سينما

كان 2015: سلمى حايك تلتهم قلب الوحش وتشارليز ثيرون «صلعاء» تخدع «سيد الحرب»

عرض في مهرجان كان ضمن المسابقة الرسمية للدورة 68 فيلم «حكاية الحكايات» للمخرج الإيطالي ماتيو غارون، وظهرت فيه النجمة سلمى حايك في دور آكلة قلوب الوحوش. وظهرت امس على «الكروازيت» النجمة شارليز ثيرون في فيلم «ماد ماكس» الذي يتجاوز هو الآخر حدود الخيال.

بعد قلوب محبي السينما، ها هي النجمة المكسيكية اللبنانية سلمى حايك تلتهم قلب وحش في «حكاية الحكايات» للمخرج الإيطالي ماتيو غارون الذي عرض في مهرجان كان ضمن المسابقة الرسمية. وكان «حكاية الحكايات» من أكثر الأفلام ترقباً في الكروازيت لما أثاره من فضول عبر ملصق يوحي بعالم عجيب أبطاله نجوم عالمية على غرار سلمى حايك والفرنسي فانسان كاسيل والأميركي جان-كريستوفر ريلي.
ويستلهم ماتيو غارون الفيلم من أكبر أثر أدبي أوروبي في القرن 17: «حكاية الحكايات» لجيانباتيستا بازيل. فقبل حكايات الأخوين البريطانيين غريم والفرنسي شارل بيرو، كان جيانباتيستا بازيل أول من كتب مجموعة حكايات «للأطفال» في أوروبا.
ويروي الفيلم قصة ثلاث ممالك متجاورة بقصورها السحرية حيث يجول الملوك والملكات والأمراء والأميرات: ملك نزق يهوى الجنس وينساق إلى نزواته، وآخر يشغف بحيوان غريب، وملكة لا تبتسم مهووسة بإنجاب طفل، وأميرة تتزوج غولا… سحرة وعفاريت، وحوش مخيفة، شخصيات رهيبة وخدم محتالين، ومشعوذون وممومسات، هذه سلسلة الشخصيات التي تزخر بها «حكاية الحكايات».

سلمى حايك الملكة الحزينة
بعد أن لعبت سلمى حايك أدواراً كبيرة في السينما العالمية، منها دور الرسامة المكسيكية فريدا كالو صاحبة الموهبة الخارقة والجمال الخرافي، تأتي اليوم إلى الكروازيت بين «وحوش» و«عمالقة» الفن السابع. فتتقمص في فيلم «حكاية الحكايات» دور ملكة عبوسة وحزينة هوسها الوحيد هو أن تنجب طفلاً، وينصحها أحد المشعوذين بأكل قلب تنين بعد أن تطبخه عذراء. فتطهو إحدى الخادمات الوجبة السحرية وتحبل بدورها فتضع المرأتان توأماً سيامياً أمهقاً!
وكان غارون بدأ في الانجذاب نحو عالم مواز عبر فيلم «واقع» (2012) الذي يطرح فيه مسألة الخيال وجنون الشك وعالم التلفزيون الافتراضي ورغبة الإنسان في تجاوز الحقيقة، لكنه عبر تماماً في «حكاية الحكايات» إلى عالم الأعجوبة المبهج. ويرى العديد أن نوايا المخرج في الحصول على جائزة هذا العام لا تخفى فقد اختار إنتاجاً ضخماً لـ «كاستينغ» عملاق مع مجموعة من النجوم الهوليوودية، وصور الفيلم باللغة الانكليزية رغم أنه اقتباس لكتاب من التراث الإيطالي.
فهل يغزو آداء سلمى حايك قلوب أعضاء لجنة التحكيم وتساعد غارون على نيل التكريم الذي يرنو إليه؟

شكسبير من نابولي !

ويذكر انه سبق لماتيو غارون أن فاز مرتين بالجائزة الكبرى لمهرجان كان، الأولى عام 2008 عن «غومورا» أحد أهم الأفلام حول المافيا الإيطالية في تاريخ السينما، والثانية عام 2012 عن فيلم «واقع» الذي يبحث حياة بائع سمك في نابولي يحلم بالمشاركة في برنامج تلفزيوني إلى حد الوقوع في البارانويا. فهل يفوز هذه المرة غارون الذي يعتبر اليوم من أكبر المخرجين الإيطاليين بالسعفة الذهبية؟ وإن كان يتنافس في الكروازيت مع اثنين من مواطنيه الشهيرين (ناني موريتي بفيلم «أمي» وباولو سورنتينو بفيلم «الشباب»).
وإن كنا انتظرنا شيئاً ما، بأن يعمق غارون قصة القملة العملاقة التي يغرم بها الملك، فيبسط تفكيراً وجودياً على طريقة كافكا، أو أن يدخلنا عالم الماكينة وعلاقتها بحضاراتنا الحديثة ومستقبلها المظلم بعربات تذكر بابتكارات ليوناردو دا فينشي. لكننا شعرنا بأن غارون تقيد بمسائل لا يتحكم فيها مكان ولا زمان فهو يتطرق إلى غريزة الأمومة وهوس المرأة بشبابها (فتتحول العجوز إلى فتاة تتزوج الملك) وإلى نجاح المرأة في قلب النظام. فالأميرة التي ترغم على تزوج الغول تقطع رأسه في النهاية وتعود به إلى والدها فتؤول إليها السلطة، حتى أنه من الممكن أن نرى في الفيلم نزعة نسوية.
فكما تردد البعض، على غرار الكاتب الإيطالي الكبير إيتاليو كالفينو في تصنيف كتاب جياباتيستا بازيل ضمن أدب الخرافة الموجه للأطفال، مشيراً إلى ثراء اللغة المجازية وهذيان المخيلة التي تسافر من التفاصيل الحقيرة إلى أخرى جليلة، نلمس في حكايات غارون حلم «شكسبير» إيطالي مهووس بكل ما هو مفزع، لا يشبع من الساحرات والغيلان، مبهور بالصور الباروكية والخارقة، حيث يختلط البذيء بالجميل.

مستقبل الإنسانية تحت أقدام الجميلات

وعرض امس أيضاً ضمن «الحصص الخاصة» وخارج المسابقة الفيلم الأسطورة «ماد ماكس» للأسترالي جورج ميلارفي صياغة جديدة يعوض فيها الممثل الكبير ميل غيبسون الذي اقترن اسمه بشخصية السائق الجنوني، بالممثل البريطاني توم هاردي. وإن كان غارون يبحث عبر الخرافة عن غرائز الإنسان وديمومتها فيتساءل ميلر من جهته عن ماهية الإنسان في حال دمرت الأرض.
وعبر عالم حربي عنيف، تبرز المرأة أيضاً في أدوار نسوية، فتدور معارك بين النساء على متن دراجات نارية وتضاهي بطولة شارليز ثيرون، صلعاء الرأس في دور «أمازون» مستقبلية، أداء توم هاردي. فتخدع «سيد الحرب» وتهرب مع نسائه اللاتي كان يستعملهن كآلات للإنجاب لتؤمن استمرار سلالته الملكية. ورغم أن «سيد الحرب» صنع بنوك دم وحليب وأسس تقنيات زراعة خارج التراب، فإن النساء يحتفظن بالبذرات لإعادة الحياة على الأرض.
هكذا يرتسم مستقبل الإنسانية في الكروازيت، مع الجميلات شارليز ثيرون وسلمى حايك: تحت أقدامهن. وإن كان أحد الصحفيين المصورين اعتبر في تصريح لفرانس24 أن «من الصعب تصور شارليز ثيرون كأيقونة نسوية فهي تبدو على البساط الأحمر كنبتة هوليوودية دون طعم». أليس هذا السحر الحقيقي، أن يسمو الفن بحالنا؟ أو لم تكن تلك رسالة غارون الذي استهل فيلمه بمشاهد تجميل وماكياج «مهرجي السلطان»؟
وبعد افتتاح المهرجان مساء أمس الاول وسط أجواء متوترة وباهتة عبر فيلم «مرفوع الرأس» من نوع «سينما المؤلف»، ربما كان من الأجدر بالمنظمين أن يختاروا فيلم «حكاية الحكايات» لإطلاق هذه النسخة وتفادي تخييب ظن جمهور كان متشوقاً إلى زهو وحلم، ولما لا إلى زيف السينما الحقيقي.

فرانس 24

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق