متفرقات

سنغافورة… «المدينة الفاضلة»

تصوّر مدينة كبيرة تسير فيها حركة المرور بسرعة على طرقها الواسعة الخضراء، حيث الطرقات تتألق بنظافتها، وأعمال الترميم على أشدها، مثلما هي أعمال الصرف الصحي الضرورية أيضاً، وحيث تتعايش أربع عرقيات رئيسية (صينية، وماليزية، وهندية، وأوربية-آسيوية) في وئامٍ وتسامح.


إنها سنغافورة التي يعيش سكانها ضمن مجتمع كبير من الأجانب، ويربّون أطفالهم بدون خوف من الجرائم، أو أي تصرف غير مهذب أو فظّ. تعد جميع المتنزهات والمتاحف والمواقع الفنية والمعالم المعمارية في هذا البلد ذات مستويات عالمية.
هناك سبب – بل مجموعة من الأسباب في الحقيقة – وراء ظهور سنغافورة في مرتبة متقدمة من بين أكثر الأماكن المفضلة للعيش والعمل عند إجراء استطلاعات الرأي.
يقول ريتشارد مارتن، الذي يصف نفسه بأنه من قدامى العاملين الوافدين في هذا البلد «كل ما تعنيه سنغافورة هو الراحة». ويضيف مارتن، الذي يعمل في شركة «انترناشنال ماركت أسّسمنت»، «موقعها رائع يسمح بتغطية قارة آسيا».

أغلى مدينة في العالم لعام 2015

لكن هناك على الدوام جانب سلبي لكل مدينة فاضلة. فتكاليف المعيشة في سنغافورة تتزايد بشكل جنوني، وخصوصاً عند مقارنتها بالدول المجاورة، مثل أندونيسيا، وماليزيا، إذ تعد سنغافورة أغلى مدينة في العالم لعام 2015، استناداً إلى آخر البيانات الصادرة عن «وحدة المعلومات» بمؤسسة الإيكونومست.
ومؤخراً، ظهرت بعض بوادر لمشاعر الاستياء ضد الأجانب. ومن بين السكان البالغ عددهم 5.6 مليون نسمة، هناك 1.32 مليون شخص من العاملين الأجانب، بحسب إحصائيات لحكومة سنغافورة عام 2014.
لكن التقديرات الأخيرة لموقع  “expatarrivals” على الانترنت، وعدد آخر من المواقع، تشير إلى أن عدد العمالة الوافدة في البلاد يقرب من 600 ألف شخص – في إشارة إلى العاملين في المجالين المهني والإداري. وهؤلاء هم الأكثر مهارة ويكسبون أكثر من غيرهم، وغالباً ما يعيشون هناك بتأشيرات دخول للتوظيف.
وبحسب قانون أقر مؤخراً في البلاد، يتوجب على أرباب العمل أن يبحثوا عن عاملين محليين لفترة أسبوعين قبل أن يعرضوا الوظائف الشاغرة على عاملين أجانب، على الا يزيد المرتب الشهري عن 8،700 دولار أميركي.

سنغافورة نقطة جذب للمواهب الأجنبية


مع ذلك، تبقى سنغافورة نقطة جذب للمواهب الأجنبية، وخصوصاً في مجالات التسويق، والموارد المالية، وتكنولوجيا المعلومات. أما مجالات مثل الاتصالات، والشحن، والهندسة، والدعاية، فلا تزال جميعها بحاجة إلى اختصاصات في المراكز العليا.
تنتشر أسماء الشركات الكبرى في المدينة، بما في ذلك شركة مايكروسوفت، و«أميركان إكسبريس»، و«بين آند كو»، و«كابيتال لاند»، و«بنك دي. بي. إس»، وغيرها من الشركات.
وفي الوسط الإعلامي، تعد سنغافورة مركزاً في منطقة جنوب شرقي آسيا لكل اسم شهير في مجال البث العالمي، مثل «بي بي سي»، و«إي إس بي إن»، و قناة «ديسكفري».
لكن سنغافورة أقل شهرةً في ما يتعلق بكونها مركزاً ضخماً لمعامل تكرير النفط وشركات النفط، مثل «شيل إيسترن تريدينغ». بالإضافة إلى ذلك، استثمرت المدينة في تطوير أحياء بكاملها مثل «بايوبولس«، و«فيوزينوبولس».
كما استثمرت في «معهد أبحاث العلوم الطبيعية”» الذي يدعم البحث والتطوير العلمي والصناعي، مع التركيز بشكل خاص على مجالات الطب الحيوي، والإلكترونيات الدقيقة، والهندسة الكيميائية.

رواتب عالية
أما الأخبار السارة فهي أن الرواتب عالية بشكل عام في هذا البلد. وبحسب الاستطلاع الاستكشافي للعاملين الوافدين، الذي أجراه بنك «إتش.إس.بي.سي.» في عام 2014، فإن 45 في المئة منهم أو نصفهم تقريباً، يتقاضون رواتب سنوية تزيد عن ربع مليون دولار سنغافوري ( أي ما يعادل 183 ألف و295 دولار أميركي).
وفي هذا الاستطلاع، ذكر 62 في المئة منهم أن دخلهم القابل للصرف هو أعلى مما كانوا سيتقاضونه لو عملوا في أوطانهم.
يقول «روبيرتو فيرساتشي»، المولود في إيطاليا والذي يعمل مديراً للشؤون المالية «السكن، والمشروبات الكحولية، والسيارات، وكل شيء آخر مستورد يرتفع سعره باضطراد. كلما زرتُ نيويورك أو لندن، يبدو الأمر لي أنها (سنغافورة) أرخص بشكل لا يقبل النقاش. وأعرف الكثير من الأوروبيين الذين يعودون مرة أخرى».

حيث غلاء الاسعار…


اما الارتفاع الاكبر في الأسعار التي يشعر أغلب العاملين الوافدين بوطأتها، فنراه تحديداً في مجالات مثل السكن، والمدارس ذات السمعة العالمية، والرعاية الطبية، والكماليات الأخرى مثل النبيذ الفاخر.
والرسوم الجمركية عالية أيضاً على السيارات المستوردة في عموم آسيا، لكنها مرتفعة في سنغافورة بدرجة مختلفة تماماً. وبجانب الأسعار المرتفعة للسيارات، هناك ضرائب مرتفعة أيضاً على الطرق، وكذلك أجور الصيانة، وأسعار البنزين ورسوم مواقف السيارات، وجميعها تثبط عزم من يفكر في شراء سيارة.
فعلى سبيل المثال، تكلف سيارة صالون من طراز «بي.إم.دبليو. 320i” نحو 223 ألف و800 دولار سنغافوري (162 ألف و220 دولاراً أميركياً)، في حين قد تصل تكاليف «شهادة الملكية» (التي تتيح لأي شخص امتلاك سيارة) إلى 43 ألف و500 دولار أميركي لمدة عشر سنوات.
ويمكن تأجير شقة فاخرة بغرفتي نوم في مركز المدينة بمبلغ 10 آلاف دولار سنغافوري (7،300 دولار أميركي) شهرياً، علماً بأن هناك بدائل متعددة أكثر اعتدالاً.
ولتلبية جميع هذه الاحتياجات، فإن أفضل نصيحة هي إجراء مساومة صعبة مع رب العمل للحصول على أفضل جملة من المساعدات الإضافية. ومن الملاحظ أن العديد من الشركات في سنغافورة تفضل إضافة أموال نقدية كحوافز بدلاً من الرسوم الدراسية للأطفال أو غيرها من الأمور.
لكن «فيرساتشي»، وهو على وشك أن يكمل خمس سنوات في سنغافورة، ينبِّهنا «الحوافز التي تشتمل على بدل السكن أصبحت أقل، كماً ونوعاً. إنهم يهتمون فقط بأولئك الذين سيشغلون مراكز وظيفية مرموقة».

امن واستقرار
يتحدث السكان باللغة الانكليزية على نطاق واسع. وما دمت تملك رخصة التوظيف، وكانت تُدعى سابقاً تأشيرة عمل، فإن جميع الضروريات والأساسيات، مثل فتح حساب في بنك محلي، وبطاقات الائتمان، وخدمات الإنترنت، ستوفر لك بسرعة.
تُعدّ المدينة آمنة بشكل استثنائي، وبكل المقاييس. ولا داعي لأن يساورك القلق من شرب ماء الصنبور، أو أن تدع الأطفال الأكبر سناً يلعبون خارج المنزل، أو أن يتجولوا في شوارع المدينة بمفردهم.
يقول مارتن «الانتقال للعيش هنا، وتأجير سكن، والحصول على تأشيرة عمل هي أمور أسهل إذا ما قورنت بأيٍّ من المدن العديدة الأخرى في آسيا التي عشت فيها. زيادة على ذلك، هناك جمع غفير من العمالة الوافدة من بقاع الأرض كافة. يمكن إقامة علاقات الصداقة بسرعة. وتوجد نوادٍ وجمعيات رائعة. ويعد ركوب الدراجات أمراً شائعاً».

الملاذ الآمن من الضرائب


تعود قوة جاذبية سنغافورة جزئياً لكونها أشبه بالملاذ الآمن من الضرائب. وفي جميع الأحوال فإنها معقولة. فلن تدفع أية ضريبة إذا ما قضيت أقل من 183 يوماً خلال العام في البلاد. وإلا، فإن النسب تصاعدية وقد تصل حتى 20 في المئة كحد أعلى.
يقول «فيرساتشي»، «بالطبع، هذا ما تحصل عليه مقابل بعض الجوانب السلبية الأخرى. فالتكاليف باهظة، لكن الضرائب أقل بكثير مما في الدول الغربية».

الحصول على تأشيرة
في محاولة منها لتعزيز اقتصادها، كان التقليد المتّبع في سنغافورة هو ترحيبها بالمواهب الأجنبية. عوضاً عن مجرد منح «تأشيرة عمل»، جرى انتهاج نظام مبسط للتأشيرات المرنة بحيث تُصنّف إلى مستويات متدرجة من التوظيف. فحتى «الفنانين» لهم تصنيفهم الخاص في قسم التأشيرات.
إن معظم الذين يشغلون مراكز محترفة ومهنية، مثل العاملين في البنوك والمدراء، يحصلون على «رخصة توظيف». إلا أن هذه الرخصة تتطلب مرتباً أساسياً من 3300 دولار سنغافوري (2400 دولار أميركي) كحد أدنى شهرياً.

لا تغير في الفصول


في الوقت الذي توجد فيه محاسن عديدة للعيش في سنغافورة – مثل الآمان، والكفاءة، والطعام الشهي، والمدارس، والرعاية الطبية من الدرجة الأولى- إلا أن هناك بعض المساوىء.
يمكن التخفيف جزئياً من آثار العيش بالقرب من خط الاستواء عن طريق التيارات الهوائية الناتجة من الأبنية المعمارية «الذكية»، ووحدات التكييف المركزي.
لكن لا تأتِ للعيش هنا إن كنت تحب تغير الفصول، والنسمات الباردة، والتزحلق على الجليد. إذ يبقى معدل درجات الحرارة فوق 30 درجة مئوية بقليل (وهو جو أكثر حرارة أثناء النهار)، مما يعني عدم وجود تغير حقيقي في فصول السنة.
أما الرطوبة فهي أيضاً ثابتة تقريباً عند 80 في المئة. وتشهد أشهُر تشرين الثاني (نوفمبر) إلى كانون الثاني (يناير)، أكثر الأمطار غزارة، علماً بأن المطر الغزير غالباً ما يهطل في شكل نوبات قصيرة خلال السنة.
كما يمكن للعيش وسط مجتمع استهلاكي أبدي أن يكون مضنياً. للمدينة مراكز تسوق كثيرة. صحيح انها مثيرة للإعجاب، إلا أنها تكتظ بالمتسوقين في أيام التخفيضات الخاصة، أو عند بيع ما هو جديد من حقائب “فيتون” أو هواتف “آيفون” النقالة.
«عند أطرافها، تزداد سنغافورة الحقيقية قوة وثباتاً»، كما يلاحظ «فيرساتشي»، مضيفاً: «لكن مركز المدينة أكثر عالميةً، مع الأسماء التجارية عينها التي تجدها في أي مكان آخر في العالم. ومع أن الأسعار تواصل ارتفاعها، فإن الخدمات ليست دوماً بمستويات عالمية لتتناسب معها».

بي بي سي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق