الاقتصادمفكرة الأسبوع

اسعار النفط تواصل التراجع، و«الاوبك» في مرمى الجدل حول عناصر الحل

تحت وطأة تخمة المعروض، وشح الطلب، تراجعت اسعار النفط إلى أدنى مستوى في أربع سنوات، ووصلت الى ما دون 77 دولاراً للبرميل. وساهم في ذلك حالة الترقب المحفوفة بشبه قناعة بان تقدم منظمة اوبك على تخفيض الانتاج خلال اجتماعها المرتقب في نهاية الشهر الجاري.

اسعار برنت، تنحفض كثيراً، وتعاود الارتفاع قليلاً، لتكون المحصلة «سالب»، وبحيث كانت النتيجة تراجع اسعار هذا النوع من النفط  لثمانية أسابيع متتالية في أطول موجة خسائر أسبوعية له منذ بدء رصد الأرقام في 1988.
وتفاقم الهبوط بعد تصريحات لوزير البترول السعودي أثارت مخاوف من أن المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم لن توافق على خفض إنتاج أوبك في اجتماع المنظمة في 27 من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.
ويتفق المراقبون على أن الانخفاض الحالي في أسعار النفط الخام نتاج لميزان الطلب والعرض، وقوة صرف الدولار، وتكهنات السوق حول اجتماع أوبك من خلال تحليل ودراسة لتصريحات وزراء النفط للأوبك. غير ان مساراً تحليلياً آخر يقرأ الملف من زاوية سياسية.
وفي السياق الاول، يمكن الاشارة الى تقرير سكرتارية أوبك الشهري الذي صدر في بداية شهر تشرين الاول (أكتوبر) 2014 لأنه يعكس معطيات السوق.

ارتفاع الطلب
يتوقع التقرير أن يشهد الطلب العالمي على نفط الأوبك ارتفاعا بمقدار 1،2 مليون برميل يومياً خلال عام 2015 ليصل إلى 92،4 مليون برميل يومياً، ويشمل ذلك ثباتاً في معدلات تنامي الطلب على النفط في البلدان الصناعية عند 45،7 مليون برميل يومياً، بينما يأتي تقريباً جل الزيادة من الصين 300 ألف برميل يومياً، والباقي من البلدان النامية، خصوصاً الآسيوية، وهو يشير إلى الاهتمام المتزايد بأسواق آسيا الواعدة بشكل مستمر، ولكن أيضاً هناك مخاطر من ارتفاع قيمة صرف الدولار مقابل العملات الدولية الأخرى، وتأثير ذلك على صادرات الأسواق الواعدة مثل الصين إلى أسواق العالم الأخرى وما يعني ذلك على أداء الاقتصاد في هذه البلدان.
وعلى صعيد الإنتاج من خارج الأوبك، وسوائل الغاز من داخل أوبك، من المتوقع أن يرتفع بمقدار 1،5 مليون برميل يومياً ليصل إلى 63،2 مليون برميل يومياً في عام 2015، وتأتي غالب الزيادة من الولايات المتحدة الأميركية وكندا مع استمرار الزيادة من النفط الصخري والرمال النفطية، وطبعاً عند مقارنة توقع الزيادة في الطلب العالمي على النفط الى 1،2 مليون برميل يومياً، مع الزيادة من الإمدادات من خارج الأوبك «1،5 مليون برميل يومياً»، فإن هناك فائضا بمقدار 300 ألف برميل يومياً خلال عام 2015، وطبعاً هذا من دون اعتبار أن عام 2014 سينتهي بزيادة كبيرة في المخزون النفطي نتيجة اختلال ميزان الطلب والعرض، وهو ما يحتاج أيضاً أن يتم سحبه من السوق لتحقيق توازن السوق ودعم أسعار النفط الخام.

توقعات
وتتوقع الدراسة خفض الطلب على نفط الأوبك من 30،3 مليون برميل يومياً في عام 2014 إلى 29،2 مليون برميل يومياً خلال عام 2015، بمقدار 1،1 مليون برميل يومياً لتوازن السوق، وهنا يتضح صعوبة الوضع ما بين خطط كل بلدان الأوبك لرفع إنتاجها، أو خطط الأوبك لتعافي إنتاجها مثل ليبيا ونيجيريا، أو خطط أوبك للعودة للسوق النفطية كما هو الحال مع إيران، وعند النظر للتوقعات فإن هناك إنتاجاً اضافياً من العراق وإيران يمكن أن يدخل السوق النفطية خلال عام 2015 يصل إلى 400 – 600 ألف برميل يومياً، وإن كان فعلياً إيران بدأت بإعادة بناء المخزون النفطي العائم، وكذلك تدلل بعض الأرقام على ارتفاع مبيعاتها إلى الصين والهند خلال عام 2014.
وهناك تكهنات أنه ربما 75 دولاراً للبرميل هو السعر المتوقع في إحداث توازن سوق النفط من خلال دعم الاقتصاد العالمي والطلب على النفط ليرتفع إلى مستويات تستوعب الزيادة في إمدادات النفط خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن إنتاج أوبك في ارتفاع، وتقدر أوبك إنتاج النفط خلال شهر ايلول (سبتمبر) 2014 حسب مصادر السوق المعتمدة لديها، عند 30،2 مليون برميل يومياً، ويمثل ذلك ارتفاعاً من قبل غالب الدول، ومنها إيران، أنغولا، العراق، ليبيا، وذلك مؤشر على أنه لا نية للأوبك لخفض إنتاجها خلال الفترة المقبلة على الرغم من هبوط في أسعار النفط.
هذا البعد، لا يصب في راحة السوق ويدفع باتجاه التكهنات بان هناك مستوى جديداً للأسعار يكون مقبولاً للسوق، الا
ان له تأثيراته على اللاعبين كافة في سوق النفط بدرجات متفاوتة، كما سيؤثر على إنفاق صناعة النفط على مشاريع الاستكشاف والتنقيب في المستقبل.
هنا، تجمع التقارير على ان التحركات السعودية اصبحت محط أنظار السوق، بحكم انها الدولة صاحبة أكبر إنتاج داخل منظمة الأوبك، وبحدود 10 ملايين برميل يومياً.  
وتشير المعلومات الواردة في سياق الانتاج إلى أن هناك دولاً ترفع من إنتاجها وفي طور الزيادة منها العراق وإيران، وهناك معلومات عن ان شمال العراق «كردستان» بصدد رفع مستوى الانتاج. وبالتالي فإن تحركاتها بلاشك ستكون محط جذب لمتابعة المراقبين في السوق، بحكم أنها تعني ضغوطاً على أسعار النفط.  وتشير التوقعات الأخيرة لبنك باركليز إلى أن أسعار النفط ستكون في المتوسط عند 92 دولاراً للبرميل خلال عام 2015.
كما يعتقد العديد من المحللين أن عام 2015، ستبدأ سوق النفط الدخول في وتيرة ومرحلة جديدة من التعافي من حالة انقطاع للإنتاج التي شهدتها السوق النفطية خلال السنوات السابقة، وهو ما يعني ارتفاع المعروض عن المطلوب وبالتالي يضيف ضغوط على أسعار النفط.

اجتماع اوبك
الى ذلك، شهدت الايام الفائتة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً عنوانه الرئيس اجتماع الاوبك المنتظر، واسعار النفط. فقد بدأت دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وضع كل الاوراق على الطاولة قبل اجتماع وزراء النفط للمنظمة آخر الشهر الحالي لمناقشة هبوط أسعار النفط التي فقدت نحو 30 في المائة من قيمتها، ووضعت ميزانيات الكثير من الحكومات في منطقة الخطر.
وتصدرت بعض الدول المشهد النقاشي، بعد الجولة التي قام بها وزير نفط إيران بيجان نامدار زنقنيه في الخليج، تلتها زيارة وزير خارجية فنزويلا وممثلها في أوبك رافييل راميرز إلى الجزائر وقطر ضمن جولة يقوم بها إلى دول أوبك والمنتجين الكبار خارجها بهدف رفع الأسعار.
ولعل الزيارة الأهم ستكون بين فنزويلا وإيران، إذ إن راميرز في طريقه إلى إيران لمقابلة المسؤولين هناك بهدف حشد أكبر دعم ممكن لرفع الأسعار.
وفي داخل منظمة أوبك فريقان من الدول؛ الفريق الأول وهو المعروف بالحمائم، وهم الذي يريدون أسعاراً معقولة لا تؤثر على الطلب من المستهلكين، ويقود هذا الفريق السعودية ويضم دول الخليج الأخرى إضافة إلى أنغولا. أما الفريق الآخر فيعرف باسم الصقور، وهم الذي يريدون أسعار نفط عالية بغض النظر عن أي عوامل أخرى، ويرون أن على المستهلكين خصوصاً في الدول المتقدمة أن يتخلوا عن طمعهم ويتشاركوا الثروة مع الدول الأقل نمواً والتي يتكون منها كل أعضاء أوبك. ويضم فريق الصقور كلاً من إيران والعراق وفنزويلا ونيجيريا إضافة إلى دول أخرى.
وتشير التوقعات الى انه عندما يجتمع الفريقان في فيينا الشهر المقبل، سيكون أمام الحمائم مهمة صعبة لإقناع الصقور بأي أمر سوى خفض إنتاج المنظمة ورفع الأسعار.

تحرك دبلوماسي
وجاء تحرك وزراء فنزويلا وإيران بناء على أوامر من رئيسي الدولتين حسن روحاني ونيكولاس مادورو/ إذ تحتاج كل دولة منهما إلى بقاء سعر النفط عند مستوى يفوق 100 دولار بكثير حتى لا تسجل ميزانيتهما أي عجز.
وزار الرئيس العراقي فؤاد المعصوم ورئيس الوزراء الليبي عبدالله الثني العاصمة السعودية الرياض، وهي الزيارة التي يراها بعض المحللين أمراً إيجابياً للتعاون بين دول أوبك. وتعاني ميزانيات العراق وليبيا من انخفاض النفط نظراً لأن الأولى تحتاج إلى تمويل كبير حتى تواجه «داعش»، فيما تحتاج الثانية إلى كل دخل ممكن لإعادة إعمار البلاد وسط الفوضى السياسية التي تضربها وأدت إلى ظهور حكومتين تديران البلاد.
وفي العاصمة الجزائرية أكد وزير خارجية فنزويلا راميرز في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية عقب لقائه رئيسها عبد العزيز بوتفليقة أن الدولتين اتفقتا على الدفاع عن أسعار النفط. وفي قطر التقى راميرز رئيس الوزراء الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني ووزير الطاقة محمد بن صالح السادة، وناقش معهما أوضاع السوق والأسعار، بحسب ما أوضحته الخارجية الفنزويلية.
ويعتقد محللون ان استمرار التدخلات الدبلوماسية والسياسية سيربك مواقف الوزراء في الاجتماع المقبل لأوبك الذي من المفترض أن يتخذ فيه الوزراء قرارات مبنية على معطيات السوق لا على الأوضاع السياسية في البلدان.

المشكلة الدائمة
ويرى المحللون ان مشكلة أوبك الأزلية ليست في قدرة المنظمة على خفض الإنتاج، بل في البحث عمن سيبدأ في تخفيض إنتاجه أولاً. وفي حالات قليلة يتفق الجميع على الخفض، كما حدث في اجتماع وهران في الجزائر في عام 2008 عندما تكسرت الأسعار وهبطت من 147 دولاراً إلى مستويات عند 40 دولاراً. وقرر وزراء أوبك في ذلك الاجتماع خفض الإنتاج بنحو 4،2 مليون برميل يوميا، وهو أعلى خفض تتخذه في قرار واحد خلال تاريخها.
وتعاني دول الأوبك اليوم من إشكالية كبيرة جداً اسمها «سعر تعادل الميزانية» الذي أصبح يؤرق الجميع. وسعر تعادل الميزانية هو سعر برميل النفط الذي تحتاج إليه كل دولة حتى لا تشهد ميزانيتها عجزاً مالياً وتضطر إلى الاستدانة أو استخدام موارد أخرى، كالاحتياطيات المالية لتغطية وسد العجز. وبسبب تزايد اعتماد دول الأوبك على النفط مصدراً رئيساً للدخل وفشل الكثير في تقليل الاعتماد عليه، أصبح الكل رهين تقلبات الأسعار وسياساتهم مرهونة بمصير البرميل. وتحتاج دول أوبك أن تبقي سعر سلتها في المتوسط عند 105 دولارات هذا العام حتى لا تسجل ميزانيتها أي عجز مالي، بحسب تقديرات نشرتها مؤسسة الاستثمارات البترولية العربية «أبيكورب»، التي تتخذ من الدمام مقراً لها وتمتلكها الدول العربية المصدرة للبترول.

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق