سياسة لبنانية

ماذا بين بري وعون؟!

يبدو أن الأزمة بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون تسير من سيىء الى أسوأ، على رغم دخول حزب الله على خط الوساطة في محاولة لإنعاش بعض القنوات الحوارية المقطوعة بين حليفيه. فقد دخلت العلاقة بين الطرفين منعطفاً جديداً، بعد خروج بري عن صمته كي يقول في العلن ما يردده دوماً في مجالسه الضيقة إنه لن ينتخب عون رئيسا للجمهورية ردا على اعتباره المجلس النيابي الحالي غير شرعي، كونه مدد ولايته مرتين متتاليتين.
لم يكن مستغرباً أن تصل العلاقة بين عين التينة والرابية الى حد قول بري هذا الكلام، خصوصاً في ظل هذا الكم من الاختلافات بين الطرفين، رغم تأكيدهما أن حلفهما استراتيجي. وفي الواقع ما يفرق بري وعون أكثر مما يجمعهما، فالعلاقة لم تكن يوماً على أحسن ما يرام، والخلاف بينهما واقع في الكثير من الملفات (من بلوكات النفط في الجنوب الى اتخاذ بعض القرارات في وزارة الخارجية والمغتربين التي لا تلقى ترحيب حركة «أمل»)، إضافة الى المعارضة والانتقادات والحملة السياسية اللاذعة التي قام بها زعيم الرابية والتي يحفظها له بري حتى ساعة الحساب. وما بين عين التينة والرابية نار تحت الرماد لم تنطفىء منذ معركة التمديد الثاني للمجلس النيابي. ووصل بري الى هذه الصراحة في انتقاد عون بعد خروج الأمور عن نصابها أخيراً على خلفية الأزمة الحكومية المستجدة ورفض بري طريقة تعاطي عون معها لجهة تحريك الشارع لفرض إتمام التعيينات الأمنية. ويبدو أن الخلاف سيتفاقم ويزيد من اتساع الهوة بينهما على خلفية التمديد الذي بدأت تتضح معالمه في جلسة الأربعاء والذي لا يمانع فيه بري تحت شعار حماية البلاد من الفراغ، من مناكفة عون برئيس الحكومة الذي يبدو أنه بات أقرب الى عين التينة ومن أفضل رؤساء الحكومات على الإطلاق بالنسبة إليها. وبات على عون العمل على خط بري لإقناعه بالرجوع عن موقفه الهجومي الأخير الذي يهدد استمرار التحالف بينهما.
مصادر بري ترى أن المواقف الأخيرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي ليست جديدة، فهي تندرج في إطار توصيف الواقع الحالي خصوصاً أن البلد شارف على أن يضيع. وتشير الى أنه مقابل الملفات الكثيرة التي تجمع الرئيس بري بالعماد عون، إلا أن هناك بالمقابل مواضيع كثيرة يختلفان عليها، إن كان مسألة مقاربة الرئاسة أو عمل المؤسسات وعلى رأسها الحكومة، إذ إن بقاء واستمرارية هذه الحكومة بمثابة أولوية بالنسبة الى الرئيس بري، وما أعلنه أخيراً هو بمثابة صرخة تحذير مما قد يؤدي إليه استمرار الأوضاع والممارسات على ما هي عليه.
مصادر مقربة من عون تخفف وقع ما قاله رئيس المجلس ولا تعتب عليه، وترى أنه كان يجب أن يقرأ كلام عون بموضوعية أكثر. وتبدي حرصاً على الخيط الذي يجمع الرابية بعين التينة، وتقول إن التيار الوطني الحر يقدر ويحترم دور بري كضابط إيقاع وتوازنات في البلد… وترد هذه المصادر على حملة بري متوقفة عند نقاط عدة يعتمدها عون:
– لا يسعى عون الى خصومة سياسية مع حليف استراتيجي مثل بري.
– عون يعرف جيدا أن المكوّن الشيعي في لبنان أدرى بما فيه وبحل إشكالياته من ضمن الصيغة اللبنانية.
– لا يمكن أن ينظر عون الى الصوت الشيعي الوازن على أنه صوتان.
– إذا كان الرئيس بري يجري تقويماً لعلاقته مع العماد عون، فهو يعرف جيداً أن الأخير لم يأته يوماً مخاصماً، بل كل ما يطالب به هو احترام الميثاق والدستور ومبدأ تداول السلطة.
– لا يمكن أحداً ان ينكر، وليس عون فقط، أن مجلس النواب هذا غير شرعي، إلا أنه لا يمكن أحداً أيضاً أن ينكر أنه قانوني بحكم الأمر الواقع.
– لا يراود فكر عون يوماً أن الرئيس بري قد يكون له مرشح مضمر مدني أو غير مدني خارج الخط الاستراتيجي الذي هو أحد رموزه. أما إذا كان الأمر خلاف ذلك، فيكون رهان بري في غير محله، وهو لم يعتد العبث بالمواضيع الإستراتيجية والميثاقية.
– من الضروري العودة الى مبادرة العماد عون التي تنص على قانون انتخاب يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل وفاعليته عملاً بمقتضيات وثيقة الوفاق الوطني والمادة ٢٤ من الدستور ثم إجراء انتخابات نيابية تضمن صحة التمثيل، ثم انتخاب رئيس، علماً أن هذه المبادرة أتت بعد رفضين مضمرين وغير معلن عنهما صراحة: رفض انتخاب الرئيس من الشعب على مرحلتين، ورفض تفسير المادة ٢٤ من الدستور.
– عون لا يخرج من حلف ما دامت الثوابت والمسلمات الوطنية هي المرتكز لمثل هذا الملف. حتى إذا خرج الحلف عنها، خرج عنه.
أوساط مراقبة تشير الى أن الخلاف بين بري عون يشبه المناوشات المتقطعة وإطلاق النار الذي لا يصيب مقتلاً وإن وقع الخلاف الكبير فإن حزب الله يؤدي غالباً دور الإطفائي لنار المعركة ويحاول تبريد الأجواء الحامية. وفي مطلق الأحوال فإن عون لم يكن ولا مرة المرشح الرئاسي المفضل لعين التينة. وتقول إن تصدي بري لعون في وصفه المجلس بغير الشرعي ليس أكثر من فشة خلق مقابلة لفشة خلق سبقتها، لا معنى لها بالسياسة إلا تجميد الحراك المكتوم الذي كان يقوم به حزب الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق