سياسة لبنانية

اهتمام أوروبي مفاجىء وغير مسبوق بلبنان والسبب أزمة اللاجئين

لبنان، منذ خمس سنوات على الأقل، ليس مدرجاً على لائحة الاهتمامات والأولويات الأوروبية. فالأنظار كلها تحولت في اتجاه بلدان «الربيع العربي» التي عصفت بها ثورات وحروب خلطت أوراق المنطقة وقلبت المشهد الإقليمي رأساً على عقب. ومن بين هذه الدول كانت ليبيا المصدر الأول للقلق الأوروبي لأنها الأقرب جغرافياً وقد تحولت الى دولة مصدرة للإرهاب والمهاجرين… أما الاهتمام الأوروبي بالأزمة السورية، فإنه لم يبلغ مستوى متقدماً وجدياً إلا في الأشهر والأسابيع الأخيرة مع نشوء أسوأ أزمة مهاجرين تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ومصدرها الأساسي سوريا.
لبنان المنسي والمهمل يتصدر فجأة الأجندة الأوروبية ويصبح الوجهة المفضلة لقادة الدول: رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قام بزيارة خاطفة ونادرة جداً الى لبنان… والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يعتزم القيام بزيارة رسمية في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية. ودرجة الاهتمام الألماني بالملف اللبناني ترتفع على كل المستويات وقد نرى المستشارة ميركل يوماً ما في بيروت أيضاً…
هذا الاهتمام الأوروبي المفاجىء وغير المسبوق بالوضع اللبناني سببه الأول والمباشر وربما الأوحد هو أزمة اللاجئين المهاجرين الوافدين من الشرق الأوسط، لا سيما سوريا، والمتدفقين بالآلاف الى أوروبا عبر الخاصرة الجنوبية الرخوة (اليونان – إيطاليا والمجر) الهاربين من جحيم الشرق الى «نعيم» الغرب، وبالتالي فإن حالة الحرب والفوضى في الدول العربية تصدّر حالة فوضى و«ذعر» الى أوروبا عبر موجة هجرة عشوائية وكثيفة يصعب استيعابها وتحمل في طياتها مخاطر تهديد الاستقرار الأمني والاجتماعي بسبب خطر تسلل متطرفين وإرهابيين عبرها، وحتى أنها باتت تهدد نظام الاتحاد الأوروبي وتماسكه. فأزمة المهاجرين التي جعلت أوروبا خائفة على هويتها وأمنها وثقافتها ومجتمعاتها، وضعتها أيضاً أمام التحدي الأخطر لأنها فتحت صدعاً بين شرقها وغربها مع رفض معظم دول الشرق قبول حصص من اللاجئين لأسباب اقتصادية واجتماعية وأيضا دينية، وطرحت على بساط البحث تجميد اتفاقية شينغن وإعادة النظر بـ «معاهدة دبلن» وكل إجراءات الانتقال والمراقبة بين الدول، إضافة الى تصاعد القلق من تغيير ديموغرافي على المدى البعيد لأن أوروبا كهوية وحضارة وثقافة لها جذور مسيحية.
ولا مبالغة في القول إن طوفان المهاجرين يهدد بإحداث انقسامات عميقة حول التعاطي مع هذه الأزمة الطارئة، وأن أزمة اللاجئين باتت تشكل الهاجس الأول لدى الأوروبيين وتتقدم على كل الملفات التي شغلتهم وقضت مضاجعهم، من الأزمة الأوكرانية الى إصلاح منطقة اليورو الى معالجة ديون اليونان…
وبالعودة الى لبنان وانعكاس أزمة اللاجئين عليه، فإن الاهتمام الأوروبي يأخذ شكلين أساسيين ويمكن إدراجه في خانتين:
1- رفع مستوى الدعم الأوروبي المالي والمادي للبنان بشكل ملموس لمساعدته على مواجهة أعباء النازحين السوريين إليه، وبما يؤدي الى تثبيتهم على أرضه واستقرارهم فيه وعدم نزوحهم الى أوروبا. وهذا معناه التعامل مع لبنان كـ «مقر» للاجئين السوريين وليس كـ «ممر» لهم الى أوروبا.
وفي الواقع، فإن تثبيت اللاجئين في أماكن إقامتهم الحالية أي في دول الجوار السوري عبر رفع درجة المساعدات والتعويضات لهذه الدول، خصوصاً لبنان والأردن، هو واحد من الحلول المتداول بها في أوروبا وأكثرها مردوداً وجدوى، من بين حلول وأفكار كثيرة بينها إلزام الدول الأوروبية بنظام الحصص بحيث تتحمل كل دولة كوتا من اللاجئين، وإعادة النظر بإجراءات الحدود والسفر والتنقل، وإنشاء مراكز احتجاز للاجئين قبل دخولهم مجال «شينغن» والتمييز بين اللاجئين المعرضين للاضطهاد والخطر والمهاجرين لأسباب اقتصادية، إلخ..
2- تثبيت الاستقرار في لبنان والإسهام الأوروبي أكثر من أي وقت مضى في جهود حفظ الاستقرار وتحييد لبنان عن الأزمة السورية بعدما بات لأوروبا مصلحة حيوية في ذلك حتى لا يتحول لبنان الواقع على شاطئ المتوسط والقريب منها الى مصدر أول للاجئين السوريين.
وفي إطار عملية تعزيز الاستقرار بوجهيه الأمني والسياسي، يأتي الدعم الأوروبي المتزايد للجيش اللبناني والقوى الأمنية، ويأتي التشجيع على الحوار الوطني والاهتمام الأوروبي المستجد بالملف الرئاسي الذي كان «آخر هموم الأوروبيين وفي أسفل السلم».
هناك قناعة  أوروبية تزداد رسوخاً بأن الوضع في لبنان دخل مرحلة دقيقة وخطرة وسائر الى فوضى وتفكك بفعل تعطل مؤسساته الدستورية الواحدة تلو الأخرى، بما في ذلك الحكومة التي كان يعوَّل عليها لحفظ الستاتيكو وإدارة المرحلة الانتقالية وتعبئة «الفراغ الرئاسي»… وأن هناك حاجة وضرورة الى وقف مسار الانحدار والانهيار. فإذا كان هذا المسار بدأ مع أزمة رئاسة الجمهورية وشغور المركز الأول في الحكم والدولة، فإن وقف هذا المسار والخروج من الأزمة يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق