سياسة لبنانية

الحكومة معطلة حى اشعار آخر وموقف عون «سيف ذو حدين»

بعد الفراغ الذي أصاب رئاسة الجمهورية والشلل الذي أصاب مجلس النواب مع إقفال أبوابه عملياً من دون أن ينفع مخرج «تشريع الضرورة» في فتحه… وصلت الأزمة الى الحكومة لتصاب بالتعطيل والجمود حتى إشعار آخر. هذا التعطيل سماه العماد ميشال عون «إجازة»، وهذا الإشعار الآخر حدده حتى أيلول (سبتمبر) المقبل، مستنداً في موقفه المتشدد رداً على إطاحة التعيينات الأمنية، الى دعم حزب الله وتضامنه معه في أي قرار يتخذه… لكن قرار عون لا يصل الى حد الاستقالة والخروج من الحكومة، وإنما يتوقف عند حد التشويش والتعطيل والإرباك، أي الحد الكافي لممارسة ضغوط على الحكومة ليس بهدف إسقاطها وإحراج سلام لإخراجه، وإنما بهدف دفعها الى التنازل في موضوع تعيين قائد جديد للجيش.
والمبارزة الحكومية تبدو متكافئة لأن عون، وحليفه حزب الله، يمتلك سلاح التعطيل والضغط، ولأن تيار المستقبل يتلقى دعماً من بري وجنبلاط اللذين اتفقا على فعل أي شيء لإبقاء الحكومة تعمل وتنتج وتقرر أقله في الأمور الحياتية والأساسية… وهذا الموقف من جانب بري وجنبلاط يجعل أن معركة عون صعبة، وأن الضغط الذي يمارسه على الحكومة يمكن أن يتحول ضغطاً عليه وفي اتجاهه، إذ سيجري تحميله مسؤولية تعطيل مصالح الناس وعجلة الدولة… وفي تفاصيل هذه المبارزة الحكومية المثيرة:
1 قرر رئيس الحكومة تمام سلام عدم دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد هذا الأسبوع، مع إمكانية عدم دعوته الأسبوع المقبل أيضاً، واحتمال أن يستمر الشلل الحكومي أسابيع عدة، خصوصاً أن وزيري حزب الله في الحكومة كانا أكدا غير مرة داخل مجلس الوزراء تضامنهما مع وزيري عون، ومعهما وزير تيار المردة روني عريجي وربما وزير حزب الطاشناق أرتور نزاريان.
ومع أن باستطاعة سلام تأمين نصاب الثلثين لدعوة مجلس الوزراء، في حال قرر الوزراء الستة (من أصل الـ 24 وزيراً) الخروج من الجلسات، فإن رئيس الحكومة فضل التريث في عقد مجلس الوزراء لإعطاء المزيد من الوقت من أجل إجراء اتصالات لعلها تفلح في ثني العماد عون عن موقفه، إذ في حال أصرار سلام أثناء اجتماع مجلس الوزراء- إذا دعا إلى عقده – على بحث جدول الأعمال، وخرج وزراء عون وحزب الله من الجلسة، فإن الأمر سيزداد تعقيداً، خصوصاً إذا اتُخِذت قرارات امتنع الغائبون عن توقيع مراسيمها. لذلك يُفضل سلام الامتناع عن الدعوة، لمدة من الوقت، لإعطاء فرصة للقوى المعنية لمراجعة الوضع وإفساح المجال أمام جهود إيجاد مخارج من الجمود، وإلا سيكون له الموقف المناسب عندها.
2- لا يزال الثلثان مؤمّنين في حكومة سلام كي تنعقد دستورياً، كذلك طبيعة تأليفها من ثلاث ثمانات بين قوى 8 و14 آذار والوسطيين، ما يحول دون تمكين فريق واحد من الحصول على الثلث +1 لشل انعقادها ما لم يتواطأ فريقان على ثالث أو يتمكن فريق من الائتلاف مع بعض من الفريق الآخر بغية الإمساك بنصاب التعطيل. مع ذلك يكفي غياب وزير التيار الوطني الحر وحزب الله – بما يعنيه تمثيلهما في الحكومة – كي تتسرب الشكوك في إمكان التئام جلسة لمجلس الوزراء.
لا مجال للخوض في ميثاقية جلسة لمجلس الوزراء غاب عنها وزيران مسيحيان ووزيران شيعيان، ما دام ثمة وزراء مسيحيون أو شيعة آخرون لا يزالون يحضرون الجلسة. بل الأصح أن القياس هنا ليس ميثاقية جلسة يحضرها وزراء الطوائف المشاركة في السلطة الإجرائية، بل غياب وزراء منوط بهم توقيع قرارات مجلس الوزراء تمهيدا لإصدارها بمراسيم وإحالتها على المراجع المعنية.
منذ شغور الرئاسة، يُنظر الى النصاب القانوني في حكومة سلام على أنه سياسي أكثر منه حسابياً. لم تكن هذه حال حكومة الحريري عندما اسقطها الثلث + 1. لم تكن كذلك تجربة حكومة السنيورة من قبل بعد شغور عامي 2007 و2008 بسبب اقتصارها على فريق سياسي واحد يترأسه رئيس الحكومة نفسه. في واقع حكومته، يتصرف سلام على أنه فريق ثالث بين اثنين يحاذر – مقدار ما يتمكن – الإنحياز الى أحدهما، ولا يضع نفسه في صف وزراء الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط.
3- خلافاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعتقد أن في إمكان الحكومة الالتئام ما دام نصابا الثلثين والنصف +1 متوافرين للانعقاد واتخاذ القرارات، يتمهل سلام في تقدير موقفه الى أن يصطدم بالمشكلة في الجلسة المقبلة، فمع انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إليها أضفى سلام على حكومته نمطاً مختلفاً يكاد يكون على صورته، المطبوعة بالتوافق وطول الأناة واستنفاد الجهود والمرونة. ربط إعداد جدول الأعمال بالتوافق المسبق عليه بين الوزراء جميعاً، وسلّم بتوقيع الوزراء الـ 24 قرارات مجلس الوزراء ما أن يتحوّل هيئة رئيس الجمهورية، وخصوصاً في القضايا المهمة.
على طرف نقيض منه، قالت وجهة نظر بري منذ 25 أيار (مايو) 2014 بقصر تواقيع الوزراء المختصين على قرارات يتخذها مجلس الوزراء مجتمعا، على ان يوقع الوزراء الـ 24 القرارات التي تتخذ خارج مجلس الوزراء.
4 قد تكون هناك فترة «استراحة» لأسبوعين أو ثلاثة، لكن سلام لا يستطيع الامتناع طويلاً عن دعوة الحكومة إلى الاجتماع. ووزراء عون لا تخوّلهم صلاحياتهم الدستورية، حتى في ظل دورهم بالاشتراك مع كل الحكومة في تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية، (بفعل شغور منصبه) أن يعترضوا على مواصلة الحكومة عملها.
وعلم أن موقف سلام هذا يلقى تفهماً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أبلغ زواره خلال الساعات الماضية تأييده الكامل للقرار الذي يتخذه سلام ورفضه مبدأ شل الحكومة خصوصاً أنه يرى أن من المبكر البحث في تعيين قائد الجيش الجديد طالما أن مدة خدمة قائده الحالي العماد جان قهوجي لم تنتهِ قبل أيلول (سبتمبر) المقبل.
موقف بري يلقى المساندة من النائب وليد جنبلاط الذي زاره في عين التينة معلناً أنه سيحاول مع الرئيس بري تذليل بعض العقبات السياسية بغية تثبيت الاستقرار والتوصل الى «تشريع الضرورة».
ونفت مصادر مقربة من رئيس المجلس أن يكون الزعيم الاشتراكي قد حمل أي مبادرة، وقالت: «لا شيء استثنائياً. وقد عبّر جنبلاط عن مخاوفه، وتطرق إلى الشلل الذي أصاب المجلس النيابي». وأضافت إن «الزيارة هي تذكير بموقف جنبلاط الداعم لموقف الرئيس بري في موضوع الحكومة والمجلس النيابي، وأن بري أكد أنه لن يسمح بأن يصل الشلل إلى مجلس الوزراء».
5- أجريت في عطلة منذ توقف جلسات الحكومة مشاورات بين الرئيس سعد الحريري والرئيس السنيورة والوزير نهاد المشنوق ومدير مكتب الحريري نادر الحريري والنائب السابق غطاس خوري. وتناول البحث كل القضايا المطروحة لا سيما مواجهة التعطيل الحكومي وموضوع تعيين قائد جديد للجيش، فكان تأكيد على أن هذا الموضوع يأتي بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي فإن موقف المستقبل النهائي هو: لا قائد جديداً للجيش قبل انتخاب الرئيس.
الوزير نهاد المشنوق أكد أنه لن يتم البحث في تعيين قائد جديد للجيش قبل أيلول (سبتمبر)، مهما بلغ حجم الضغوط. وأوضح (في حديث تلفزيوني) أن «النقاش الدائر حالياً يتعلق بتعيين قائد للجيش ولا يتعلق بحقوق المسيحيين أو اضطهادهم أو وجودهم»، وقال: «كلام الوزير باسيل، أن وجودنا يتعرض، هو كلام خارج السياق السياسي والعقلاني والحكمة والوعي»، سائلاً: «هل وجود المسيحيين في لبنان معلق على تعيين قائد جيش يوافق عليه «التيار الوطني الحر»؟ إلا أن هذا «الخطر الوجودي» كلام كبير جداً لا يعبّر لا عن الواقع ولا عن الأزمة في المنطقة».
وتقول مصادر سياسية قريبة من تيار المستقبل إنه يتعاطى مع موضوع قيادة الجيش من الخلفية الاتية:
1- التمسك بالعماد قهوجي وببقائه في هذه المرحلة لأن تيار المستقبل مرتاح جداً لأدائه وفي العلاقة معه. وثمة إشادة من قيادة المستقبل بطريقة إدارة قهوجي للمؤسسة العسكرية ولمهمة الجيش في عرسال. المسألة ليست فقط مسألة قيادة عسكرية وإنما مسألة إدارة سياسية في بلد قائم على «الأمن السياسي».
2- تحريك موضوع قيادة الجيش يحصل في توقيت غير مناسب للمستقبل ومثير للشبهة والتساؤلات، لأنه يتزامن مع تحريك موضوع عرسال. ولا يريد المستقبل المجازفة في تعيين قائد جديد للجيش لا يمكن الوثوق به «سياسياً» حتى لو كان من أكفأ الضباط بحكم هويته السياسية وانتمائه الى فريق وكيف سيتصرف، خصوصاً وأن تصريحات عون بخصوص عرسال ليست مطمئنة وتعطي فكرة عما يمكن أن يؤول إليه الوضع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق