الاقتصادمفكرة الأسبوع

كيف ستنفق ايران 100 مليار دولار؟

ربما تبدو مهمة إنفاق 100 مليار دولار مشكلة مستحبة غير أنها في واقع الأمر واحدة من مشاكل السياسة الاقتصادية العديدة التي تلوح في أفق الرئيس الايراني حسن روحاني بعد الاتفاق النووي الذي أبرمه هذا الاسبوع وما جلبه من وعود برفع العقوبات المكبلة للاقتصاد.

فسيضطر روحاني وحكومة الخبراء التي عينها لإدارة طفرة في التجارة والاستثمار دون زعزعة استقرار الاقتصاد وكذلك إقرار إصلاحات لجذب رؤوس الأموال الأجنبية دون التسبب في رد فعل سياسي معاكس في الداخل.
وقد بدأ قادة قطاع الأعمال بالفعل يطلقون التحذيرات من المخاطر ويشير الأداء الضعيف لأسواق المال منذ تم التوصل إلى الاتفاق يوم الثلاثاء إلى أنهم يرون المخاطر المحدقة إذ لم يكد الريال الايراني يتحرك كما أن سوق الأسهم المحلية شهدت تراجعاً.

ايران لن تصبح جنة عدن بعد العقوبات
وقال يحيى آل اسحاق رئيس غرفة طهران للتجارة والصناعة والمناجم والزراعة «ما بين 15 و30 في المئة فقط من مشاكلنا الاقتصادية ترجع إلى العقوبات. أما نسبة السبعين في المئة الباقية فسببها سوء الإدارة. ولذلك فإن رفع العقوبات لن يكون نهاية لمشاكلنا».
وقال لنشرة نسيم الإخبارية المحلية الأسبوع الماضي «ايران لن تصبح جنة عدن بعد العقوبات».
وربما تكون إدارة التدفقات المالية العائدة إلى البلاد من الخارج أول التحديات التي ستواجه فريق روحاني. ويقول مسؤولون أميركيون إن ايران سيتاح لها التصرف في أكثر من 100 مليار دولار من الأرصدة المجمدة في الخارج أي ما يعادل ربع ناتجها السنوي.
وقد يبدأ تدفق الأموال قرب نهاية العام الجاري بعد أن يؤكد المفتشون الدوليون التزام ايران بالاتفاق. والحكومة في أمس الحاجة لهذه الأموال لسداد التزاماتها وإقامة مشروعات للبنية التحتية لكن ضخ هذه الأموال في الاقتصاد سيكون مهمة صعبة.

ضغوط سياسية
سيتعرض المسؤولون لضغوط سياسية هائلة لتسريع معدلات النمو ورفع مستويات المعيشة.  وفي الوقت نفسه من المحتمل أن يتسبب إنفاق الاحتياطيات بسرعة في اختناقات في الاقتصاد الايراني المتعثر وينذر بارتفاع آخر في التضخم الذي لم تستطع السلطات خفضه إلا في الآونة الأخيرة فتراجع إلى نحو 16 في المئة من أكثر من 40 في المئة قبل عامين.
وقال آل اسحق «الإفراج عن أرصدتنا فرصة كبيرة لكن إذا أسيء إدارة هذه الأموال فقد يكون الضرر الناجم أسوأ من العقوبات نفسها».
وربما يستجيب الايرانيون العاديون لجو التفاؤل الجديد بإعادة مدخراتهم إلى الريال بعد أن حولوها بمليارات الدولارات للعملات الأجنبية والذهب عندما كان الريال ينهار خلال سنوات العقوبات.
وسيفرض ذلك ضغوطا صعودية على العملة الايرانية التي تبلغ الآن 32700 ريال مقابل الدولار في السوق الحرة ويجبر السلطات على اتخاذ قرار صعب لتحديد المدى الذي يريدونه لقوة العملة.
ومن شأن ارتفاع الريال الحد من التضخم وربما يسعد الطبقات المتوسطة في ايران من خلال تسهيل شراء السلع الاستهلاكية الأجنبية والسفر للخارج.
أما ضعف العملة فسيعمل على تنشيط الصادرات خصوصاً في القطاع الزراعي ويؤدي لخلق فرص عمل.
ولكل من الخيارين مناصرون أقوياء في ايران.
وقال مدير تنفيذي في شركة بقطاع التكنولوجيا في طهران رفض نشر اسمه بسبب حساسيات سياسية معلقاً على سياسة النقد الايرانية «السؤال المطروح هو ما إذا كان روحاني يريد استراتيجية قصيرة الأجل للفوز في الانتخابات المقبلة من خلال تخفيض معدل التضخم أو ما إذا كان يريد التفكير في الأجل الطويل وتحقيق إنجاز ما في ما يتعلق بالكساد».
ولحرص المصدرين الايرانيين على العودة إلى الأسواق الخارجية بعد رفع العقوبات فهم يريدون من البنك المركزي مساعدتهم على المنافسة بخفض أسعار الفائدة في البنوك التي مازالت أعلى من 20 في المئة.
ومع ذلك يرفض البنك المركزي تقديم تيسيرات سريعة وربما يظل على هذا الحال حتى بعد رفع العقوبات. فمع تدفق الأموال على ايران وتسارع معدلات النمو من الممكن أن يؤدي الخفض السريع في أسعار الفائدة إلى تكون فقاعات في أسواق الأصول.

إصلاحات
وسيواجه فريق روحاني مواقف مماثلة وهو يحاول جذب رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا من الخارج إلى ايران وهو ما يمثل جانبا رئيسيا في الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة في ما بعد العقوبات.
وتضع الخطة الخمسية للفترة 2016-2021 تصورا لاستثمارات قدرها 361 مليار دولار لتحقيق معدل نمو سنوي يبلغ ثمانية في المئة على أن يتحقق أكثر من 40 في المئة من هذا المبلغ من مصادر خارجية.
غير أن ايران غير مستعدة لا لإغراء الاستثمارات الأجنبية بالقدوم ولا للاستفادة منها إذا جاءت. فقوانين العمل الصارمة التي كانت من نتائج الثورة الاسلامية لعام 1979 تجعل من الصعب الاستغناء عن العاملين كما أن النظام القانوني المتقلب يزيد المخاطر التي تواجه الشركات الأجنبية.
ويتحدث المسؤولون عن إصلاح اللوائح التي تنظم سوق العمل وقطاع الأعمال لزيادة جاذبيتها للمستثمرين لكن هذه المهمة ستكون لها حساسيتها السياسية خصوصاص إذا ظهر أن الحكومة تساعد الشركات الأجنبية التي تتمتع بسيولة عالية على الفوز بحصة من السوق من الشركات الايرانية التي أضعفتها العقوبات.
وقال آل اسحق إن الاجانب «عطشى للسوق الايرانية. ومن الممكن أن تفلس مصانعنا المحلية في هذه الموجة».
وللتصدي لهذا الإحساس من المتوقع أن تشترط الحكومة على كبار المستثمرين الأجانب نقل التكنولوجيا إلى الشركات الايرانية والحصول على قدر كبير مما تحتاج إليه من مواد من السوق المحلية. لكن هذا قد يحد من جاذبية ايران في عيون الأجانب.

رويترز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق