سياسة لبنانية

نتائج الجولة الأولى لمعركة «التعيينات والصلاحيات»

في هدوء ما بعد العاصفة الأولى وفي استراحة ما بين الجولتين، أجرت مصادر سياسية مراقبة تقويماً لنتائج الجولة الأولى واتجاهات الوضع وأبرز ما جاء فيه:
1- خرج العماد عون من هذه الجولة منهوك القوى الى وضع غير مريح، وبنتائج أقل من المتوقع، ذلك أن حملته ومعركته انطوت على أربع ثغرات أساسية:
–  الحجم المتواضع للحركة الاحتجاجية في الشارع التي لم تكن في حجم المعركة وعناوينها. وثمة أسباب كثيرة لهذا الانكفاء الشعبي لا مجال للخوض فيها الآن، ولكن ما حدث على الأرض يظهر قصورا في التعبئة السياسية وأن هناك فجوة بين عون وجمهوره الذي لم تصله “الرسالة” كما يجب وبدا غير معني بالمعركة وغير جاهز لها…
– حالة تأفف وتذمر عند قطاعات مسيحية واسعة لسببين على الأقل: توقيت التحرك في عز موسم سياحي تستقطبه المناطق المسيحية أكثر من غيرها، والتصادم غير المفهوم وغير الطبيعي بين العونيين والجيش اللبناني على الأرض والمستند الى أجواء سياسية متوترة ومشحونة بين عون والعماد جان قهوجي، أخرجها عون الى العلن مع تحميل قائد الجيش مسؤولية ما تعرض له أنصاره وفي عملية «تصفية حسابات» مكشوفة. مع العلم ان الجرحى كانوا من عناصر الجيش وهذا دليل على ان الجيش لم يستخدم القوة وان المتظاهرين هم الذين هاجموا الجيش.
-التحول في مسار المعركة من معركة سياسية مع تيار المستقبل الى معركة شخصية مع الرئيس تمام سلام والاصطدام به واتهامه بـ«الداعشية السياسية»… تمام سلام ليس العنوان والهدف المناسب أو الصحيح لخلق حالة مسيحية مناهضة للواقع ومعبأة لتغييره والمشكلة ليست معه….
– عدم تأمين الحد الكافي من التأييد السياسي لدى الحلفاء، حيث طغى التباين على التضامن وبدا عون وكأنه يقاتل وحيداً على ثلاث جبهات مترابطة: التعيينات، الحكومة، الرئاسة. وهذا ما حمله على إدخال تعديلات وتقديم توضيحات بدءا من توضيح الموقف من الفدرالية التي لم ينسها ودفع الى طرحها كحل ممكن ومشروط بتوافق لبناني حولها…
وبناء على كل ما تقدم، فإن العماد عون ليس أمامه في حال قرار استئناف حركته إلا إدخال تعديلات على الأسلوب المتبع في إدارة المعركة لتلافي حصول أخطاء وثغرات.
2- سليمان فرنجية هو أبرز الرابحين في هذه الجولة وأكثر المستفيدين منها، وأفضل من استثمر سياسياً فيها والى درجة يمكن القول إنه لو جرت انتخابات رئاسية الآن لكان فرنجية الأوفر حظاً للفوز ومن موقع «الرئيس التوافقي» رغم لونه السياسي الفاقع وعلاقته مع الرئيس السوري بشار الأسد. يحرص فرنجية على التأكيد والتذكير أنه مع عون ولن يتخلى عنه وسيظل مرشحه وخياره الأول لرئاسة الجمهورية، ولكن فرنجية في الواقع ابتعد عن عون كثيراً ونسف طروحاته وكشف أنه ليس معه في أشياء كثيرة يقوم بها: من النزول الى الشارع ورفض الدورة الاستثنائية، الى الاستفتاء المسيحي وطرح الفدرالية…
فرنجية المتناغم والمنسجم تكتيكيا مع الرئيس بري واستراتيجيا مع حزب الله أخرج حساباته الخاصة الى العلن ووجد أن الوقت حان للشروع في معركته الرئاسية كناخب رئيسي أو حتى كمرشح قوي من خارج ثنائية عون – جعجع… فرنجية تلقى اتصالات تهنئة وإشادة وتأييد من الرئيس نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة والوزير نهاد المشنوق، وانتقل في لحظة سياسية أحسن اختيارها الى لعب دور الجسر والوسيط بين 8 و 14 آذار، الدور الذي لعبه لفترة وليد جنبلاط سياسياً ولعبه لفترة عون حكومياً…
3- السيد حسن نصرالله أكد مجددا أن الأولوية عنده هي للتطورات والأوضاع الإقليمية، بدءاً من سوريا وصولاً الى اليمن… وأنه مع الوضع اللبناني الداخلي يتعاطى بهدوء ودقة وبين حدين: عدم إسقاط الحكومة وعدم تعطيلها… وعدم كسر العماد عون وعدم السماح باستفراده… ولذلك يعمل على نزع فتيل التصعيد السياسي وينصح باستئناف الحوار بين المستقبل والتيار الوطني الحر، ولا يجد حرجا في تظهير منمق لنقاط تباين مع حليفه عون في موضوعي الفدرالية والدورة الاستثنائية لمجلس النواب، كما لا يجد حرجا في مد يد المساعدة لتيار المستقبل إذا أراد النزول عن الشجرة التي تسلقها…
4- الرئيس سعد الحريري فاجأ الجميع بأنه لم يكن حاداً مع عون ولم يبادله بالمثل، لا بل ظهر مهادناً ومهدئاً له مقارنة بما صدر عن مسؤولي تيار المستقبل. ولكن الحريري لم يكن مفاجئاً في انتقاداته الحادة واللاذعة لحزب الله والسيد حسن نصرالله وهو حرص على التذكير أن معركته الأساسية هي مع حزب الله وعلى التوضيح أنه لا يريد الدخول في معركة جانبية يستدرجه إليها حزب الله مع عون لإذكاء صراع سني – مسيحي وتحويل الأنظار وتشتيت تركيز المستقبل وقواه.
وفيما كان البعض ينتظر رداً قوياً من الحريري على عون، لا سيما بعد انتفاضة الشارع في 9 تموز (يوليو)، لاحظت مصادر في 8 آذار أن الحريري تعمد عدم تصعيد نبرته ضد عون والاشتباك المباشر معه، مفترضاً أنه بذلك يحول دون أن تتخذ الأزمة الحالية بعداً سنياً – مسيحياً، وبالتالي يخفف من قدرة عون على مواصلة الاستقطاب وشد العصب المسيحي من حوله، بعدما نجح مؤخرا في تعبئة جمهوره ضد «المستقبل».
وتقول مصادر سياسية إن فرصة الأسبوعين التي أعطاها التفاوض في الغرفة الخلفية في السرايا الحكومية كافية للقول إن «المستقبل» لا يريد الذهاب الى لعبة الكسر وحرق المراكب مع عون، وإنه في صدد إعادة الحسابات خصوصاً أن وزراء «المستقبل» آثروا التزام الصمت إبان المشادة الشهيرة في الجلسة الأخيرة وما بعدها. ولكن مصادر في 8 آذار ردت على اتهام الحريري حزب الله بتحريض التيار الوطني الحر على «المستقبل» بالتساؤل: «من وعد ونكث؟ أليس الحريري هو الذي وعد عون بالتجاوب مع طروحاته في ملفي رئاسة الجمهورية وتعيين قائد الجيش، ثم تراجع تباعاً. فأين مسؤولية حزب الله هنا»؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق