سياسة لبنانية

عون: انهيار العلاقة مع «المستقبل» وتعزيز التحالف مع حزب الله

لا مؤشرات في الأفق الى انفراجات واختراقات إيجابية: الفراغ الرئاسي مفتوح، مجلس النواب مقفل، الحكومة مشلولة وغارقة في المناكفات السياسية واللغة الطائفية «البغيضة»، ولأن التسويات الإقليمية متأخرة وتنتظر أولاً انتقال الاتفاق النووي الى مرحلة التنفيذ بعد تفكيك الألغام من طريقه، فإن الوضع في لبنان مقبل على مرحلة من التوتر والتأزم وعلى سخونة لا بد منها لإنضاج تسوية سياسية، ولكن الوضع الراكد الذي يراوح مكانه، يقابله تغيير ملحوظ في المشهد السياسي الذي يمكن اختصار عناصره الجديدة في النقاط الاتية:
1- العماد ميشال عون الذي نجح في لفت الأنظار وفي أن يفرض نفسه ويعوّل في الإيقاع السياسي وينقله من الهدوء الى التوتر، لم ينجح في فرض أجندته ولا في تحصيل مطالبه، ولا في الفوز بمعاركه، ما يضطره الى خفض متدرج لسقف طموحاته وأهدافه:
في موضوع رئاسة الجمهورية بات عون مدركاً في قرارة نفسه أن وصوله الى قصر بعبدا غير ممكن وأن قدرته على الإتيان بالرئيس الذي يريده ضعفت بعد الجولة الأخيرة، ولم يبق له إلا امتلاك حق الفيتو (الاعتراض) على الرئيس الذي يرفضه… وإذا استمر منحاه التراجعي يمكن أن يصل الى مرحلة يصبح الرئيس مفروضاً عليه لتتكرر تسوية وتجربة ميشال سليمان.
وفي معركة قيادة الجيش، أفلتت من يده فرصة تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش، وصار البحث يدور حول مسألة إبقاء روكز في الجيش (التمديد له). وحتى في هذا المجال تتعثر الاقتراحات والمخارج وتتهاوى الواحدة تلو الآخرى…
وفي معركة الحكومة كان وضع عون أفضل قليلاً لأنه نجح في شل الحكومة عملياً وتجميد قراراتها… ولكن قدرة عون على الاستمرار في هذا الدور يتوقف على ميزان القوى السياسي الذي يشهد اختلالاً متزايداً في غير مصلحته…
وبعدما اشتد الحصار السياسي حوله ولعب عون إحدى أهم أوراقه وهي ورقة الشعب والشارع ولم تكن النتيجة في المستوى المطلوب لصرفها الى مكاسب سياسية ولحمل خصومه على الإصغاء الى شكواه، لم يبق أمام العماد عون إلا ورقة أساسية وهي ورقة دعم حزب الله له…
2- تيار المستقبل يتصرف من خلفية أنه سجل انتصاراً سياسياً على عون ومن دون جهد يذكر، وأن خسارة عون لمعركة قيادة الجيش تكرس خسارته لمعركة رئاسة الجمهورية. فمن لا يستطيع فرض قائد للجيش لن يكون بإمكانه فرض نفسه أو غيره رئيساً للجمهورية…
يعتبر المستقبل أن عون «وقع أرضاً» وأن الفرصة متاحة للإكمال عليه والإمعان في محاصرته والتضييق عليه، وأن حالة الضعف التي بلغها ووضعت حداً لطموحه الرئاسي، من شأنها أن تفتح الباب أمام مرحلة الرئيس التوافقي. وهنا يكون حوار عين التينة بين «المستقبل» وحزب الله وصل الى النقطة – الهدف التي حددت له من الأساس بأن يكون الاتفاق على الرئيس الجديد مع حزب الله عبر الرئيس بري وليس مع عون الذي لا يمكن التفاوض معه في الملف الرئاسي وليس على استعداد لتقديم أي تنازل…
ولكن ثمة رأي آخر داخل تيار المستقبل، خارج محوري السنيورة وريفي، من يرى ضرورة احتواء عون ووقف المبارزة معه عند هذا الحد بعدما تحقق «إضعافه» في حين أن إنهاءه غير ممكن، وبالتالي إذا كان عون خسر فرصة الفوز بالجائزة الكبرى (الرئاسة) لا بأس من إعطائه «جائزة ترضية»… وأيضاً ثمة رأي عند بعض أوساط مسيحيي 14 آذار أن تيار المستقبل يبالغ في معركته مع عون ويتسبب في دفعه الى حزب الله أكثر للإرتماء في أحضانه والالتصاق به أكثر من أي وقت مضى، بعدما ضاقت السبل والخيارات أمامه، وأن تيار المستقبل يكرر مع عون الخطأ الذي ارتكبه في العام 2005 عندما كان من نتائج محاصرة عون وعزله (عبر التحالف الرباعي) أن سلك الاتجاه غير المتوقع وذهب الى ورقة تفاهم مع حزب الله أعادت خلط أوراق اللعبة والمعادلة في مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان…
3- حزب الله الذي يساند حليفه عون إعلامياً وسياسياً ومعنوياً، يجد نفسه أمام وضع يفرض عليه تغييراً في مستوى ونوعية الدعم… فالخصوم ما عادوا يستخفون فقط بتحركات عون العقيمة وشعبيته المتناقصة، وإنما يستخفون بدعم حزب الله ويشككون بصحته وجدواه. ولكن حزب الله الذي نجح في رهانه على سقوط العلاقة بين عون والحريري عاجلاً آم آجلاً ويرى الآن بارتياح كيف تقهقرت وعادت الى نقطة الصفر… ليس مرتاحاً الى وضعية حليفه الاستراتيجي الذي لا غنى عنه ولا بديل له مسيحياً ووطنياً.
حزب الله يقر بأن تيار المستقبل سجل نقطة وربح في التكتيك وأن عون خسر جولة وفي التكتيك، ولكن لا الربح الذي أحرزه المستقبل يرقى الى مستوى الانتصار ولا الخسارة التي لحقت بعون ترقى الى مستوى الهزيمة… فلا شيء نهائياً ومكتملاً ولا ينتهي في لبنان، وخصوصاً في هذه المرحلة الانتقالية، شيء أو أحد. ولذلك فإن قرار حزب الله هو عدم السماح بانكسار عون واستفراده، وإعطاؤه جرعة الدعم الذي يحتاجه، والتصرف على أساس أن عون يُعاقب ويُحارب بسبب تحالفه مع حزب الله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق