آدب

نوال السعداوي:« أنا كاتبة في حالة فيضان دائم»

حضرت ندوة حول أدبها ووقّعت ثلاثة كتب جديدة في بيروت
نوال السعداوي… الكاتبة المصرية الجريئة والمثيرة للجدل، والغزيرة النتاج الأدبي في مختلف فروعه، جاءت الى بيروت، وحضرت الندوة التي نظّمتها “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر” وتناولت مسيرتها الأدبية والفكرية التي لم تكن سهلة، بل حافلة بالصعوبات والعراقيل… كما وقّعت على مؤلفاتها الجديدة الصادرة عن “شركة المطبوعات” في بيروت، وهي: رواية بعنوان “إنه الدم” التي تنطلق من “ميدان التحرير” في القاهرة، لتعود بأبطالها الى الوراء وتصوّر مشاهد حيّة من الحياة التي عاشوها… وتتوغل في مختلف فئات المجتمع المصري، وما أصابه من إهتراء وفساد على الصعد كافة … الى كتاب “نوال والثورات العربية”، وصولاً الى كتاب “نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الأنوثة والذكورة والدين” الذي يعالج الكثير من الموضوعات الساخنة التي ما زالت حتى يومنا هذا، نوعاً من التابو… بدأت نوال السعداوي حياتها في ميدان الطب الجراحي، مدافعة في كتاباتها عن الحرية والعدالة وحقوق المرأة. دخلت السجن في عهد أنور السادات وتعرضت للنفي… ترجمت أعمالها الى أكثر من 35 لغة. منحت شهادات فخرية متعددة من جامعات عالمية، وفازت بجوائز أدبية وعلمية عديدة.

استهلت الباحثة يسرى المقدم كلامها، بإعادة ما قالته نوال السعداوي في إحدى مقابلاتها الصحافية:« ان بئري الإبداعية عميقة، خصبة، وفي حالة فيضان دائم… مع كل كتاب أنجزه يخيّل إليّ إنه سيكون الأخير، لكن وسواس الكتابة يعاودني ويلحّ عليّ، فأشرع في الكتابة من جديد، والأرجح اني لن أكف عن وسواسي الإبداعي أبداً”.


كاتبة غاضبة
من هنا، رأت يسرى المقدم، ان حالة الفيضان تمخضت عن ثلاثة كتب جديدة تعاصر اللحظة الراهنة وتؤرخ فيها، بحثاّ وإبداعاً… مشيرة الى أن نوال السعداوي، الكاتبة الغاضبة، المتمردة والثائرة على كل السلطات بمختلف مجالاتها وشتى مستوياتها، لم تنل من عزيمتها كل محاولات الترهيب والتهديد، بدءاً من الإلغاء والشطب والمصادرة، وصولاً الى هدر الدم، بل كان لتلك المحاولات أن تأتي بنقيض المبتغى منها، وتشحنها بطاقة مضاعفة على التحدي والإختلاف.
واعتبرت الباحثة، أن نوال السعداوي، الكاتبة المنتمية الى قلب المعارضة منذ بداية وعيها الإبداعي، عصية على الرضوخ والإذعان، تظل على عهدها وميثاقها في التزام قضية المؤنث التي لن تنجح بمعزل عنها القضايا الوطنية العربية.

 

إنسانية وخطيرة
الشاعرة جومانة حداد اعتبرت ان نوال السعداوي كاتبة إنسانية خطيرة، نقطة على السطر. خطيرة بإمتياز، وإنسانية بإمتياز، لأنها كل إنسان لا كل امرأة فحسب، قيل له لا يستطيع واستطاع. كل إنسان حذروه من التجرؤ والتخطي لكنه تجرأ وتخطى. كل إنسان آمن بنفسه وقدراته وأحلامه على الرغم من محاولات احباطه وثنيه عن الذهاب قدماً في تلك الأحلام. كل إنسان ثار على ما يدوس كرامته وحقوقه البديهية، وتحرّر من نظرة الآخر وأحكامه.
إمراة ليست كالباقيات
ورأت، ان تلك الهوة التي حاولت ولا تزال تحاول اجتيازها نوال السعداوي، من أجلنا ومعنا، هي هوة قيودنا ومخاوفنا وشكوكنا جميعاً، نساء ورجالاً على السواء، هي هوة الحدود الإجتماعية والدينية والقبلية المفروضة علينا، والمحرمات المسلطة على أعناقنا، وسلطات القمع التي تمارس يومياً على عقولنا وأجسادنا وأفكارنا ورغباتنا، إن مباشرة أو بخبث. نوال السعداوي إمرأة وكاتبة ليست كالباقيات، تعتز بفرديتها ولا تريد أن تكون كأي شخص آخر… لا تريد، خصوصاً، أن تكون ملك أحد سوى نفسها، أي لا تريد أن تكون مسجونة في حظيرة وأن تكون جزءاً من قطيع، إمرأة حرّة متمردة وقحة متحدية مستقلة و “قدرية” وشجاعة. وهي صفات كانت استثنائية في بداياتها، أما أن تظل استثنائية الى اليوم، فهذا ما هو غير طبيعي في أقل تقدير.

 

المرأة عدوة نفسها
لفتت جومانة حداد، الى أن نوال السعداوي، بالرغم من تراكم كتاباتها، همومها وقضاياها، لم تتقدم في العمر، بالكاد اكتسبت تجعيدة او اثنتين، وكسا الشيب خصلات شعرها، لا يجدي النكران نفعاً، لنقلها عالياً و واضحاً: أن تكون المرأة إمرأة اليوم في بلد عربي لا يزال يعاني مسلسلاً متقطعاً من الإجحافات والتعتيمات والإستخفافات، ومن عمليات التهميش والإقصاء الممنهجة أو “ البريئة” التي قد يكون سببها الرجل أو المرأة نفسها، أو الإثنين معاً… الأفدح في كل ما سبق، أن الرجل ليس وحده المتواطىء ضد المرأة (أي ضد نفسه حكماً) بل هي غالباً المرأة عدوة نفسها الأشرس. فمتى تكف هذه المرأة في شرقنا عن استضعاف نفسها وتظهر أظفارها و “أنيابها” وتستولي على ما هو لها؟!

 

أهمية الشراكة
تعتقد جومانة حداد، ان نوال السعداوي نفسها، تعبت من أن يكون خطابها لا يزال راهناً وضرورياً بعد خمسين سنة من النضال، وأنها تتطلع الى اليوم الذي تستطيع أن تقول فيه:«هذا كلام ما عاد له لزوم”. في داخل نوال السعداوي، وفي داخل نساء كثيرات، شيء جبار وخطير اسمه الغضب، غضب ينمو مثلما تنمو الجبال، غضب مبرّر و ملحّ كي لا يبتلعنا وحش الإمحاء والتغييب والذوبان، غضب مبرّر و ملحّ طالما ثمة فتيات حتى اليوم، – على غرار إحدى طالبات جومانة حداد في الجامعة – يزعمن لدى تعليقهن على رواية “زينة” لنوال السعداوي، أن من “الطبيعي والمنطقي أن تكون النساء ملحقات بالرجال”… لا يمكن أن يطرأ تغيير إيجابي في ثقافاتنا ومجتمعاتنا ما لم يقتنع الرجل والمرأة بأهمية الشراكة والجهد المتبادل.

 

حقول متنوعة
في مستهل كلامها، قالت الكاتبة عايدة الجوهري، أن ثمة حبلاً سرّياً، غير مرئي، يشدّك الى الذي يدرّبك على بناء تمرّدك و وجدانك وربما خيالك على أسس معرفية، فمن حرية العقل والوجدان تتناسل سائر الحريات. علّ هذا الحبل السرّي هو فرح التمرّد الذي يزرعه فينا المتمردون في التاريخ البشري… مشيرة، الى انه في ستينيات القرن الماضي، جاءت نوال السعداوي بلغة جديدة، وكلام جديد، وموضوعات جديدة شائكة تدمي أصابع من يكتب فيها…
ولفتت عايدة الجوهري، الى أن هذا التنوع في الوحدة وهذه الغزارة الفكرية والانتاجية، حوّلا نوال السعداوي الى مرجعية متعدّدة الأبعاد، الى مؤسسة ثقافية. وفي حفريّاتها المعرفية اعتمدت مصادر ومناهج متنوّعة، استثمرت في العلوم: الطب، علم النفس، الإجتماع والإنتروبولوجيا… وعرّجت في مسارها على الفلسفة. ولتجسيد مشروعها الفكري والإبداعي، زاوجت بين الدراسات العلمية والأنواع الأدبية المختلفة، كتبت القصة القصيرة، والرواية، والمسرحية، والمذكرات، وأدب الرحلات، والمقالة، حتى ناهزت كتبها الخمسين.

 

قضايا واحدة
من هنا، رأت الكاتبة عايدة الجوهري، ان بهذه الخيارات خرجت نوال السعداوي عن منهج التوفيق بين الأفكار الموروثة والأفكار المعاصرة…
اضطلعت بما تجوز تسميته بالقطيعة المعرفية مع الموروث، وانحازت بكتاباتها لمبادىء الملاحظة والمشاهدة والتجريب والسببية، أي للواقع، وقاربت هذا الواقع على ضوء القيم التنويرية والإنسانوية… لكنها توجّست من النهج الذي يبالغ في التأكيد على مركزية الإنسان الفرد، فإختارت النهج السياسي الذي يخفف من غطرسة الفرد وغيّه لصالح الجماعة. لذلك، ناصرت الفقراء والمهمشين والمضطهدين، فتحولت الى “ثورة دائمة” سبقت “25 يناير” بعقود، بل بنصف قرن. وفي جميع الأحوال لم تعالج نوال السعداوي قضايا المرأة العربية كقضايا منفصلة عن قضايا الرجل، أو المجتمع بأكمله، فقضاياها تقع في صميم سؤال الديمقراطية، وسؤال التنمية، و سؤال العدالة الإجتماعية، وسؤال التناقضات.
وأكدت الكاتبة، على انتفاضة نوال السعداوي ضد الإستبداد السياسي، واعتقال الأفكار والطموحات والمشاعر، وضد الفساد على أنواعه، وضد قهر الفقراء… وكلّفها تمردها أثماناً باهظة، سجنت وهدّدت بالقتل، وضعها الاخوان المسلمون على لوائحهم السوداء، وقوطعت وحوصرت ثقافياً، وتواطأت على عقابها الأجهزة السياسية والدينية والثقافية، على حدّ سواء.

 

التفكير معاً
في سياق حديثها، تناولت عايدة الجوهري، كتابها المشترك مع نوال السعداوي، هو بعنوان: “نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الذكورة والأنوثة والدين والإبداع” معتبرة أن الغاية الأولى من الحوارات، هي التفكير معاً، والتساؤل معاً، في قضايا لا تزال قيد النقاش والأخذ والرد والحيرة… وان كان هناك اتفاق على توصيف المشكلات والإشكاليات في معظم الوقت، فهناك اختلاف على نوعية المقاربات والإفتراضات بعض الوقت… وجاءت الحوارات منظّمة، محدّدة البنية، غير مشتتة ومبعثرة، ولكن طليقة، صريحة وتلقائية، فأدرجت تحت عناوين شكّلت مفاصل أساسية في مشروع نوال السعداوي.

اسكندر داغر

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق