سياسة لبنانية

هل يخوض عون معركة قيادة الجيش حتى النهاية؟!

وضع العماد ميشال عون معركة رئاسة الجمهورية جانباً لعلمه أنها وصلت الى طريق مسدود، وأن الوضع الإقليمي الذي يحكمها فتح على مزيد من الانتظار والترقب، وفي ظل ظروف أسوأ من قبل وتحديداً على صعيد العلاقات السعودية – الإيرانية… وتحوّل عون الى فتح معركة ثانية هي «معركة قيادة الجيش» والمقصود بها تعيين قائد جديد للجيش يخلف العماد جان قهوجي الذي تنتهي ولايته في أيلول (سبتمبر) المقبل وهي الولاية الممددة منذ سنتين بموجب قرار تأجيل تسريح صادر عن وزير الدفاع. والآن يرفض عون تمديداً ثانياً لـ «قهوجي» ويرى أن الحكومة قادرة على تعيين قائد جديد للجيش طالما أنها حكومة كاملة الصلاحيات وأثبتت أنها قادرة على التعيين في مراكز حساسة مثل الأمانة العامة لمجلس الوزراء ورئاسة لجنة الرقابة على المصارف إذا توافر القرار السياسي بالتعيين عن طريق التوافق…
يخوض العماد عون معركة تغيير قيادة الجيش من منطلقين وخلفيتين:
– الأولى «عسكرية مؤسساتية»، بمعنى الحرص على نظام المؤسسة العسكرية وقواعد التراتبية وتداول المسؤوليات القيادية وضخ دم جديد وعدم إقفال الأفق أمام ضباط كفوئين وعدم التسبب في إحباطهم إذا ما وضعت المؤسسة العسكرية في حال جمود واستنقاع.
– الثانية «سياسية خاصة»، بمعنى أن لهذه المعركة أبعادها وحساباتها السياسية الخاصة لدى العماد عون الذي من جهة يريد تصفية حساب متراكم مع العماد قهوجي، ومن جهة أخرى يريد إيصال العميد شامل روكز الى قيادة الجيش قبل أن يخرج الى التقاعد ومن «اللعبة». وما يفضله عون هو أن يكمل العميد روكز في المجال العسكري بدل أن ينتقل الى المجال السياسي ويتعاطى في شؤون التيار الوطني الحر وتنشأ ازدواجية مرجعية وقاعدتا استقطاب بين الوزير جبران باسيل الذي وطد على مر الأيام سلطته ونفوذه في التيار، والعميد روكز الذي له حيثية وشعبية في تيار سياسي ولد أساساً من رحم المؤسسة العسكرية ونواته الأساسية هي المجتمع المدني الدائر في فلك المؤسسة العسكرية.
يتعاطى العماد عون مع موضوع قيادة الجيش بكل جدية و«حزم»، ويوحي أنه ليس في صدد التراجع أو التهاون في هذا الموضوع مثلما أنه ليس في وارد التراجع في موضوع رئاسة الجمهورية والانسحاب أو سحب ترشيحه المضمر… كما يوحي عون أنه ذاهب في معركته هذه حتى النهاية وجاهز لكل ما تتطلبه من مواقف وقرارات.
ومن خلال هذا الموقف النهائي يوجه عون رسائله الى الحلفاء والخصوم في آن، الى الحليف الأول حزب الله لإشعاره أن التمديد الثاني للعماد قهوجي إذا حصل سيكون له أثر سلبي على العلاقة والثقة… والى الخصم الأول تيار المستقبل لإشعاره أن علاقة التعاون والتبادل تحت سقف الحكومة باتت تتوقف على طريقة التعاطي مع ملف القيادات الأمنية والعسكرية. فإذا صح أن التيار الوطني الحر وتيار المستقبل اتفقا على تجاوز الملف الرئاسي ووضعه جانباً، فإن ملف قيادة الجيش سيكون من الصعب تجاوزه ووضعه جانباً…
وأما الرسالة المشتركة الى جميع من هم في الحكومة والى من يهمه الأمر فهي أن وزراء تكتل الإصلاح والتغيير جاهزون لمقاطعة الحكومة وتعليق مشاركتهم في جلساتها وحتى الاستقالة والخروج منها إذا لزم الأمر، وبما يعني أن قيادة الجيش هي أهم من الحكومة بالنسبة الى العماد عون وتكاد أن تكون معركة نجاح أو فشل، حياة أو موت…
الخريطة السياسية في موضوع قيادة الجيش تتضح يوماً بعد يوم: تيار المستقبل بدأت تصدر عنه إشارات واضحة تفيد أنه مع التمديد لكل القيادات العسكرية بدءاً من مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص (وزير الداخلية نهاد المشنوق جاهز لتوقيع قرار التمديد للواء بصبوص ما يفتح الطريق أمام وزير الدفاع سمير مقبل لتوقيع قرار التمديد لقهوجي)… أما القوات اللبنانية فإنها أعلنت صراحة تأييدها خيار التمديد لقائد الجيش… وفي حين يبقي جنبلاط موقفه في دائرة «الغموض البناء»، فإن حلفاء عون (حزب الله وبري وفرنجية والطاشناق) موقفهم واحد وفحواه: «نحن مع تعيين قائد جديد للجيش ولكن إذا تعذر الاتفاق السياسي على ذلك فلا خيار إلا التمديد للعماد قهوجي… بين التعيين والتمديد نحن مع التعيين وبين التمديد والفراغ نحن مع التمديد»… هذا الموقف في ظاهره يشكل مراعاة لموقف ومشاعر عون ولكنه في عمقه وعملياً يعني الجنوح الى خيار التمديد وعدم الاستعداد لممارسة أي ضغوط فعلية في اتجاه التعيين… كما أنه يضع الكرة، كرة التعيين والمسؤولية، عند عون، بمعنى أن عليه تقع مسؤولية تأمين التوافق على قائد جديد للجيش، وهذا أمر بالغ الصعوبة في مجلس وزراء الإجماع هو قاعدة التوافق فيه ووزراء الرئيس ميشال سليمان لوحدهم قادرون على إجهاض أي اتفاق حول قيادة الجيش، مع العلم أن بين عون وسليمان حساب مفتوح…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق