أنطوان رعد… قصائد لفحتها رياح الفن ولوحات مبللة بالشعر
باستطاعتي القول، ان الشاعر الملهم أنطوان رعد هو نسيج وحده بين الشعراء، لا لأنه يكتب القصيدة المميزة التي لا تشبه أية قصيدة أخرى فحسب، بل لأنه، في الوقت نفسه، يصنع لها الوعاء الجميل الذي يليق بها. وكما القصيدة، كذلك المرأة، التي هي مصدرها، ولولاها لا شعر ولا شعراء… لذلك، يعتبر أنطوان رعد، انها تستحق أيضاً المكان الذي يليق بها.
مزاوجة بين الشعر والمرأة والرسم واللغات
انطلاقاً من هنا، أتت تحفته الجديدة الحاملة عنوان «مرايا حواء» التي زاوجت بين القصيدة والمرأة، بين الشعر والرسم، وبين ثلاث لغات: العربية والفرنسية والإنكليزية. إذاً، يتضمن هذا العمل الشعري – الفني الرائع، مجموعة من القصائد الغزلية، الصغيرة في حجمها والكبيرة في مغزاها… المتقنة في نظمها، والمبدعة في أبعادها… بالإضافة الى مجموعة من الرسوم الجميلة والمعبّرة بريشة الفنان التشكيلي العراقي المبدع هاني مظهر.
في مطلع الكتاب – الألبوم، مقدمة بقلم زهيدة درويش جبور التي قامت بترجمة القصائد الى اللغة الفرنسية، كما قامت كارلا فرح بترجمة القصائد الى اللغة الإنكليزية، وكلتاهما أجادتا في هذا المجال.
نقرأ في سيرة الشاعر اللبناني أنطوان رعد انه شغل مناصب عدة، فكان رئيساً لنقابة المعلمين العامة في لبنان، ورئيساً للنادي العربي في بريطانيا. وهو حالياً، رئيس المجلس الثقافي في بلاد جبيل.
«كتب عن الوطن والمرأة، وشعره في «مرايا حواء» يتسم ببساطة عميقة وعفوية أنيقة وايقاعات رشيقة. إنه أشبه بقروية حسناء يسحرك جمالها مع أنها لم تتبرّج ولم تستشر المرآة، الى كونه احتفالاً بالمرأة وبالحياة على حدّ سواء».
الفنان العراقي هاني مظهر «استلهم بحس المبدع وبصيرة الرؤيوي المعاني المضمرة والأبعاد المتخيّلة في قصائد «مرايا حواء» وأعاد توليدها بضربات حرفي غني بالتجربة والمراس، فغدت لوحاته التي تنضح عذوبة وتشع رواء، قصائد تسمع بالعين».
أخذه الإغتراب من العراق الى بريطانيا ومنها الى معارض وجوائز تقديرية في الغرب والشرق، لكن الغربة لم تسلخ هاني مظهر عن وطنه الأم وعن تراثه الحضاري الذي جسّده في معارض عدة.
عاشق الشعر والمرأة…
أعرف جيّداً، ان أنطوان رعد هو العاشق الكبير للشعر، على اختلاف مدارسه ومذاهبه وأنواعه وأساليبه… ويحفظ في ذاكرته مئات القصائد، القديمة والجديدة، منذ العصور الغابرة الى العصر الحديث، وبإمكاني القول في هذا الصدد، انه يمتلك «ذاكرة فيل»!
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن أنطوان رعد يكتب القصيدة الغزلية والوطنية معاً، فهو عاشق الوطن، وعاشق المرأة التي هي في نظره «أشهى فاكهة الأرض والسماء»، الى قوله:«ستبقى المرأة مهما قيل فيها وقيل عنها، قارة عذراء تحدونا الى المغامرة لأكتشاف المجهول»… وهو القائل في إحدى قصائد «مرايا حواء» وهي بعنوان: «العتمة الخرساء»:
اطفئي الضوء فما في
الليل يا ليلى سوانا
وأتركي للعتمة الخرساء
أسرار هوانا.
والقائل أيضاً في قصيدة بعنوان «الصفصافة والنهر»:
ألمح في عينيك يا أميرتي
صفصافة تقصّ للنهر
والنهر يجري دون أن يدري –
حكاية العمر الذي يجري.
شاعر يداعب المرأة!
بالرغم من عشقه للمرأة، ومن التقدير الذي يكنّه لها، فهو لم يتورع عن أن يذكر في بعض أقواله التي سرّ بها في زوايا بارزة من الكتاب، ما يأتي:«لكي يفهم الرجل المرأة، يجب ان يتزوّج جميع نساء الأرض»، أو «الصمت هو الذهب الوحيد الذي تكرهه النساء»، أو «النساء يتذكرن يوم ميلادهنّ لكنهن يتناسين السنة»، والى ما هنالك من الأقوال… وهي ليست سوى نوع من المداعبات، لا أكثر ولا أقل.
من الكتاب اذكر أيضاً، قصيدة بعنوان «المرأة العاشقة»:
تطبع المرآة في صمت وتمحو
كل ما مرّ عليها من صور
وحدها صورة من تعشق تبقى
في حناياها كنقش في الحجر.
***
وأخرى بعنوان «أرملة في حداد»:
ضفائري في حداد فهي أرملة
تشكو تئنّ من الحرمان والضجر
تشتاق في ليلها كفاً تدلّلها
شوق الصحارى الى الأفياء والمطر.
شاعر كتب … ورسام ترجم!
أما الفنان هاني مظهر، فقد استطاع بموهبته الفنية الفائقة، ونظرته العميقة، وخياله الواسع، وريشته الساحرة، أن يترجم – إذا جاز القول – قصائد الشاعر أنطوان رعد، الى لوحات فيها من الجمال والتعابير الشيء الكثير…
في الواقع، ان المتأمل في صفحات هذا الكتاب، يقع في حيرة، فهو لا يعرف من أين يبدأ… هل يبدأ يقراءة القصيدة، أو بمشاهدة اللوحة؟ وفي نهاية المطاف، لا يسعه إلا أن يقرأ ويشاهد في آن واحد، وأن يعجب بهذه التجربة الشعرية والمشهدية الباهرة، التي أكدت لنا ان اللوحة الفنية المتكاملة هي المبللة بالشعر، كما ان القصيدة الأصيلة هي التي لفحتها رياح الفن!
اسكندر داغر