سياسة لبنانية

اتصالات كثيرة محورها الملف الرئاسي: إمكانية اختراق… أم «حركة بلا بركة»؟!

حركة سياسية لافتة في حيويتها ووتيرتها، «مريبة» في أبعادها ودلالاتها، وحيث من الصعب إبعاد «الشبهات الرئاسية» عنها: محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران وعادل الجبير وزير خارجية السعودية زارا باريس وناقشا الملف الرئاسي اللبناني من بين جملة ملفات إقليمية، وحصل ذلك قبل أيام من قدوم وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرولت الى بيروت في زيارة عنوانها السياسي المعلن «رئاسة الجمهورية» وعنوانها الفعلي المضمر «اللاجئون السوريون»… والى باريس أيضاً وصل الوزير جبران باسيل والتقى هناك نادر الحريري الذي التقى هناك أيضاً قبل أيام النائب سليمان فرنجية… الرئيس سعد الحريري يفترض أنه ناقش الملف الرئاسي في السعودية مع كبار المسؤولين، بعدما كان غاص في هذا الملف في «لقاء السحور» مع الدكتور سمير جعجع الذي ناقش الأمر أيضاً مع النائب وليد جنبلاط الذي بدأ يعيد النظر في خياراته الرئاسية… وفي عين التينة جرت مقاربة الموضوع الرئاسي بين بري وباسيل من خلال الملف النفطي، وقبل ذلك كان موضوع رئاسة الجمهورية طرح في جلسة الحوار بين المستقبل وحزب الله، وأيضاً على طاولة الحوار الوطني، في إطار مبادرة الرئيس نبيه بري التي أدرجت تحت عنوان «السلة المتكاملة» و«الدوحة اللبنانية»… أما في الرابية فإن موجة التفاؤل ما زالت تسود ولم تنحسر، وهناك تقدير بأن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية سيحصل في الفترة الواقعة بين آب (اغسطس) وأيلول (سبتمبر)، وأن الاستحقاق الرئاسي دخل مراحله النهائية… وهذا التفاؤل لا يأتي من فراغ وإنما يستند الى معطيات ومؤشرات واقعية…
هل تصل حركة الاتصالات واللقاءات هذه الى نتيجة والى انتخاب رئيس للجمهورية، أم أنها من نوع «حركة بلا بركة»، ودوران في الحلقة المفرغة، وحيث أن الأسباب والظروف التي تقف وراء الفراغ الرئاسي والتي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية ما تزال قائمة؟!
في الواقع حصل على المستوى الداخلي تبدل في الأجواء السياسية المحيطة بالاستحقاق الرئاسي وطرأت معطيات داخلية جديدة تساعد في تحريك الملف الرئاسي وتضغط في اتجاه إحداث تقدم أو اختراق، ومن أبرز هذه المعطيات:
1- تغيير ملموس في طريقة إدارة عون لمعركته السياسية: العماد عون الذي يتبع منذ دخول فرنجية الى حلبة السباق الرئاسي سياسة صمت وانتظار وأعصاب باردة، يمارس أيضاً سياسة براغماتية ويفتح خطوط اتصال مع كل الأفرقاء ويبدي انفتاحا ومرونة و استعدادا لتقديم تنازلات وإرضاء كل القوى الأساسية: بري في ملف النفط، جنبلاط في قانون الانتخاب وتقسيم دوائر الجبل، جعجع في الحكم والسلطة كشريك مسيحي أساسي، الحريري في موضوع الحكومة العتيدة ورئاستها، حزب الله في الموضوع الاستراتيجي، سلاح المقاومة والحرب في سوريا.
2- تكوّن قناعة لدى بري وجنبلاط بأن مشروع رئاسة سليمان فرنجية قد استنفد فرصته السياسية ولا أمل له طالما عون موجود وترشيحه قائم. فقد ساهم اتفاق معراب بين عون وجعجع في قطع الطريق على فرنجية وفي تكوين «سد مسيحي مانع» لانتخابه، ولكن العامل الآخر الأهم يتمثل في ثبات موقف حزب الله بتأييده لعون والتزامه به وأياً تكن خلفيات هذا الموقف سواء كان حزب الله مقتنعاً وملتزماً أم متورطاً ومحشوراً، أم مناوراً ومساوماً…
الرئيس سعد الحريري يشارك بري وجنبلاط في هذه القناعة ولكن ليس من خيار أمامه إلا الاستمرار في لعب ورقة ترشيح فرنجية طالما أن لا ورقة أخرى في يده حالياً، ولأنه لا يريد إحراق هذه الورقة والتخلي عن فرنجية مجاناً… ومن غير المتوقع أن يعلن الحريري خروجه من خيار فرنجية إلا متى تبلورت عنده وجهة الخروج: في اتجاه تأييد انتخاب عون والانخراط في هذا المسار جزئياً (تأمين النصاب) أم كلياً (التصويت)، أم في اتجاه الرئيس التوافقي الذي لا يكون لا عون ولا فرنجية في حال وافق حزب الله على أن يكون رئيس الجمهورية من خارج فريقه ولكن مقابل أثمان وشروط وتنازلات…
3- «تقاطع مصلحي موضوعي» بين حزب الله وتيار المستقبل، القوتين السياسيتين الأبرز شيعياً وسنياً، على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية والتعجيل في ذلك: كلاهما يواجهان متاعب وضغوطاً مختلفة في طبيعتها وحجمها وتجعل أن حزب الله يحتاج الى تحصين الجبهة الداخلية وإقفال الثغرة الرئاسية للتفرغ لمتطلبات الحرب المفتوحة في سوريا بعد انهيار فرصة التسوية السياسية لهذا العام والدخول في المرحلة الأميركية الانتقالية… والرئيس سعد الحريري يحتاج الى وجود رئيس للجمهورية إذا أراد العودة الى رئاسة الحكومة، وإقفال ثغرة الفراغ الرئاسي إذا أراد قطع الطريق على أي عبث بنظام ومكتسبات الطائف…
4- تزاحم وتدافع الاستحقاقات الدستورية التي حشرت زمنياً وسياسياً في زاوية محددة في ظل قرار سياسي بأن لا تمديد للمجلس النيابي وأن الانتخابات النيابية ستحصل حتى لو لم يصر الى اتفاق على قانون جديد للانتخابات (على أساس قانون الستين)، وبالتالي فإن الخلاف هوعلى الأولويات وأسبقية الانتخابات الرئاسية أم النيابية، وحيث يبدو أن موقف تيار المستقبل وحلفائه حسم باتجاه انتخاب الرئيس أولاً لأن الخيار الآخر هو الذهاب الى انتخابات نيابية والى خطر الوقوع في فراغ شامل للسلطة التنفيذية في ظل عدم وجود ضمانات فعلية بانتخاب رئيس بعد الانتخابات النيابية، من دونه لن يكون بالإمكان تشكيل حكومة جديدة… وانتخاب الرئيس قبل الانتخابات النيابية ممكن ومرجح إذا كان مسبوقاً باتفاق على قانون انتخابات جديد.
رغم كل هذه المؤشرات المحلية التي تدل الى وجود فرصة هي الأكثر جدية منذ عامين لانتخاب رئيس للجمهورية، والى وجود إمكانية حصول اختراق… إلا أن هذه المؤشرات الداخلية ليست كافية لحسم موضوع رئاسة الجمهورية الواقعة تحت مؤثرات وضغوط إقليمية: من جهة، مداخلات اقليمية، ومن جهة ثانية، الصلة الوثيقة بين الوضع اللبناني والأزمة السورية، إن لم نقل بين مستقبل لبنان ومستقبل سوريا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق