سياسة لبنانية

الحكومة وسط «مطبّات إقليمية»: اهتزازات قوية… هل تقع؟!

الحكومة باقية ولكن على إيقاع اهتزازات قوية تهزها من دون أن تسقطها… هي باقية بقوة الأمر الواقع ولأن من المستحيل تشكيل حكومة جديدة طالما الفراغ الرئاسي قائم… وأما الاهتزازات فمتعددة المصادر والأشكال. وبعد اهتزاز بسيط سببه تصعيد تيار المستقبل (من خطاب البيال للرئيس سعد الحريري، مروراً ببيان البيال لقوى 14 آذار الذي أشرف عليه وتلاه الرئيس فؤاد السنيورة، وصولاً الى شهادة السنيورة أمام المحكمة الدولية…)، كانت الأنظار تتجه الى مشكلة جديدة في الحكومة سببها موقف العماد ميشال عون الرافض للتمديد للعسكريين، دافعاً باتجاه تعيين قائد جديد للجيش… ولكن التهديد جاء من مكان آخر و«عاصفة الحزم» التي خلطت أوراق المنطقة وأولوياتها وصل «عصفها» الى لبنان ولفحت حكومة سلام، ولكن القطوع يمر بأقل قدر ممكن من الخسائر والأضرار.
خرج لبنان من القمة من دون أن تنفجر في وجهه تداعيات أحداث اليمن والاشتباك السعودي – الإيراني فيها، ومن ثم المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ناهيك بأكثر من وجهة نظر داخل الحكومة اللبنانية حيال الأحداث تلك. انضم رئيس الحكومة الى الإجماع العربي في وقوفه الى
جانب الشرعيات العربية تبعاً لمفهوم الإجماع عليها، دونما تخليه عن الإصرار على الحل السياسي.
وفي حين أكدت مصادر مقربة من حزب الله أن «أحداً ليس في وارد تفجير الحكومة إلا أن بيان الوزير حسين الحاج حسن كان بمثابة تسجيل موقف ولفت نظر لرئيس الحكومة الى أن سياسة لبنان الخارجية لا تقرر بهذه الطريقة بل ينبغي أن تبحث أولاً على طاولة مجلس الوزراء»، وضعت أوساط وزارية الأمر في سياق ربط النزاع وحفظ ماء الوجه، وقالت إن حدوده لن تتجاوز تردد أصداء مواقف لبنان الرسمي في القمة العربية داخل الحكومة، والاكتفاء بالاعتراض الشكلي، واستبعدت الدخول في أزمة حكومية خصوصاً أن الحزب كان شدد على استمرار الحوار.
وهناك من يربط مصير الحكومة بمصير الحوار، متوقعاً أن الحوارات قد تتجه الى تصدع جزئي ولاحقاً ربما الى انهيارات، مع أن الرئيس بري سيبقى يعمل على منع هذا الانهيار الحواري.
وبمعزل عن الاتجاه الذي سيسلكه حوار عين التينة، فإن الأكيد هو أن الحوار، حوار تنظيم الخلاف ومنع الانفجار، أثبت حتى الآن قدرته الفائقة على امتصاص كل الصدمات، لينضم الى لائحة الغرائب والمفارقات اللبنانية بأن يثبت ويصمد برغم أن ما يجمع أطرافه حتى الآن هو قليل قياساً الى الكثير الذي يفرقهم، من اليمن الذي اقتحم بقوة الساحة الداخلية، مروراً بسوريا والعراق والبحرين والعلاقة مع السعودية وإيران، وصولاً الى مجريات المحكمة الدولية و «انتفاضات» الرئيس فؤاد السنيورة واتهامات الوزير أشرف ريفي المتعلقة بمسائل مالية، والموقف من ملف رئاسة الجمهورية وترشيح العماد ميشال عون.
«الحكومة تهتز ولا تقع»، هذه هي المقولة السياسية الشائعة هذه الأيام والتي تعكس اطمئناناً الى وضع الحكومة واستمرارها استناداً الى قرار إقليمي دولي يحفظ استقرار لبنان وتحييده عن أزمات المنطقة، واستناداً الى حاجة ومصلحة الأطراف الحكومية في أن تستمر… ولكن هذا الاطمئنان ليس في محله أو بتعبير أدق، لا يصمد لفترة طويلة لأن الحكومة تهتز وقد تقع وقد باتت في وضع دقيق للغاية واستمرارها غير مضمون إذا ظلت السياسات والأوضاع في منحاها الراهن. إن حكومة الرئيس تمام سلام التي تعد في وضع تصريف الأعمال من الناحية العملية، بمعنى أنها لا تخوض في القرارات والملفات الكبيرة الخلافية وتكتفي بمهمة تسيير شؤون الدولة والناس، يمكن أن تتحول سياسياً ودستورياً الى وضعية تصريف الأعمال في لحظة وصول الصراع الإقليمي الى نقطة الذروة التي ستكون أيضاً لحظة انتقال لبنان الى مرحلة جديدة…
عوامل الضبط للوضع الحكومي تضعف وعوامل التوتير والتفجير لهذا الوضع تزداد. وإذا كان أوان سقوط الحكومة لم يحن بعد، فإن احتمالات تعطيلها وشل قدراتها وتقييد رئيسها بدأت بالظهور والتحرك على إيقاع مسألتين تتوافر فيهما السخونة والضغوط:
1– المسألة الأولى تتعلق بتداعيات حرب اليمن على لبنان وحكومته. فرغم المسافة الجغرافية البعيدة الفاصلة بدا لبنان الأقرب والأسرع بين الدول العربية الى تلقي ارتدادات هذه الحرب وكأنه طرف مباشر فيها وبدا الساحة الأكثر تفاعلاً مع الصراع الإيراني – السعودي المحتدم حول اليمن والأكثر تظهيراً له. فقد تسببت الحرب بإعادة إحياء الانقسام السياسي وإشعال التوتر السني – الشيعي الى حد اطاحة أولى مكتسبات وأهداف الحوار وهو «تنفيس الاحتقان»، ووصل الانقسام والتوتر الى داخل الحكومة حيث يبادر حزب الله اليوم الى فتح ملف الموقف اللبناني الرسمي من «عاصفة الحزم»، هذا الموقف الذي عبّر عنه الرئيس تمام سلام في قمة شرم الشيخ ولا يوافق عليه حزب الله ويرى فيه تعبيراً عن موقف فريق لبناني.
حزب الله سيبادر في جلسة مجلس الوزراء الى تسجيل موقف «حازم» وهز العصا في وجه رئيس الحكومة، ولن يذهب الى أكثر من ذلك مكتفياً بتوجيه ما يمكن اعتباره «الإنذار الأول». ليس في خطط الحزب ولا من مصلحته تفجير الحكومة في الوقت الحاضر كما  أنه في هذه «الجولة» بالتحديد موقفه ليس قوياً وفريقه ليس متماسكاً من حوله كما يجب. فالرئيس نبيه بري ساكت على مضض وسكوته كافٍ لتبيان تمايزه وأنه لا يقبل أن يُحشر في زاوية الاختيار بين إيران والسعودية… والعماد عون يتفادى مشكلة جديدة مع السعودية وتكتله لم يأتِ على ذكر كلمة سلام في قمة شرم الشيخ لا سلباً ولا إيجاباً واكتفى بتأييد كلمة وزير الخارجية جبران باسيل هناك… وهذا الانكفاء في موضوع اليمن من جهة بري وعون يساهم في اختلال ميزان القوى السياسي داخل الحكومة في غير مصلحة حزب الله، خصوصاً مع ابتعاد جنبلاط كلياً عن فريق 8 آذار وحتى خروجه من موقعه الوسطي بانحيازه الى تيار المستقبل والسعودية.
2- المسألة الثانية لا علاقة لها أبداً بالأولى وتختلف عنها في طبيعتها المحلية الصرف، وهي المتعلقة بموضوع قيادة الجيش وحيث يرفض عون التمديد مرة ثانية لقائد الجيش العماد جان قهوجي وأن يحصل هذا التمديد من خارج مجلس الوزراء. فإذا كان حزب الله يعتبر «حرب اليمن» أساسية ومفصلية، فإن عون يعتبر معركة قيادة الجيش أساسية ومصيرية بالنسبة اليه الى حد أنه يهدد بالانسحاب من الحكومة التائهة في بحر هائج، إذا لم يكن له ما يريده. ومثلما وقف عون في وجه التمديد للرئيس سليمان فإنه يقف بقوة في وجه التمديد للعماد قهوجي ويعتبره من بقايا عهد سليمان وأنه جاء معه ويذهب معه، ولكن الفارق الأساسي هنا أنه في موضوع الرئاسة وبين «التمديد والفراغ» تم تفضيل الخيار الثاني بينما في موضوع قيادة الجيش فإن الخيار الأول هو الأقوى… وإذا كان لا أحد شعر بوطأة الفراغ الرئاسي وانتابه الذعر عند وقوعه، فإن الكل متهيّب للفراغ العسكري في هذا الظرف. وأما تعيين قائد جديد للجيش فإنه ليس سهلاً ولا متيسراً، ولو كان الأمر كذلك لكان بالإمكان الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق