سياسة لبنانية

مخيم عين الحلوة مصدر الخطر الامني رقم واحد

الأنظار تتجه الى مخيم عين الحلوة الذي بات يصنف مصدر الخطر رقم واحد على الأمن والاستقرار. فهذا المخيم تحوّل الى مأوى للإرهابيين والمطلوبين والمتوارين، وشكل قاعدة انطلاق لعمليات تفجير جديدة ازدادت احتمالاتها في الفترة الأخيرة، وكان انفجار جبل محسن أول الغيث فيها. وما لفت أن مخيم عين الحلوة شهد الاعتراض الميداني الأبرز على عملية سجن رومية وسجل فيه ظهور مسلح لـ «جند الشام» و«فتح الإسلام» وإقفال لطرق رئيسية. ولكن معالجة الوضع في المخيم لا يعني حكماً أن عين الحلوة سيكون نهر بارد آخر لأن ظروفه ومعطياته مختلفة تماماً ووضعه محاط بتعقيدات واعتبارات كثيرة تستلزم حسابات خاصة ومتأنية.
مخيم عين الحلوة هو أكبر مخيم فلسطيني في لبنان وشديد الاكتظاظ سكانياً وتسوده انقسامات وتعددية مرجعيات ورؤوس وسط تراجع حاد في سيطرة «فتح» وصعود النفوذ الإسلامي. كما أنه على تداخل وتشابك جغرافي وديموغرافي مع صيدا، ومداخل المخيم من جهة التعمير والطوارىء، يتواجد فيها لبنانيون… كما أن المخيم يشكل جزءاً لا يتجزأ من أمن صيدا وتالياً من أمن الجنوب، وأي تدهور أمني فيه يخرج عن السيطرة سيقود الى ثلاث نتائج فورية: توتير الوضع في صيدا وإذكاء عامل الفتنة المذهبية، وانقطاع طريق الجنوب الشيعي، وانقطاع تواصل «اليونيفيل» مع العاصمة بيروت.
ولأن ملف مخيم عين الحلوة شائك ومعقد، فإن الدخول الى عمقه باقتحام أو توغل عسكري على طريقة «نهر البارد» مسألة غير مطروحة، والبديل هو «عملية جراحية» موضعية محدودة عند أطراف المخيم (التعمير والطوارىء)، حيث تتمركز التنظيمات الإسلامية، على أن تتم هذه العملية بمواكبة من قوى المخيم وفصائله وتنسيق أمني معها بعدما أعطيت هذه الفصائل أكثر من فرصة لتتولى لوحدها أمر تفكيك المجموعات والخلايا المتطرفة وتسليم المطلوبين ولم تفلح في القيام بهذه المهمة…
والتفجير الانتحاري المزدوج في جبل محسن خطير في توقيته وطبيعته وأبعاده. والخطورة تكمن في أنه أول حادث أمني كبير بعد تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس، وبالتالي هذا أول خرق وأول تهديد لهذه الخطة التي نقلت طرابلس الى وضع مستقر ومرحلة جديدة. والانتحاريان المنفذان هما من أبناء المدينة وتحديداً من منطقة المنكوبين المحاذية لجبل محسن، وبالتالي فإن العملية تشكل دليلاً حسياً على مدى الاختراق الحاصل من التنظيمات الإرهابية للنسيج الاجتماعي – الطائفي في طرابلس ونجاحها في «تجنيد» عدد من الشبان الطرابلسيين المغرّر بهم والذين جرفتهم موجة التعبئة المذهبية والتطرف الديني. وهذا الحادث هو الأول من نوعه وحجمه، بعد طي صفحة التوتر المذهبي وبعد إغلاق جبهة جبل محسن – باب التبانة (مع مغادرة قادة المحاور والجبل).
ولكن خطورة الحادث توازيها مؤشرات مطمئنة وتخفف من وطأتها… والوجه الآخر والجانب الإيجابي إذا صح التعبير من هذه الجريمة يتمثل في النقاط الآتية:
– ردة فعل جبل محسن التي جاءت على قدر كبير من المسؤولية وضبط النفس، وحيث غابت كل مظاهر الانتقام حتى على مستوى الكلام والمواقف… وحتى عملية تشييع الضحايا تمت بهدوء وحزن من دون إطلاق نار في الهواء.
– ردة فعل أهالي وفعاليات طرابلس «التضامنية» والمستنكرة…
– ردة فعل تيار المستقبل على ثلاثة خطوط: تعويض الأضرار من قبل الرئيس سعد الحريري، مشاركة الوزير نهاد المشنوق في التشييع، وإعلان الوزير أشرف ريفي إحالة الجريمة الى المجلس العدلي وتطبيق المعايير ذاتها التي اعتمدت في تفجيري باب السلام والتقوى…
– وجود الحوار السني – الشيعي في هذه المرحلة، الذي يؤمن غطاء سياسياً للأمن، وعاملاً ضابطاً للصراع والمواقف وردات الفعل.
على صعيد آخر شهدت منطقة القلمون تبدلاً في الخريطة الميدانية، إذ باتت «النصرة» محاصرة في جرود فليطا والمناطق الموازية لها بين مسلحي «داعش» الذين سيطروا على القلمون الشرقي، وبدأوا بالتمدد في تلال بلدة عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا، من جهة الغرب. وحصل هذا التمدد نتيجة عوامل عدة أبرزها:
– تدفق الأموال من «داعش الذي استقطب المقاتلين. وعمد التنظيم المتشدد إلى إغراء مقاتلي «النصرة» بالأموال، إذ تراوحت الزيادة بين 400 دولار و1500 دولار للعنصر الواحد.
– نجاح التنظيم في استقطاب بعض فصائل (الجيش الحر) التي أعلنت مبايعتها للتنظيم في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وأبرزها «كتائب الفاروق المستقلة»، و«لواء القصير».
– وصول كوادر جديدة لقيادة «داعش في القلمون»، وعلى رأس مهام هذه الكوادر إعادة هيكلة بنية التنظيم ورسم علاقاته مع الأطراف الأخرى وفق أسس جديدة.
وتفيد تقارير أن الجيش السوري وحزب الله بالتنسيق مع الإيرانيين في صدد التخطيط لبدء المعركة الحاسمة في القلمون ابتداء من الربيع المقبل وبعد الانتهاء من احتلال المناطق السورية الداخلية في الغوطة الشرقية (جوبر – زملكا -الدخانية – مزارع زبدين – حوش الغارة…)، على أن تكون معركة القلمون منتهية مع حلول شهر رمضان، بالتنسيق مع الجيش السوري لإقفال الحدود السورية -الأردنية لناحية درعا، واستكمال احتلال منطقة الضمير لناحية الأردن.
وتكشف مصادر أمنية عن قيام تنظيم «داعش» في القلمون بتجنيد مجموعة من الإنتحاريين اللبنانيين من مناطق لبنانية عدة وخصوصاً طرابلس وصيدا، ويخضع هؤلاء للتدريب بإشراف خبراء متفجرات. ويتزامن ذلك مع قرار «داعش» ببدء العمل الأمني في لبنان.
وأشار تقرير صحفي ميداني الى أن إخفاقات الجبهة الشعبية – القيادة العامة في صد الهجمات المتكررة للمجموعات من «جبهة النصرة» و«داعش»، فضلاً عن الانشقاقات التي بدأت تحصل في صفوفها دفعت حزب الله الى تسلم مراكز للجبهة الشعبية في مناطق قوسايا، دير الغزل وعين البيضا في البقاع منذ منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وجاء انتشار حزب الله في مراكز القيادة العامة لسد الخلل والنقص في الخط الدفاعي في هذه المناطق القريبة من الحدود اللبنانية – السورية التي تعتبر ذات أكثرية سنية، وحصل هذا التمركز بشكل هادئ من دون لفت الأنظار. وأشار التقرير الى أن الحزب يعمل على تحصين الخط الحدودي الشرقي مع سوريا الممتد من منطقة البقاع الغربي حتى جرود الهرمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق