سياسة لبنانية

التمديد لرئيس الأركان… وقائد الجيش

معركة التعيينات العسكرية «حسمها» جنبلاط بناء على رغبة مشتركة من الحريري وبري

علم من مصادر مطلعة أن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط حسم قراره في اتجاه التمديد لرئيس الأركان اللواء وليد سلمان الذي تنتهي مدة خدمته في 7 آب (اغسطس) المقبل، بعدما كان جنبلاط ميالاً الى تعيين رئيس جديد للأركان من بين مرشحين مفضلين لديه أبرزهم العميد مروان حلاوي والعميد دريد زهر الدين.

وتضيف المعلومات أن السبب الذي حدا بجنبلاط الى حسم موقفه باتجاه التمديد (تأجيل التسريح بقرار موقع من وزير الدفاع) هو موقف تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري الذي أبلغ جنبلاط في لقائهما قبل أيام في جده أن تعيين رئيس أركان جديد يعني تعيين العميد شامل روكز قائدا للجيش، إذ سيكون صعباً في هذه الحالة الوقوف في وجه تغيير قائد الجيش وسيكون العميد روكز هو المرشح الوحيد لخلافة العماد قهوجي. وهذا ما لا يريده تيار المستقبل لسببين: الأول لأنه مرتاح الى أداء قهوجي وطريقة إدارته للمؤسسة العسكرية وللوضع الأمني الحدودي في عرسال ومحيطها، والى العلاقة بين الجيش (المخابرات) وقوى الأمن (المعلومات)، والذي لم يكن يوماً بهذا المستوى من التنسيق والتعاون… والثاني لأن قيادة الجيش ليست منصباً عسكرياً فقط وإنما هي منصب سياسي ولا تقل أهمية عن رئاسة الجمهورية، وتيار المستقبل لا يريد إعطاءها الى العماد عون طالما هو متمسك بتحالفه مع حزب الله وطالما لم يعلن انسحابه من معركة رئاسة الجمهورية لمصلحة الرئيس التوافقي.
موقف تيار المستقبل بالنسبة الى المراكز الأمنية والعسكرية القيادية كان اتضح منذ اللحظة التي اتخذ فيها وزير الداخلية نهاد المشنوق قراره بالتمديد للواء ابراهيم بصبوص في مديرية قوى الأمن الداخلي ولمدة سنتين… ولكن موقف جنبلاط لم يكن محسوماً وواضحاً، ذلك أنه كان تجاوب مع رغبة العماد عون بتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش وأن لا مشكلة لديه إذا وافق بري والحريري، لا بل ذهب جنبلاط الى أبعد من ذلك عندما نصح الحريري مقترحاً عليه السير بموضوع روكز لفتح الطريق أمام الرئيس التوافقي وانسحاب عون. وهذه الرغبة كان جنبلاط تبلغها من عون عندما زاره في منزله في كليمنصو بعد «اللقاء الليلي الشهير» الذي عقده في بيت الوسط مع الرئيس سعد الحريري (في شباط/فبراير الماضي وتخلله احتفال رمزي بعيد ميلاد عون)… وبعد لقاء بيت الوسط زار عون بري الذي أبلغه موقفه في حينه: «أنا لا مانع لدي من تعيين العميد روكز قائداً للجيش إذا صار توافق عليه، أما إذا لم يصر الى هذا التوافق فأنا ضد الفراغ في قيادة المؤسسة العسكرية وسأكون مع التمديد للعماد قهوجي»… وأضاف بري مصححاً معلومات عون «على حد علمي سعد الحريري مع التمديد، وقد تبلغت من «المستقبل» أنهم يريدون التمديد لبصبوص»…
تروي أوساط عون أنه تم الاتفاق في لقاء بيت الوسط على تعيين العميد عماد عثمان مديراً لقوى الأمن الداخلي والعميد شامل روكز قائداً للجيش، ولكن الأمر كان يتطلب أيضاً موافقة كل الأطراف والقوى الأساسية، فكانت زيارات عون الى بري وجنبلاط واتصالاته مع الكتائب والقوات، إضافة الى حزب الله الذي يوافق دائماً على ما يطلبه ويريده الجنرال… وبعد هذه الجولة اتصل عون بالحريري وأبلغه بحصيلة جولته الإيجابية، فكان جواب الحريري أنه سيبحث الموضوع بعد عودته الى بيروت… ولكن الحريري لم يعد الى بيروت ولم يلتزم ما وعد به… وهذا الإخلال في مسألة دقيقة وأساسية ينسف شهوراً من الحوار بين الطرفين وما أحرز في خلالها من تقدم وعملية بناء الثقة ويعيد العلاقة الى نقطة الصفر…
ولكن هذه الأوساط لا تحدد السبب الذي دفع الحريري الى التراجع وعدم تنفيذ ما اتفق عليه وما إذا كان:
– «مراوغاً» منذ البداية ويؤيد خيار التمديد بالتنسيق مع الرئيس بري وتبادلا كرة الموقف وقاما بتوزيع الأدوار…
– مراهناً على موقف الرئيس بري وبأنه كفيل بإجهاض عملية تعيين العميد شامل روكز من دون أن يتحمل هو (أي الحريري) عبء التمديد وإغضاب عون.
– مراجعاً لحساباته بعد التطورات الإقليمية التي بدأت من اليمن (عاصفة الحزم) وامتدت الى سوريا (تقدم المعارضة على الأرض) وأوجدت واقعاً إقليمياً جديداً أبرز ما فيه تصاعد المواجهة بين إيران والسعودية…
بقي أسبوع أمام مجلس الوزراء للبت في موضوع قيادة الجيش، تعييناً أو تمديداً. ويرجح أن يتكرر سيناريو تأجيل تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص.
هذه المرة يطرح وزير الدفاع سمير مقبل أكثر من اسم لقيادة الجيش، من بينها قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، فلا يحوز أي منها غالبية الثلثين. يُطوى الموضوع عند هذا الحد، مثابة صفارة للوزير كي يصدر قراراً يؤجل تسريح قهوجي بذريعة فشل تسمية خلف له، وأنه ملزم إملاء فراغ لا يسع المؤسسة العسكرية تحمل وزره.
ما تواجهه جلسة محتملة لمجلس الوزراء للخوض في تعيين قائد جديد للجيش ليس نصاب ثلثي الانعقاد، بل نصاب ثلثي التعيين. في حال كهذه سينقسم الثلثان بعضهما على بعض بسبب حدة تناقض المواقف. سيكون من المتعذر العثور على 16 وزيراً يدعمون خيار التعيين بعد الأخذ في الاعتبار ان عدد معارضي تسمية روكز يكاد يقترب من الثلثين: الوزراء الاربعة لتيار المستقبل ويتعاطف معهم الرئيس تمام سلام ووزيراه (رشيد درباس ومحمد المشنوق)، الوزراء الثلاثة للرئيس ميشال سليمان (مقبل – شبطيني – حناوي)، الوزراء الثلاثة لحزب الكتائب (قزي – حكيم – جريج)، الى الوزير بطرس حرب.
بذلك يمسي عدد هؤلاء 14 وزيراً معارضاً بحجج مختلفة: منها أن انتخاب رئيس الجمهورية يسبق تعيين قائد الجيش، ومنها ان التوافق على الاسم غير متوافر، ومنها أيضاً أن مقايضة القيادة بالرئاسة لم تحصل، ومنها أن الظروف الأمنية لا تسمح بتغيير القائد. في المقلب الآخر يدعم التعيين وزيرا حزب الله (فنيش والحاج حسن) والوزراء الأربعة لتكتل التغيير والإصلاح (باسيل ـ أبو صعب ـ عريجي ـ نظريان). أما بالنسبة الى وزيري الرئيس نبيه بري ووزيري جنبلاط ــ وكلا الزعيمين قالا في وقت سابق أنهما لا يمانعان في تعيين روكز – فلن يسعهم قلب التصويت رأساً على عقب.
ثمة انطباعات متداولة حتى في أوساط العونيين وحلفائهم بأن وزير الدفاع سمير مقبل، سيوقع حتماً على قرار التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان، وأن هذا الأمر بات شبه محسوم. وأي قرار من هذا النوع سيتخطى قدرة عون على تعطيله في مجلس الوزراء، لأن القرار سيكون من صلاحية وزير الدفاع وحده، فيما يصبح رئيس تكتل التغيير والإصلاح مقيداً بمعركة الكر والفر بينه وبين خصومه، ولن يبقى أمامه سوى التصعيد وتعطيل عمل الحكومة مجدداً، وهو أمر لن يقبله سلام والمستقبل.
أمام هذا الواقع، جرى تداول فكرة تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، على غرار ما حصل مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ورغم أن وجود رئيس الجمهورية ميشال سليمان آنذاك، أعطى غطاءً للسلطة التنفيذية، إلا أن الحكومة استمرت بتصريف الأعمال نحو عام وكأن شيئاً لم يكن. ومن شأن ذلك أن يتكرر مجدداً مع حكومة تصريف أعمال برئاسة تمام سلام، تكون أولى خطواتها توقيع وزير الدفاع قرار التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان، فلا ترتد مفاعيل التمديد على مجلس الوزراء، ولا على مقررات الوزراء الذين باتوا مقيدين بموافقة عون على قرارات متعلقة بوزاراتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق