صحة

العمر غفلة… لهذه الأسباب أمشوا أركضوا!

حين يركضُ العداؤون ترتفع مادة الأندورفين في أجسادهم وتسري حالة سعادة في نفوسهم وتضج الحياة في عروقهم… فلماذا لا نعيش كلنا مثل هذه المشاعر ونركض؟ لماذا لا نُلقي بحملِ النفوس ونحمل ثقل أجسادنا ونهرول وراء صحتنا علناً نُمسك بها أو نتمسك بها قبل فوات الأوان؟
لا تحبذون الركض؟ أنتم إذا الخاسرون. لا تحبذون المشي؟ لا تسألوا إذا عن الإبداع… أولم تسمعوا الفيلسوف الأميركي هنري ثورو يقول: لحظة تبدأ قدماي بالحراك تطفو الأفكار في رأسي؟
أركضوا إذا… هرولوا على الأقل. أمشوا. ترتاحون…

في كل ماراتون، منذ تُطلق الصفارة معلنة أوان الإنطلاق، نعي أهمية لو كنا حاضرين، مشاركين، نركض لهدف، لغاية، لقضية، لوزن زائد، لصحة أفضل… نُفكر فتجتاحنا مشاعر مختلطة، متناقضة، تتجاذب فينا أفكاراً مختلفة، تُضفي حماسة فينا سرعان ما تعود وتتقزم في مهدها، في لحظات، فنشلح أجسادنا مجدداً على كرسي وننهمك في كل شيء، في أي شيء، ما عدا رياضة المشي! هذا نحن، هكذا نحن، فهل نحن، كلنا، نعرف كل حسنات المشي؟ نشك! أما إذا كنا نعرف ونهمل فالمصيبة طبعاً أكبر!
التفاؤل يدفعنا دائماً الى الظن بأننا لا نعرف. فلنتفاءل ونسأل: لماذا علينا أن نمشي؟

لماذا المشي!
البطن منتفخ والمعدة متدلية ونشعر وكأننا بالون يكاد «يفقع»، يتناثر إرباً، وباختناقٍ ونعاس دائم وكسل، وبعدم القدرة على المشي حتى خطوات؟ نستقل سيارة من هنا الى… هنا؟ نُحبذ كل شيء، كل كل شيء، باستثناء ارتداء الحذاء الرياضي والمشي؟ فلنحسمها منذ البداية: نحن مجرمون في حق أنفسنا! نحن مجرمون ونقطة على السطر!
فلنبدأ في سطرٍ جديد، بإرادة أقوى وبعزم أشد والبداية تتطلب أمرين: معلومات وافية وقرار واثق حاسم حازم: سأمشي… فلنعرف إذا أكثر لماذا علينا كلنا، في أي سن كنا، أن نمشي.
هل تعرفون أن النملة، نعم النملة، أكثر عزماً وأقوى حتى من كثيرين منا؟ هل تعرفون أن النملة تمشي أسبوعياً أكثر من عشرين كيلومتراً وهي تحمل أوزاناً ثقيلة؟ هل تعرفون أن النملة تلك لا تكل ولا تمل بل تمشي وتمشي بلا هوادة محصنة بإرادة وذكاء؟
وما دامت النملة هكذا فلماذا لا نكون، نحن من نظن أنفسنا أقوى الأحياء على هذه الأرض، هكذا؟ لماذا لا نفترب أكثر من النملة ونراقبها بدل أن نمر عليها وندوسها ولا نتعلم؟ الذكاء نعمة والذكاء يدفعنا، او يفترض ان يدفعنا، لنمشي… فلنمشِ. المشي سعادة والمشي صحة والمشي دواء.

المشي أفضل دواء
أبقراط، أب الطب، قال: المشي هو أفضل دواء للإنسان. المشي يحمي من السكري ومن امراض القلب ومن الدهون في الدم والضغط المرتفع ومن البدانة وحتى من بعض الأورام الخبيثة.
وفي المعلومات المنبثقة من دراسات وأبحاث أن مئة وخمسين دقيقة مشي أسبوعياً وفقدان نحو سبعة في المئة من وزن الجسم يخفضان من احتمال الإصابة بالسكري بنسبة 58 في المئة.
هذا بالنسبة الى السكري اما في ما خص القلب فيبدو، ودائماً بحسب الدراسات، ان نسبة الوفيات من أمراض القلب عند من يمشون نحو ثلاثة كيلومترات يومياً هي اقل ممن لا يمشون. وأشارت دراسة حديثة الى ان النساء اللواتي يمشين ثلاث ساعات أسبوعياً تنخفض نسبة اصابتهن عن من لا يمشين نحو 35 في المئة.
هذا ليس طبعاً كل شيء، فوظائف المخ تتحسن والقدرات الإدراكية تصبح أقوى، ناهيكم أن كثافة العظام بعد انقطاع الطمث تظل أكبر عند النساء اللواتي يمشين. الاكتئاب من جهته يتدنى فتقل أعراضه عند من يمشون نحو ثلاثين دقيقة، ثلاث مرات في الأسبوع، بنسبة 47 في المئة. المشي ايضاً وايضاً يقي من سرطان الثدي والقولون.
المشي إذاً ثقافة. إنه ثقافة نادرة. ونادراً ما نتثقف في كتاب المشي ونحن نكبر. وحين نعبر نحو سن الشيخوخة نبدأ في فهم المسألة أكثر. نبدأ نسمع نصيحة من هنا ونصيحة من هناك: أمشوا! وليس طبعاً سهلاً على من اعتاد كل عمره ألا يمارس هذه الرياضة ان يبدأ بها. ليس سهلاً على من اعتاد ان يستقل مركبة «من هنا الى هنا» مسافة مترين ونصف ان يتقبل ثقافة المشي بسهولة. والعمل؟ والحل؟ نترك أنفسنا عرضة لبراثن قلة الحركة أم ننتفض على العادة ونمشي؟
تحبون التسوق؟  ممتاز. اشتروا اليوم، اليوم بالذات، حذاء رياضياً مناسباً للمشي وضعوه أمامكم، الى جانب السرير، كي لا تنسوه في علبة مقفلة تضيع بين أحذيتكم! وابدأوا بمزاولة المشي عشر دقائق ثم عشرين وارفعوا المدة تدريجياً الى ثلاثين. ثلاثون دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع قد تكفي من أجل ضمان حياة صحية سليمة.
ما زلتم لا ترغبون بالمشي؟ لا تحبونه؟ لا تحبون الرياضة في المطلق وتفضلون عوضا عنها رمي أجسادكم على كنبة والتلهي بتناول صحن مليء بالنقولات؟ تُخطئون!
المشي يزيد في عمركم عمراً. وهو أحد أهم التمارين التي تفيد في تخفيض الوزن وتثبيته. ألفا خطوة إضافية يوميا تكفل عدم زيادة وزنك إقة واحدة.

دواء السعادة
المشي يقوي أيضاً، لمن يهمه الأمر، الذاكرة  وأداء المخ وهو أشبه بدواء السعادة، لما يضخه من هورمون السيروتونين وأندورفين في الجسم، لهذا وجهوا دعاء بالمشي لمن تحبون. قولوا لهم نتمنى لكم مشياً سعيداً. المقولة قد تكون أحلى حتى من مقولة: نتمنى لكم صحة جيدة. فالمشي هو صحة وسعادة.  
اقتنعت؟ أمش إذا بانتظام، في شكل دوري، تدريجي، تصاعدي، وابدأ ببطء ثم أسرع وأسرع ثم أسرع. المشي السليم، المفيد، ليس مجرد نزهة بل رياضة. إمشِ نحو عشرة آلاف خطوة يومياً.
كثير؟ لا، لا تخف ليست كثيرة أبداً فنحن، حين لا نمشي، نخطو في حياتنا العادية ما لا يقل عن ثلاثة آلاف خطوة. لا تبالغ في المشي منذ المرة الأولى لأنك قد تتعب وتتراجع فتكون أول مرة آخر مرة. إبدأ (نذكرك) في شكل تصاعدي. ولا ضير أبدا وأنت تمشي أن تمارس بعض تمارين التمدد اللطيفة. كل حركة إضافية لطيفة إذا تكون إضافة ممتازة لرياضة المشي.
 
بين المشي والركض
ثمة من يسأل ربما: وما هو الفارق بين المشي والركض؟ أيهما أفضل؟ أيهما أكثر نفعا؟
المشي يُحرك الجسم، كل أعضاء الجسم، بلا عنف، ببساطة، بانسيابية، وينشط الدورة الدموية ويهم خلال المشي أن نحافظ على وضعية سليمة فتبقى ظهورنا مستقيمة وبطوننا الى الداخل ورؤوسنا مرفوعة. ويهم أيضاً ونحن نمشي أن نحرك مفاصلنا ونوسع خطواتنا. وعلينا دائماً ونحن نفعل أن نتذكر أن هذه الرياضة، رياضة المشي، ستخلصنا بهدوئها من الضغوط اليومية التي تثقل كاهلنا. وثقوا أن المشي سيساعدنا على النوم بلا حبوب مساعدة. ثقوا بكلام آخر أن المشي هو علاج طبيعي لكثير كثير من الحالات.
ماذا عن الركض؟
أهمية هذه الرياضة، رياضة الركض، أنها تقوي عضلة القلب والأوعية الدموية، فحين نركض يرتفع معدل ضربات القلب ويبقى كذلك بعد أن نتوقف نحو ثلاثين دقيقة. عضلات الساقين تنقبض هي أيضا في شكل متكرر ما يجعلها أكثر قوة. ويساعدنا الركض أكثر من كل هذا على بلوغ نشوة جميلة تُفرغ ما في داخلنا من ضغوطات فنسترخي.
جميل إذاً المشي والأجمل منه الركض لكن، من هو ليس معتاداً على الركض فعليه أن يكون حريصاً كي لا تتسبب هذه الرياضة التي تخلصه من نحو 900 سعرة حرارية كل ساعة، من أن يؤذي نفسه وعضلاته.
من يريد ان يمشي بالتالي فليفعل الآن بغض النظر عن عمره وأدائه. ومن يريد أن يركض فليفعل هذا بعد أن يقوم بتحمية عضلاته. الركض في شكل عشوائي يضر.  
اقتنعتم؟ لا؟ يبقى لكم الخيار الأخير فصحتكم لكم لكن لا تتذمروا إن شعرتم باكرا جداً بعوامل الشيخوخة! فالعمر غفلة والشيخوخة وراء الأبواب!

نوال نصر

      

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق