سياسة لبنانية

مطبات تواجه الحوار بين المستقبل وحزب الله

علم من مصادر مواكبة للحوار أن وفد المستقبل طرح في حوار عين التينة، إضافة الى ما يطلبه من توضيحات سياسية وضمانات أمنية، ضرورة خروج الحوار بخطوات عملية تؤدي الى انفراجات وتحسينات وتقدم ملموس في الوضع على الأرض، وتحديداً لجهة وضع خطة أمنية للعاصمة بيروت تذهب الى أكثر من إزالة الشعارات واليافطات والصور الحزبية، ووضع خطة البقاع الشمالي موضع التنفيذ الفعلي وعلى قاعدة الفصل بين الوضع الأمني داخل البقاع والوضع الأمني على الحدود، وهو ما يعبّر عنه إيجازاً عدم  الربط بين عرسال وبريتال.
وتضيف هذه المصادر أن حزب الله متفهم ومستعد لسماع شكوى المستقبل وملاحظاته، ولكن في حدود الاستفسار والتوضيح ومن دون تحويل هذه المسائل الى مادة حوار للتفاهم عليها أو لتكريس الخلاف بشأنها. كما أن حزب الله ليس في وارد تقديم شيء في الأمور الأساسية والجوهرية أو إعطاء مؤشرات ضعف وتراجع لا وجود لهما على أرض الواقع، وجل ما يمكن أن يعطيه أو يقدمه هو ما يريح الأجواء والنفوس وما يصب في عملية بناء الثقة وتأكيد حسن النوايا والاستعدادات، بدءا من خطة «تنظيف بيروت» بالمعنى السياسي للكلمة، وصولاً الى خطة «تثبيت الأمن وسلطة الدولة في البقاع».
وتعتبر مصادر في 14 آذار أن الموقف الأخير للرئيس فؤاد السنيورة اعتبر بمثابة تظهير لموقفه المتحفظ على الحوار غير المتكافىء لأنه يصب في مصلحة حزب الله ولا يقدم لتيار المستقبل شيئاً… فكان أن وجد السنيورة في التطورات العسكرية (عملية شبعا) والسياسية (موقف نصرالله) والأمنية (إطلاق النار في بيروت) سبباً كافياً وفرصة سانحة لإشهار معارضته للحوار وللضغط في اتجاه وقفه أو على الأقل في اتجاه تحوير مساره ومنهجيته وتعديل «قواعد الحوار بعد توجه حزب الله الى تعديل قواعد الاشتباك في المنطقة وتجاوزه ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» الى ثلاثيتين جديدتين: الأولى ثلاثية الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري على الحدود اللبنانية – السورية، والثانية ثلاثية سوريا وإيران ولبنان على جبهة الحدود مع إسرائيل بعدما أصبحت الجبهة واحدة موحدة من الناقورة الى القنيطرة».
ويرى متابعون للحوار أنه اهتز فعلاً من دون أن يقع، وأن استمراره ضرورة وحاجة للطرفين ولكن الأمر يتطلب وضع الحوار في «العناية الفائقة» ودوراً إنقاذياً من جانب الرئيس بري «الراعي والإطفائي»… ويتطلب من جهة حزب الله تقديمات لـ «المستقبل» لتقوية موقع وحجة أنصار الحوار واحتواء «الصقور»… ويتطلب أيضاً عدم الوقوع في أخطاء مثل الخطأ الذي حصل بإطلاق النار في سماء بيروت…
والى جانب السجال السني – الشيعي (الذي يواكب الحوار ويوازيه) بعد حملات قيادات في المستقبل على حزب الله وصفها الرئيس نبيه بري بأنها «قنص سياسي»، ثمة سجال آخر يدور داخل تيار المستقبل. ومن الواضح أن هناك تفاوتاً في الآراء والتقديرات التي تتوزع في اتجاهين رئيسيين:
– الاتجاه الذي يعتبر أن الحوار مع حزب الله الذي انطلق منذ عام وأخذ شكلاً رسمياً ومباشراً منذ شهر حقق للمستقبل مكاسب ونتائج جيدة من الحكومة التي أعادت المستقبل الى السرايا مع وزارات أساسية، الى التعيينات الإدارية، الى طرابلس التي ألغيت فيها الحالة السورية في جبل محسن المتمثلة في علي ورفعت عيد، الى عرسال التي سحب منها فتيل الانفجار، الى قدرة التحكم والضبط للشارع ولأي حادث أمني طارىء… وإضافة الى ذلك، فإن الحوار المفيد لا بديل عنه حاليا، ولا ورقة يلعبها تيار المستقبل إلا هذه الورقة في هذه المرحلة الانتقالية الانتظارية…
– اتجاه آخر لديه تحفظات على الحوار الذي حُيّدت فيه القضايا الأساسية «الخلافية» وحصر في مسائل هامشية وجانبية. وهو ما أعطى انطباعاً بأن اهتمامات المستقبل هي البحث في نزع الشعارات الحزبية في حين أن اهتمامات حزب الله تبدأ باليمن والعراق وتنتهي في سوريا وقواعد الاشتباك مع إسرائيل. وهذا الحوار أعطى حزب الله ما يريده من غطاء ووضع مريح يتيح له التفرغ لدوره «الإقليمي» وتأمين ظهره وجبهته الداخلية، ولكنه لا يعطي المستقبل شيئاً يذكر، بما في ذلك في موضوع رئاسة الجمهورية التي هي مفتاح التسوية وحل الأزمات في الداخل… وفي وقت اضطر المستقبل الى خفض سقف طموحه من «بيروت مدينة منزوعة السلاح» الى بيروت مدينة منزوعة الصور والشعارات، فإن حزب الله ماضٍ في أحراز النقاط على جبهتي الإرهاب وإسرائيل…
أوساط قريبة من حزب الله تشرح كلام السيد حسن نصرالله عن إسقاط قواعد الاشتباك فتقول: ليس خافياً على أحد أن أسباب ذهاب حزب الله إلى ساحة القنيطرة، صارت موجبة له أكثر من أي وقت مضى بعد العملية الإسرائيلية الأخيرة، خصوصاً أن المقاومة كانت قد استشعرت من وراء تسهيلات الجيش الإسرائيلي العلنية لـ «جبهة النصرة» للإمساك بنحو 80 في المئة من مواقع الجيش السوري على طول خط الجبهة الأمامي، محاولة مكشوفة للالتفاف على المقاومة عبر المثلث السوري – الفلسطيني – اللبناني، ومن هنا، كان قرار تكليف مجموعة من الكادرات في المقاومة، وبينهم المجموعة التي سقطت في عملية القنيطرة، بالتحضير لعمل نوعي كبير من أجل كسر المنطقة العازلة التي يحاول «جيش لحد السوري» (أحد أذرع «القاعدة») تثبيتها ميدانياً.
وبعد فشل الدعم الإقليمي لقوى «المعارضة السورية»، تولت اسرائيل المهمة انطلاقاً من القنيطرة للسيطرة على جنوب دمشق وتطويق العاصمة ودخولها في وقت لاحق، ما يطيح كفة الإنجازات التي حققها محور المقاومة خلال السنوات الأربع من عمر المواجهة. فإسرائيل عندما استهدفت كوادر حزب الله والضابط الإيراني في القنيطرة أرادت حماية تدخلها هناك، بعد أن لمست تحولاً ميدانياً كبيراً بعد «لمسات» الحزب في تلك الجبهة، ما سمح بالحد من انفلاش مسلحي «النصرة» في تلك المنطقة، وكانت الرسالة واضحة، «لن نسمح بقصير جديدة تقلب موازين القوى هنا». لذا كان رد حزب الله في مزارع شبعا رسالة في الاتجاه المعاكس مفادها أن محاولة الإسرائيلي للفصل بين ما يحصل في سوريا وباقي الجبهات مجرد وهم، فإذا أرادت إسرائيل أن تلعب بالنار فهي لن تكون بمنأى عنها، والدخول في الحرب السورية بشكل مباشر لن يكون دون أثمان، والتدخل في الجبهة الجنوبية لترجيح كفة المعارضة المسلحة ستكون له ارتدادات سلبية، ومن هنا وسّع السيد نصرالله مفهوم الردع، وخصومه يعرفون أنه إذا نجح هذه المرة في لجم إسرائيل، فإن الورقة الأخيرة المرجحة لكفة المعارضة السورية تكون قد «احترقت».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق