دولياتعالم

الموازنة الايرانية: اعتمادات ضخمة للحرس الثوري، والمؤسسات الامنية والدينية

يشير تقرير لمعهد التمويل الدولي ومقره واشنطن، الى ان العقوبات المفروضة على التجارة الدولية والمالية، بشكل متصاعد منذ منتصف عام 2012، الحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد الإيراني.

وكشف المعهد في تقرير بعنوان «إيران: مصير الاقتصاد يتعلق بنتيجة المفاوضات»، «أن الناتج المحلي الإيراني تقلص 6،6 في المئة عام 2012 – 2013، وتراجع 2 في المئة عام 2013 – 2014». ولفت إلى أن صادرات النفط بلغت 1،1 مليون برميل يومياً منذ فرض عقوبات تموز (يوليو) 2012، مقارنة بـ 2،1 مليون برميل يومياً عام 2011 – 2012.
وبعد أخذ الانخفاض الكبير في سعر صرف العملة المحلية الرسمي وفي السوق السوداء، سجل الناتج المحلي الاسمي وفق تقديرات المعهد، انخفاضاً من ذروته البالغة 514 بليون دولار عام 2011 – 2012، إلى 342 بليوناً عام 2013 – 2014، الذي ينتهي في 21 آذار (مارس) 2014، ما يعني أن التراجع بلغ 57 بليون دولار، أو 730 دولاراً لكل مواطن إيراني.
ونتيجة إلزام العقوبات إيران على تقليص صادراتها النفطية إلى النصف، رصد التقرير انقلاب فوائض ما قبل العقوبات إلى عجز يوازي 1،5 في المئة من الناتج المحلي، ما يعني أن إيران باتت تحتاج إلى وصول سعر برميل النفط إلى 148 دولاراً لتحقيق التوازن في موازنتها، مقارنة بـ  1،2 دولاراً للبرميل كانت تكفيها قبل العقوبات لهذا التوازن.
ومن السلبيات الأخرى التي أشار إليها التقرير، منع العقوبات إيران من استخدام نصف احتياطها المالي البالغ 92 بليون دولار قبل العقوبات. وبسبب إخراجها من النظام المالي العالمي، أصبحت إيران تواجه مشاكل جدية في الحصول على أي واردات يمكن تحقيقها من صادراتها.

مشروع موازنة 2015
مقابل ذلك، ورغم كل تلك الارقام والحقائق، والتوصيات، قدم الرئيس الايراني حسن روحاني مؤخراً مشروع ميزانية 2015 الى البرلمان الايراني لمناقشتها والمصادقة عليها.  ولاحظ مراقبون أن مشروع الميزانية يبين أن سياسة روحاني الاقتصادية تهدف الى تعزيز الجهاز القمعي للنظام، على النقيض من سمعة الاعتدال التي نالها في الغرب، مع قدر من التصحيح للسياسات الاقتصادية الهوجاء التي انتهجها سلفه محمود احمدي نجاد.
فقد فاز روحاني بالرئاسة العام الماضي راكباً موجة من التذمر والاستياء الشعبي بسبب سوء ادارة الاقتصاد في عهد احمدي نجاد والعقوبات الدولية. وتمكن روحاني من انتزاع تخفيف للعقوبات من الغرب أسهم في كبح جماح التضخم وخفض معدلات البطالة. ولكن روحاني بدلاً من تعزيز هذه المكاسب قدم ميزانية ترصد اعتمادات ضخمة للحرس الثوري والمؤسسات الأمنية والمحاكم الدينية. ورأى محللون أن ميزانية روحاني لعام 2015 تشير الى أن سياسته الاقتصادية لا تهدف الى دفع عجلة النمو بقدر ما تهدف الى الحفاظ على النظام من خلال تعزيز جهازه القمعي.
وتبلغ اعتمادات الميزانية ما يعادل 293 مليار دولار على اساس سعر الصرف الرسمي للريال الايراني وهو 28500 ريال للدولار. وتعتمد الميزانية على زيادة ايرادات الدولة من الضرائب بنسبة 23 في المئة للتعويض جزئياً عن نقص عائدات النفط التي من المتوقع أن تهبط بنسبة 8 في المئة أو نحو 5 مليارات دولار، بحسب تقديرات صحيفة وول ستريت جورنال. كما يقترح روحاني خفض دعم الدولة للسلع الاستهلاكية بنسبة 26 في المئة، بما في ذلك خفض دعم اسعار الخبز بنسبة 40 في المئة. من جهة أخرى، يقترح روحاني في مشروع الميزانية زيادة قدرها 59 في المئة على الخدمات الصحية وشبكة الضمان تحسباً لأي انفجارات اجتماعية وخصوصاً بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

ميزانية الحرس الثوري
ولكن روحاني يطلب من البرلمان الموافقة على زيادة كبيرة في الاعتمادات المالية المرصودة للحرس الثوري الذي يحمي النظام في الداخل ويشكل رأس حربته في الخارج.  وينص مشروع ميزانية روحاني على زيادة الانفاق العسكري بنسبة 33 في المئة الى 10 مليارات دولار رغم أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير على الأرجح لأنّ كثيرًا من الانفاق العسكري لا يرد في ابواب الميزانية بل يبقى محفوظاً في ادراج مكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وستذهب 64 في المئة من الانفاق العسكري المعلن الى الحرس الثوري وقوات الباسيج الأمنية التي ترتبط به. كما يعتزم روحاني أن يضاعف مرتين ميزانية شركة «خاتم الأنبياء» القابضة العملاقة التابعة للحرس الثوري. ولدى تقويم كل باب من ابواب الانفاق العسكري يتضح أن تمويل الحرس الثوري يزداد بنسبة 48 في المئة في حين أن تمويل الجيش النظامي لا ينال إلا زيادة طفيفة في مشروع الميزانية. يضاف الى ذلك أن روحاني يعزز في ميزانيته مؤسسات النظام القمعية الأخرى بزيادة الأموال المرصودة لوزارة الاستخبارات بنسبة 40 في المئة  الى 790 مليون دولار وزيادة تخصيصات المحاكم الدينية التي تراقب الأصوات المعارضة بين الملالي بنسبة 37 في المئة.
ويرى محللون أن اغداق المال على المؤسسات الأمنية على حساب الخدمات العامة يشير الى استمرار السياسات القمعية السابقة. ويعني ايضاً أن النظام الايراني سيواصل سياسته التوسعية العدوانية الاقليمية من خلال فيلق القدس التابع للحرس الثوري ، كما تتوقع صحيفة وول ستريت جورنال. ويواجه برنامج روحاني الاقتصادي تحديات كبيرة في مقدمتها هبوط اسعار النفط وتعثر المفاوضات النووية وبقاء العقوبات الدولية رغم تخفيفها. ويفترض مشروع ميزانيته أن يكون متوسط سعر النفط 72 دولاراً للبرميل وهو تقدير مغرق في التفاؤل.

الاقتصاد يستعيد عافيته
عودة الى التقرير الدولي، حيث توقع أن يستعيد الاقتصاد عافيته في شكل كبير في العامين اللذين يليان الاتفاق، مرجحاً أن ينمو الناتج المحلي لعامي 2015 – 2016 و2016 – 2017، بنسبة تتراوح بين 5 و6 في المئة على التوالي، مدفوعاً بـ صادرات النفط والاستثمارات في القطاع الخاص.
اما في حال عدم التوصل إلى اتفاق بين إيران ومجموعة دول خمس زائد واحد حول ملفها النووي، لم يستبعد التقرير أن يواجه الاقتصاد الإيراني مزيداً من الضعف مع استمرار ارتفاع معدل البطالة. وبموجب هذا السيناريو، ربما يكون هناك تشديد للعقوبات على التجارة والمعاملات المالية، ما يؤدي إلى تقليص أكبر لصادرات النفط الإيرانية ويدفع سعر صرف العملة الوطنية إلى مزيد من التراجع أمام العملات الأجنبية في السوق السوداء، إلى جانب تضخم أكبر.
وعن الوضع السياسي داخل إيران تجاه أي اتفاق مع المجتمع الدولي، اعتبر معهد التمويل الدولي، أن لدى المعارضة المؤلّفة من الحرس الثوري -خصوصاً فيلق القدس -، مصالح مالية ضخمة تتأذى في حال الانفتاح على الغرب.
وخلُص تقرير المعهد إلى أن نفوذ إيران في لبنان وتورطها في الحرب الأهلية في سورية ودورها الحاسم في العراق، هي أدوار ربما لن تختفي في حال التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي، ما يعني أن تطبيق الاتفاق النووي ربما يترك أخطاراً كثيرة من دون الإجابة عنها، ما قد يعود إلى الانعكاس سلباً على عملية تطبيق الاتفاق ذاته.

ا. ح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق