رئيسي

«ملوانات لبنانية» بتواقيع 27 فناناً في غاليري زمان

جرياً على عادتها في كل عام في مثل هذا الوقت من السنة، في شهر كانون الاول (ديسمبر)، نظمت غاليري زمان، الحمراء – بيروت، المعرض اللبناني الجماعي الضخم «ملوانات لبنانية» الذي يجمع النتاج الثقافي اللبناني خلال العام المنصرم  ويعرفنا الى اعمال رواد الفن التشكيلي وابداعات الذين رحلوا وذلك  من خلال ما يفوق السبعين عملاً تعود الى فنانين من مدارس فنية واجيال مختلفة، ليسلط الضوء على تجارب ومراحل مختلفة من الفن التشكيلي اللبناني، الا ان ما يميز الطبعة الثامنة منه التي نحن في صددها اليوم انه ضم معرضاً مصغراً للفنانة جاكلين الاشقر لبس الذي تشكل من  24 لوحة مستوحاة من الطبيعة اللبنانية الى جانب تواقيع مصطفى فروخ وعارف الريس وجميل ملاعب ورفيق شرف وفؤاد جوهر وعمران القيسي وغيرهم.

قبل الخوض في الاعمال لا بد من التنويه بادارة الغاليري التي اولت موضوع ترتيب الاعمال عناية خاصة بحيث تجتمع في قاعات الغاليري المختلفة الكثير من اللوحات (70 عملاً) دون ان يشعر الزائر باحتشاد الاعمال ولا بأن لوحة كبيرة تأخذ اهتمامه على حساب لوحة صغيرة او متوسطة، بل على العكس فان كل عمل من اعمال الفنانين المشاركين (27 فناناً) اعطي حقه من حيث المكان والاضاءة لتكون له فرصة متساوية من اهتمام الزوار الذين سيمتنون لهذه الواحة الفنية الغنية – وهي كذلك بحق – التي تروي ظمأ المثقفين وجمهور الفن التشكيلي في «زمن القحط الثقافي» الذي نعيش فيه كما يحلو للبعض تسميته.

فرصة نادرة
اما الاهمية الاولى للمعرض فهي انه فرصة نادرة ينتظرها هواة جمع اللوحات والتحف لزيادة مجموعاتهم من خلال  اقتناء اعمال لاسماء تشكل اضافة مهمة لهم وكذلك لطلاب الفنون والجمهور  للتعرف على اعمال الفنانين الكبار الاحياء والراحلين وكذلك للنقاد لاقامة مقارباتهم ومقارناتهم بين نتاجات الاجيال الفنية بين القديم والحديث، لا سيما ان اعمال الذين رحلوا وهم في كامل قناعاتهم بالعالم الذي رسموه وها هي اعمالهم تعلق  اليوم وسط جيش من الفنانين التجريبيين الذين باتوا يتعاملون مع العالم عبر انظمة الديجيتال البصرية او من خلال النظم الاختزالية للثقافة البصرية المعاصرة.
هذا ويمكن للزائر ان يجد ضمن «ملوانات لبنانية» لوحات من مختلف القياسات والانتماءات الفنية المتعددة الاساليب والمنجزة بالزيت او الاكريليك او الغواش او الماء او بالحبر الصيني وبينها ما يحمل تواقيع اسماء معروفة مثل جميل ملاعب وشكرالله فتوح وموسى طيبه ومحمد صقر وفرنسوا دنخة وسيتا مانوكيان.
وماذا يمكن ان يقال عن مصطفى فروخ وهو من أشهر الرسامين التشكيليين اللبنانيين في القرن العشرين؟ فقد خلد الطبيعة اللبنانية برسوماته، ويعتبر بين رواد الفن اللبناني الحديث، وأحد الكبار الذين خطوا الطريق للفنانين اللبنانيين اللاحقين.
وماذا عن عارف الريس أحد أعمدة الحركة التشكيلية الحديثة في لبنان وعلم آخر سقط بعد بول غيراغوسيان ورفيق شرف وشفيق عبود… إنه من الأوائل الذين حملوا شعلة الحداثة الفنية. في جيله كان حركة دائمة ودينامية خالصة. ظلّ يصوّر الموت في لوحاته وكتاباته، حتى حلّ فيه وأخذه  تاركاً وراءه نتاجاً فنياً وأدبياً وفكرياً فيه الكثير من الألوان والمعاني والأبعاد. ومع رحيله، انطوت بحسب  النقاد صفحة من صفحات أعلام لبنانيين أعطوا الكثير لكن أعمالهم تبقى بصمة مشرّفة في تاريخ الفن اللبناني، وتخلّد ذكراهم وتبقي أسماءهم محفورة في ذاكرة الأجيال.
اما جميل ملاعب فيعتبر من جيل الفنانين التشكيليين الثالث الاحياء، الذين تحددت لغتهم الخاصة أسلوباً وتعبيراً ومناخات. ويمتاز أسلوبه بالتقنيات الفنية التي يستخدمها كتمارين بارعة تعكس أصداء الأحاسيس بعفوية بالغة متأثرة بسردية لونية ومناظر مغمورة بالضوء بين الواقعية التعبيرية والتجريدية وبأحلام معاصرة. الرسم في أعلى الاهتمامات لديه كما النحت، وسيشتغل في مرسمه لساعات يومياً، حيث الرسم مثل الدنيا، ومثل الزمن العابر الذي فعل أشياءه بتلقائية وطواعية. جميل ملاعب، لا يزال يرسم، وينحت، يرفع غبار الحجر في مقدم منزله في بيصور، والألوان عنده مثل «العرّاف» وسيلة لمعايشة الزمن، وتشتم في أرجاء منزله رائحة دافئة من أثر المواد.

اكتشاف المواهب
وبالعودة الى المعرض سيمكنك اكتشاف مواهب مهمة لاسماء حتى الامس القريب كانت  مغمورة. وهنا يرى مدير الصالة موسى قبيسي ان هذه الوظيفة هي الابرز لهذا المعرض الجماعي. فاكتشاف المواهب هو الهم الاساسي للغاليري خلال العام «ان تكتشف مواهب جديدة وتعطيها الفرصة لتعرف وتنطلق، لكن من يتم اكتشافه ضمن هذا المعرض بالذات  يكون حظه اوفر لان لوحته تجاور لوحات الكبار ولان اعداد زوار هذا المعرض اكثر من اعدادهم خلال المعارض الفردية للفنانين التي تنظم خلال اي وقت من السنة».
وبين المساهمات البارزة في «ملوانات لبنانية»، نتوقف عند الفنان الراحل حيدر حموي الذي يتصف بأنه بحسب الفنان والناقد عمران القيسي ملون نادر ويشكل علامة نادرة من علامات بيروت هو فنان نادر رسم المناظر المباشرة كما رسم اسواق المدن الشرقية والقناطر والجبال في الافق والسفن الشراعية التي تنتظر في المرافىء.
وتستوقفنا اعمال المعرض الفردي ضمن المعرض الجماعي  للفنانة الفطرية جاكلين لبس التي تجلت طاقتها التصويرية بشكل شفاف وجميل ضمن 23 عملاً مفعماً بالاحاسيس والالوان حيث رسمت العالم البقاعي المحيط كما رسمت العالم الداخلي الملموس. جاكلين لبس فسرت عوالمها كما نرى  لونياً وسطحت ابعادها فقدمت مفهوماً فطرياً مرناً عن العالم البصري.

 

 


هندسة الفراغ
اما فؤاد جوهر فيعد فناناً مائياً استثنائياً وهذا ما يتثبت منه الزائر لانه لم يبق على مفهوم اللوحة المائية كما قدمها فنانو الرعيل الاول امثال عمر الانسي وقيصر الجميل، بل ارسى هندسة فراغية خاصة به وتلاعب بذكاء بالمنظرين البحري والبري فجاءت اجواء لوحاته ترتكز على التوزيع العادل للنور واللون، ومعظم لوحاته مستوحاة من الطبيعة والبحر، ومدينته صيدا خصوصاً القديمة حاضرة جداً في رسوماته بشوارعها وازقتها وابوابها ونوافذها ومقاهيها الكثيرة الشهيرة. فلا عجب ان شعر الزائر بنفسه وقد اخذه الحلم الى «صدى التراب» و«البيادر الخضراء» و«عطر الزيتون» و«شقائق النعمان» (اسماء لوحاته) و«مراكب الانتظار» في الميناء…
في الختام وبناء على ما تقدم لا شك في ان معرض «ملوانات لبنانية» صار اقرب الى متحف سنوي غني تبقى زيارته واجبة في كل عام ولا سيما انه تحول الى علامة ثقافية مكرسة في بيروت.

كوثر حنبوري

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق