سياسة لبنانية

زيارة هولاند الى بيروت هل تلغى؟

نقل عن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال قوله رداً على سؤال عن زيارة الرئيس الفرنسي للبنان، إن الزيارة قيد التحضير ولكن لم يعلن أي موعد لها. وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أعلن أنه سيقوم بعد اجتماع المجموعة الدولية للبنان في نيويورك في 30 أيلول (سبتمبر) بزيارة للبنان لتفقد أحد المخيمات التي تستضيف لاجئين سوريين لتحديد سبل مساعدتهم، وأنه سيجتمع بعدد من السياسيين اللبنانيين للبحث معهم في آخر تطورات الأزمة اللبنانية.
وأثار الإعلان عن الزيارة تساؤلات أبرزها بروتوكولي وهو كيف يمكن الرئيس الفرنسي القيام بزيارة للبنان في غياب رئيس للجمهورية؟ وإذا تخطى الرئيس الفرنسي العقبة البروتوكولية، فإنه لن يقوم بزيارة لبنان وجعبته فارغة من أي حلول يعرضها للأزمة اللبنانية، أي أن هولاند لن يأتي الى لبنان ليتشاور مع السياسيين اللبنانيين بل لتقديم حلول تكون قد طرحت خلال اجتماع مجموعة الدعم للبنان وتم التوافق عليها بين الأطراف على أنه يمكن تطبيقها.
أما الأسئلة اللبنانية فهي كثيرة، وربما تبدأ ولا تنتهي بالتعويل على دور فرنسي في إنتاج حل لأزمة الرئاسة، وإذا كان الرئيس الفرنسي لا يملك بين يديه خريطة طريق لفتح أبواب قصر بعبدا، فما الجدوى من زيارته؟ وما هي جدوى القيام بزيارة للبنان في غياب رئيس للجمهورية؟ ألن يكون مفعولها عكسياً لجهة اعتبار قدوم رئيس فرنسي في ظل الشغور إقراراً بالأمر الواقع، وتعايشاً مقنعاً مع غياب رأس الدولة؟ أين المسيحيون في هذه الزيارة ومنها وهل تكون مصدر إحباط وليس مصدر دعم أو رفع للمعنويات، فالمسيحيون عندما يلمسون عن قرب ضعف موقف «الأم الحنون» سيشعرون أكثر بالعزلة السياسية بعد أن فقدوا المظلة الغربية الراعية لحقوقهم في منطقة يجري العمل على تفريغها من وجودهم، بتواطؤ غربي فاضح بات يعتبر الوجود المسيحي في الشرق الأوسط عبئاً؟ لماذا لا يأتي هولاند بعد أن تنضج ظروف التسوية في المنطقة، عندها يمكن استعادة «ماء الوجه» من خلال تسويق الحل الرئاسي، تزامنا مع انطلاق عجلة الدولة والمؤسسات اللبنانية المعطلة، ودون ذلك ستكون نتائج الزيارة هزيلة بالشكل والمضمون؟
في تفسير وتقويم هذه الزيارة:
1- 14 آذار تؤكد أن إعلان الرئيس الفرنسي عن زيارته للبنان يشكل ترجمة عملية لموقف الدولة الفرنسية والمجتمع الدولي الداعم لهذا البلد سياسياً وعلى جميع المستويات الأخرى. وكشفت أن باريس دفعت باتجاه أن تلتئم المجموعة الدولية على هامش الجمعية العامة في 30 الحالي على المستوى الوزاري في خطوة ترمي الى تأكيد العناية الدولية الساهرة على لبنان وتوجيه رسائل في كل الاتجاهات بأن الاستقرار في لبنان خط أحمر.
2- مصادر 8 آذار تقول إن باريس طامحة للعب دور تملأ به الفراغ الأميركي الناتج عن «كوما» الانتخابات الرئاسية، ولكنه يصطدم بنقاط ضعف ذاتية تتعلق بوهن الثقل الفرنسي على الساحة الدولية والإقليمية، وكذلك يصطدم بتعاظم ادوار الاخرين، فموسكو مثلاً لن تسمح لباريس بأن تكون الند الغربي البديل عن واشنطن، والموقف الروسي المتقدم على الساحة السورية كان بمثابة جرس إنذار مبكر للجميع يشير الى صعوبة تجاوز المصالح الروسية في المنطقة. ثمة تفاوت كبير في الإمكانيات لا يسمح لباريس بلعب دور حتى لو كان صغيرا وجزئيا يرتبط بالملف الرئاسي اللبناني.
وليست موسكو وحدها من تحد من الدور الفرنسي، فايران دخلت بقوة كلاعب إقليمي يصعب تجاوز مصالحه، الفرنسيون أدركوا ذلك مبكراً، لم يقطعوا يوماً الاتصالات الخاصة بالتطورات اللبنانية مع الإيرانيين، وبعد توقيع الاتفاق في فيينا باتوا في موقف ضعيف لا يسمح لهم بـ «المناورة»، لن يغضبوا الإيرانيين خوفاً من خسارة فرصهم الاستثمارية والمالية، ليسوا في موقع يسمح لهم بالتفاوض من موقع قوة. يضاف الى ذلك أن الإيرانيين لا ينظرون الى فرنسا باعتبارها دولة تستحق أن تكون نداً تفاوضياً، وإذا كان لا بد من تسوية عندما تنضج الظروف سيكون الأميركي حكماً الطرف المقابل في المفاوضات وليس الفرنسيين.
3- في باريس لا يزال النقاش قائماً في شأن الزيارة المفترضة للرئيس هولاند الى لبنان، وهناك من يقول إنه يفترض أن تحصل على الأقل بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى باريس وانتزاع شيء ما منه حول لبنان لكي لا تكرس الزيارة وكأنها اعتراف بواقع السلطة الحالي، فيما فريق هولاند يصر على أن الزيارة قبل بدء الحملة الجوية هدفها تأكيد استقرار لبنان من العاصفة المقبلة، وحفظ دور لبلاده في لبنان وسوريا تحت عباءة الولايات المتحدة الأميركية. وتبدو خطوط التواصل ناشطة بين باريس وواشنطن حول «لبنان الغد» حيث تسعى باريس الى نيل موافقة أميركية لنقل لبنان الى مرحلة من الانعقاد الدائم للقوى الأساسية فيه لرسم صورة جديدة له يغلب عليها طابع اللامركزية، لكن بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية مهمته رعاية هذه الورشة السياسية الكبرى المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق