتبار أن مجموعات متعددة التسميات برزت خلال الأزمة، وأطلقت شعارات ومطالب لا يمكن أن تلقى كلها التجاوب العملي. فمثلاً عندما يطالب الحراك الشعبي بـ «إسقاط النظام» فهذا لن يحدث، ليس لأن النظام القائم يتمتع بالصدقية، بل لأن هذا المطلب غير واقعي. الكلام عن إسقاط النظام من دون الكلام عن البديل يشكل نقزة ونقلة نحو المجهول، فضلاً عن أن التغيير الجذري غير ممكن، وبالتالي الحراك مطالب بتحديد رؤيته الوطنية وأجندته السياسية.
– يفتقد الحراك الى خطة عمل منظمة تؤدي الى ثمار محددة وتعمل على إخراج لبنان مما هو فيه. فالتغيير ثقافة طويلة الأمد في بلد كلبنان يعمّه الفساد. ومن هنا فإن الاستعجال في التغيير من باب التسرع غير المجدي يستدعي من الحراك الشعبي والقيمين عليه تحديد أهداف مرحلية قصيرة الأمد ومتوسطة وطويلة، والابتعاد عن السقوط في بهرجة الانتصارات الصغيرة التي لا تسمن ولا تغني عن جوع (كالدعوة الى استقالة «المشنوقين» أو محاسبة ضباط).
– عدم وجود إطار قيادي تنسيقي وسط تباينات بين مكونات الحراك نفسها والتي تتبلور في الاتفاق على شرعية المطالبة بتغيير النظام ولكن مع الخلاف على هوية النظام الجديدة وبنيته
– الحراك فقد الغطاء الوطني الذي رافق انطلاقته بفعل الشعارات التي ولّدت نقزة واسعة لدى الكلام عن إسقاط اتفاق الطائف والنظام السياسي.
– من حق الحراك أن يكون له حيثيته واستقلاليته وشخصيته، ولكن ليس من حقه ان يلغي الآخرين، وبالتالي شعار إسقاط الطبقة السياسية لا يصح إلا في صناديق الاقتراع، وإلا يصنف في الخانة الانقلابية، فيما يفترض أن يكون الحراك حركة ديمقراطية لا إلغائية، كما أن معظم رموز هذه الطبقة لديهم التمثيل الفعلي داخل بيئتهم، وبالتالي كل من يريد اطاحة الطبقة السياسية هو كمن يريد اطاحة الطوائف…. على الحراك أن يتحلى بالواقعية والا «يسكر» من فورة الشارع ويعتبرها انتصاراً تاريخياً يؤشر إلى قدرته على قلب الطاولة على القوى الحزبية – الطائفية، لأن الشارع الأكبر في لبنان هو الشارع الطائفي الذي يؤيد الإصلاح بالتأكيد، ولكنه يرفض بتاتاً المساس بقياداته التي تشكل مصدر اطمئنان لوجوده، وبالتالي عليه ان يتنبه الى سقف مطالبه وحدود قدرته وأن يدفع الى التغيير على طريقة الجولات لا الضربة القاضية المستحيلة.
– الحراك الشعبي مدعو الى عدم الرهان على الانقسام داخل الحكومة الذي يوفر لهم ورقة سياسية دسمة للعب على التناقضات، إضافة الى تمرير رسالة فحواها أن السلطة التنفيذية مجتمعة ستواجه هذا الحراك الذي كان من نتائجه أنه أدى الى تقليص المسافة الفاصلة بين فريقي 8 و14 آذار اللذين جمعتهما «مصيبة الحراك»…
– أغفل الحراك المدني بعض الأساسيات التي تحكم الأمور في لبنان، وأولها أن في لبنان صراعاً كبيراً يتعدى الإطار الذي انطلقوا منه، أكان أزمة النفايات، أم آفة الفساد المستشري، وهذا الصراع محلي – إقليمي واسع وممتد في الزمان والمكان.
– الحملات الاتهامية التي تستهدف بعض المنشّطين للحراك ومواجهة هذه الحملات، بالإضافة الى كيفية مواجهة أي عنف رسمي قد تعود السلطة لممارسته، ومعه العنف الممارس من مجموعات مدنية محسوبة على هذا الفريق السياسي أو ذاك. وثمة جهات في لبنان توزع ما تصفه بالتاريخ الشخصي لبعض منشّطي الحراك وفيه ما يفيد أنهم على علاقة بأجهزة أمنية أميركية، وأن آخرين منهم شاركوا في الانتفاضات التي شهدتها تونس على وجه الخصوص ثم مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق