سياسة عربية

حلب… حصار لا يرحم بين نيران النظام والمعارضة

بعد نجاح عملياتها في إدلب، تسعى المعارضة وعلى رأسها «جبهة النصرة» إلى السيطرة على كامل مدينة حلب فتستهدف الأحياء التي تخضع لسيطرة النظام السوري. ويشعر السكان بأنهم متروكون لمصيرهم.

«هل أهملونا؟ هل نسي العالم تماما حلب؟» لا ينفك الحلبيون على وسائل التواصل الاجتماعي من التساؤل عن مصيرهم وطلب النجدة. كانت حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا وظلت طيلة عام في منأى عن النزاع. لكن منذ تموز (يوليو) 2012، صار الجزء الشرقي من المدينة خراباً بسبب المعارك والقصف.
وصارت اليوم المدينة في الخطوط الأمامية للحرب، فقسمت في الداخل إلى قسمين: الأحياء الشرقية التي سقطت في يد المعارضة والأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة النظام. وفي حين يتعرض شرق المدينة يومياً إلى قصف يشنه النظام السوري، وخصوصاً بالبراميل المتفجرة، فيبدو غارقاً في الخراب، لم يستهدف الجزء الغربي سوى قصف مدفعي متقطع.

حصار المسيحيين في السليمانية
لكن منذ العاشر من نيسان (ابريل) تشهد الأحياء الغربية، وخصوصاً حي السليمانية الذي تقطنه الأغلبية المسيحية، وابلاً من القذائف يطلقها المعارضون، وهي سابقة في هذه الجهة من المدينة. وتضررت الكاتدرائية المارونية وأسقفية الملكيين من جراء القصف. فأظهرت صور نشرت في الفترة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي مباني مدمرة في حي السليمانية حيث كانت الحياة قبل أسبوعين تجري مجراها العادي وحيث كان في وسع العائلات والأصدقاء الالتقاء خارج بيوتهم بالكاد دون خوف.
وفي 14 نيسان (ابريل)، أطلق أساقفة من الكاثوليك والأرثوذكس في حلب نداء حتى لا تستخدم مدينتهم كـ «مختبر أسلحة دمار» ونددوا بالحصار الذي حول أهلها إلى «أشباه بشر»، حسب ما قال الفاتيكان. فطلب المسؤولون في ندائهم التضامن الدولي «من عميق وجعنا، ندعو أصحاب الضمائر الحية، ليسمعونا: هل تريدون لنا أن نبقى، جرحى وأذلاء، أشباه بشر؟» وتابعوا «لم نر أو نسمع بمثل هذا الدمار من قبل!»

في حلب المعارضة تستعمل الاستراتيجية عينها التي يستعملها النظام
لماذا هذا التوقيت؟ فارتفاع وتيرة العمليات ضد غرب حلب لا يأتي في وقت بديهي بل بعيد سيطرة المعارضين على إدلب (غرب حلب). فيقول مارك بالانش، مدير مجموعة البحوث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط، لفرانس 24 «في خضم حماسة فوزهم في إدلب، يسعى المعارضون الآن إلى السيطرة على حلب… ويستعملون أسلحة متطورة جداً».
وإلى ذلك، فإن كانت حلب مقسمة شرقاً وغرباً فإن الوضع في ضواحيها أكثر تعقيداً. فالمعارضون وخصوصاً «جبهة النصرة»، يسيطرون على الشمال الغربي الواقع بالتحديد قرب طريق تمزين المعارشين، نحو تركيا. أما النظام فيسيطر على شرق الضواحي الواقعة خارج المدينة. وحضور معارضين في المنطقة القريبة من الأحياء الغربية الداخلية يفسر أيضاً الهجمات ضد السليمانية وكذلك تلك التي استهدفت مبنى الاستخبارات التابع لسلاح الجو في حي الزهراء غرب المدينة في 13 نيسان (ابريل).

النظام يستعمل الجوع سلاح حرب
ويعتمد النظام السوري منذ بداية النزاع الاستراتيجية عينها في كل مكان: يقصف مناطق المعارضين ليدفع المدنيين للهروب، ثم يحاصرها دون التردد في استخدام الجوع كسلاح حرب وهو ما حصل في شرق حلب. وفي المدينة التي قسمت جزأين، تبين أن المعارضين اعتمدوا إستراتيجية النظام. فيقول بالانش «القذائف تدفع سكان الأحياء الموالية للنظام إلى الهرب، ومنذ سنة يقطعون الماء عن الأحياء الغربية للمدينة لأن محطة توزيع المياه توجد بالشمال الشرقي في منطقة تابعة للمعارضين».
وشهدت الأحياء الغربية للمدينة مرات عدة انقطاع الماء لايام عدة متتالية، وكذلك الأمر بالنسبة الى الكهرباء.
ولم يكن رجال الدين وحدهم من أطلقوا نداء المساعدة. فمنذ أشهر عدة ارتفعت أصوات بعض سكان المدينة، من الطرفين، لتبليغ رسائل مواطنيهم. ففي الأحياء الغربية، بادرت «ساندرا أغوبيان» التي يتابعها على فايسبوك نحو 6 آلاف شخص، بتولي هذه المهمة. فتخاطب ساندرا السلطات السورية وتؤكد أن أهالي هذه الأحياء التي صمدت طويلاً أمام القذائف، وأمام الحرمان من الماء والكهرباء والخبز، تشعر اليوم بأنها مهملة. فتشير ساندرا إلى الصعوبات التي تم تجاوزها وإلى إغراءات الغربة وإلى موت الأقارب، حتى يصل بها السؤال إلى «ماذا يفعل الجيش؟ أهكذا يكافىء النظام من يسانده ويرفض مغادرة البلاد؟».

هل تخلى النظام عن رئته الاقتصادية السابقة؟
تسري منذ أشهر شائعة في حلب مفادها أن النظام تخلى عن المدينة وتستند على الهجمات التي تشن ضد المنطقة الخاضعة لسيطرته. فيقول بالانش «أكيد أن الحلبيين في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري يشعرون بأنهم متروكون تماماً».
ويضيف «العديد كانوا يفكرون أن الجيش سيتمكن من استعادة شرق المدينة بسرعة على غرار ما حصل في حمص».(لقبت حمص بعاصمة الثورة واستعاد النظام السيطرة عليها في ايار/مايو 2014).
لكن الوضع في حلب مختلف. فقربها من الحدود التركية، والحضور القوي للمقاتلين المعارضين في الريف المجاور وخصوصاً «جبهة النصرة» التي نجحت في ضم العديد من المجموعات الأخرى إليها، يجعل من الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً. ويؤكد بالانش «منذ سنتين سجل النظام تقدما حول المدينة، أما الآن فلم يعد قادراً على ذلك». ويلفت الباحث إلى أن «النظام في حاجة إلى انتصارات ليطمئن معسكره. لكن منذ شباط (فبراير) لا توجد سوى هزائم في مختلف أنحاء البلاد». ويعيش الجيش السوري إنهاكاً ويفتقر إلى جنود جدد، ففشل في شباط (فبراير) في قطع طريق التموين التي تربط بين حلب وتركيا في وجه المعارضين.
ومع ذلك، لا يعني هذا فعلاً أن دمشق تركت كبرى مدن الشمال لمصيرها. ويوضح بالانش «حلب رمزياً مهمة جداً للنظام، فلن يتركها دون أن يقاتل. وهي أيضاً مهمة بالنسبة إلى حلفائه: فإذا سقط كل شمال سوريا بين أيدي المعارضة (الرقة وإدلب تحت سيطرتها)، سيصعب على إيران تبرير دعمها للأسد إذ سيبدو ضعيفاً في أعين المجتمع الدولي».
وتبدو بذلك النوايا واضحة من الجهتين: المعارضون في موقع قوة ويريدون أن يواصلوا خطتهم والسيطرة على حلب. أما النظام فلن يستسلم. وسيحسم الأمر لصالح من امتلك وسائل في حجم طموحه. لكن المؤكد هو أن مصير حلب سيرسم مستقبل سوريا المعلق على الشمال. فإذا أفلتت من سيطرة النظام، سيستوجب ذلك إعادة النظر بكامل خريطة الدولة.

فرانس 24

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق