سياسة لبنانية

سلام في افتتاح المؤتمر التربوي: بانتخاب رئيس نعيد التوازن إلى مؤسساتنا

دعا رئيس الحكومة تمام سلام في افتتاح اعمال «المؤتمر التربوي اللبناني» في فندق فينيسيا «كل القوى الوطنية المخلصة للمسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لكي نعيد التوازن إلى مؤسساتنا الدستورية والإنتظام إلى حياتنا الديموقراطية»، مؤكداً أن «أي فريق لن ينجح وحده، بمعزل عن الآخرين، في صياغة مسار البلد ومصيره». وشدد على أن «الحكومة جاهزة للخوض في ورشة نقاش حول استراتيجية متكاملة لتطوير القطاع التربوي».
وقال: «من قلب الصخب الهائل المحيط بنا، والإستحقاقات الداهمة على كل المستويات، والكلام المتطاير في جميع الإتجاهات، ذهب الياس بو صعب مباشرة إلى صلب الموضوع، ليطرح على النقاش المسألة البالغة الدقة والأهمية، المتعلقة بالتربية والتعليم في بلادنا. قد يبدو للبعض أن توقيت «المؤتمر التربوي اللبناني» غير ملائم، بالنظر إلى طبيعة المشكلات الوطنية التي تحاصرنا من كل صوب وتحتاج معالجات سريعة وحلولاً ملحة، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو الاقتصادي. لكننا نعتبر أن الجواب الملائم عن الأسئلة التي يطرحها واقع القطاع التربوي في لبنان، هو في الوقت عينه، جواب أمني وسياسي وإقتصادي وإجتماعي وإنساني، لأنه يتعلق بهذا الجيل الجالس على مقاعد الدراسة اليوم، وسيجلس على مقاعد القيادة غداً، أي أنه ببساطة يتعلق بمستقبل وطننا».
وأضاف: «لذلك أتوجه بالتحية إلى الوزير الياس بو صعب على مبادرته هذه، وأشد على يد كل من ساهم في إخراج فكرة هذا المؤتمر إلى حيز النور. كما أحيي هذه الكوكبة من أصحاب الخبرات والأسماء اللامعة، التي قررت وضع عصارة تجربتها لإنجاح هذا المؤتمر».
وتابع: «حكايتنا مع التعليم لم تبدأ بالأمس القريب. إنطلقت في أوائل القرن التاسع عشر، وكنا لما نزل تحت نير السيطرة العثمانية. صنعنا، نحن اللبنانيين، وصنعت البعثات الأجنبية، مؤسسات تربوية رائدة أحدثت تحولاً كبيراً في المجتمع اللبناني، وجعلت من لبنان منارة في محيطه، ونقطة جذب للساعين إلى المعرفة من كل البلدان العربية. وساهمت هذه المؤسسات بلا شك، في صناعة عصر لبنان الذهبي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. لقد تمكن الكثير من هذه المؤسسات التربوية من الصمود في سنوات الحرب المشؤومة، وحافظ على مستوى متقدم يضاهي أفضل الصروح التعليمية في منطقتنا. لكننا نعرف جميعاً أن الضرر الأكبر وقع على التعليم الرسمي، الذي ما زال يواجه مشكلات بنيوية، رغم كل الجهود المشكورة التي بذلها من تسلموا المسؤولية في وزارة التربية في السنوات الماضية».
وقال: «إن قطاع التعليم الرسمي يحتاج إلى خطة استراتيجية واضحة، تبين الإحتياجات الحالية والمستقبلية للقطاع التربوي، ليصبح قادراً على تلبية متطلبات العصر. سأترك للمختصين المشاركين في هذا المؤتمر تشريح مواطن الخلل، واقتراح العلاجات اللازمة. لكنني أؤكد، أن الحكومة جاهزة للخوض في ورشة نقاش حول استراتيجية متكاملة لتطوير القطاع التربوي، تضعها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي، بالاشتراك مع أصحاب الكفاءات والخبرات العاملين في هذا الحقل».
وأكد أن «النهوض بالمدرسة الرسمية اليوم، يعتبر تحدياً هائلاً وعملاً وطنياً لا يتقدم عليه أي عمل آخر. ذلك أن المدرسة الرسمية هي نواة الهيكل اللبناني وعماده. هي المكان الوحيد الذي يلتقي فيه الكل بالكل. من كل المناطق والانتماءات والطوائف والطبقات. هي المساحة التأسيسية التي يبنى فيها اتجاه جماعي لجيل مؤمن بوطن واحد».
وأضاف: «إنني أدعو المؤتمنين على وضع الخطة التربوية الاستراتيجية، والمسؤولين عن الجانب الأكاديمي للعملية التعليمية، الى إيلاء اهتمام خاص لمسألتين أساسيتين: الأولى تتعلق بمنهاج التربية المدنية الذي يجب أن يعيد ابناءنا إلى رحاب الوطن الواحد، ويعزز لديهم مفهوم الولاء للبنان، بدلا من الولاءات الجهوية أو الحزبية او الطائفية التي أضعفت لحمتنا الوطنية، ويحصنهم من آفات العنف والمخدرات وجرائم استغلال الأطفال. والثانية تتعلق بالتعليم الديني، الذي يتعين الحرص على وظيفته الأساسية المتمثلة في نشر المبادىء السامية للأديان، وليس زرع التعصب والتطرف وكره الآخر. إن هذا الملف الدقيق يتطلب متابعة حثيثة، سواء لجهة الموضوعات التي يتم تدريسها، أو لجهة كفاءة من يتولون هذه المهمة، على أن يكون ذلك بالتنسيق والتعاون بين المؤسسات الدينية المسؤولة ووزارة التربية والتعليم العالي وبإشرافها».
وشدد على أن «نشر مفاهيم المواطنة والإعتدال والتسامح والانفتاح التي ندعو إليها، لا ينجح ولا يستقيم طالما بقي التوتر والإنفعال يحتلان الفضاء العام، وطالما بقي الخطاب السياسي على حاله، يضخ جرعات يومية من التشدد والإنغلاق والعنف الكلامي. نعرف جميعاً أن الخلافات بين القوى السياسية اللبنانية حول ما يجري في المنطقة كبيرة. ونعرف أن الرؤى إلى موقع لبنان في محيطه ودوره وعلاقاته الاقليمية متعارضة. ونعرف أن وجهات النظر حول طريقة إدارة البلاد متفاوتة. لكننا جميعا يجب أن نعرف، أن أياً من قوانا السياسية غير قادر على أن يغير، ولو قيد أنمله، في مآلات الأحداث الهائلة الجارية في المحيط، وأن أي فريق لن ينجح وحده، وبمعزل عن الآخرين، في صياغة مسار البلد ومصيره، وأن أي طرف لن يتمكن من إدارة شؤوننا الداخلية بالفرض والإلغاء وبعيداً عن التوافق».
وقال: «إننا ندعو الجميع الى الرأفة بلبنان واللبنانيين، وإلى النزول من منابر الكلام العالي المؤدي إلى التنابذ والقطيعة والتوجه نحو تعزيز مساحات الحوار والتقارب. لقد نجحت حكومة «المصلحة الوطنية» حتى الآن، وبإرادة الأطراف السياسيين جميعا، في تأمين حد مقبول من الحصانة السياسية والأمنية للبلاد. ونحن نحث الجميع على تعزيز هذا المنحى، لتسيير شؤون اللبنانيين أولاً، وللحد من التأثيرات السلبية للتطورات الجارية في محيطنا ثانياً. إن لبنان هو كل ما نملك، وتعريضه للمخاطر جريمة لن تغفرها لنا الأجيال مثلما هي جريمة الإستهانة بالمؤسسات والاستحقاقات الدستورية. إنني، من على هذا المنبر، أدعو مجدداً كل القوى الوطنية المخلصة للمسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لكي نعيد التوازن إلى مؤسساتنا الدستورية والإنتظام إلى حياتنا الديموقراطية».
وتابع: «في كل زاوية في هذا العالم حكاية نجاح، كتبها مواطن من هذا البلد تعلم في المدرسة الرسمية أو المدرسة الخاصة، في بيروت أو طرابلس أو زحلة أو صيدا أو صور أو بعلبك أو مرجعيون أو البترون، أو غيرها من مدن هذا الوطن الصغير وقراه. نسمع هذه الحكايات ونفخر بأبطالها وهم كثر كثر، نثروا في الرحاب الفسيحة إبداعاً وتألقاً، وصنعوا إنجازات وثروات وحفروا أسماء كبيرة في كل ميدان. من حق هؤلاء الأبطال علينا أن نؤمن لأبنائهم وأحفادهم مدرسة وكتابا ومنهجا تفتح لهم أبواب العصر. هذا واجب علينا ودين في ذمتنا».
وختم: «إن جزءاً كبيراً من هذه المهمة النبيلة، أمانة في أيدي أصحاب العقول النيرة والخبرات الغزيرة والإرادات الوطنية الصادقة، من أمثال القيمين على هذا المؤتمر والمشاركين فيه، أتمنى لكم النجاح في أعمالكم وشكراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق