سياسة لبنانية

الحسم في طرابلس خطوة استباقية لتطويق اعمال ارهابية محتملة

بعد العملية العسكرية الخاطفة في طرابلس، عملية أمنية مباغتة نفذها الجيش اللبناني في صيدا، في خطوة استباقية لتطويق أعمال إرهابية محتملة، ولتجنب سيناريو الشمال، حيث أحبط محاولة إقامة «إمارة إسلامية» كانت في طور النشوء وتعمل خلايا متشددة على إقامتها.

وقد ظهرت في صيدا إشارات لا تقل خطورة عن طرابلس. فالشيخ أحمد الأسير، الذي استقر في مخيم عين الحلوة منذ فراره من عبرا، كان ينظم خلاياه الإرهابية الى حين توقيت المعركة التي لم تكن بعيدة على ما يبدو. ومع اندلاع الاشتباكات، حصل تواصل بين طرابلس وعين الحلوة على أساس طلب المؤازرة، على رغم الاتفاق السابق بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية على إبقاء كل المخيمات خارج نطاق النزاع. لكن الأسير غرد خارج الاتفاق، وأمر مجموعاته بالتحرك لتنفيذ ضربات أمنية ضد مراكز الجيش، وهو ما لم يحصل كون استخبارات الجيش كانت له في المرصاد.
وعلم أن العملية الأمنية في صيدا جاءت على خلفية رصد مخابرات الجيش لسلسلة اتصالات جرت خلال معركة طرابلس بين مسلحي الشمال وعدد من المجموعات داخل مخيم عين الحلوة، ولا سيما مجموعات بلال بدر وهيثم الشعبي. وفي المعلومات، أن مسلحي طرابلس طلبوا من مجموعات عين الحلوة فتح معركة على أطراف المخيم لتخفيف الضغط عنهم، وجاء الجواب بالرفض «لأن المعركة بلا أفق»، علماً بأن «عصبة الأنصار» وحركة «فتح» وجهتا تحذيرات لمجموعات المخيم بعدم توريطه في أي معركة ضد الجيش.

قرار الحسم

وتفيد مصادر عسكرية مطلعة أن قرار الحسم في طرابلس اتخذته قيادة الجيش بعدما صارت متيقنة من خطورة الوضع الذي إذا ما تُرك يتفاقم ستصبح معالجته أصعب وكلفته أكبر. وهذا القرار كان مهد له العماد قهوجي منذ فترة وجيزة عندما كشف عن معلومات لديه (مصدرها بشكل أساسي التحقيقات مع كبار الموقوفين، إضافة الى معلومات استخبارية غربية) تفيد أن الجماعات الإرهابية المتطرفة تخطط لربط البقاع بعكار والوصول الى منفذ بحري في الشمال اللبناني، وبالتالي فإن هذا المخطط له أبعاد إقليمية وصلة بما يجري في سوريا والعراق، والخلايا والمجموعات الناشطة في طرابلس وعكار مترابطة ومتناغمة مع تنظيمي «داعش» و«النصرة» اللذين أصبحا فعلياً داخل لبنان عبر هذه المجموعات ولم يعد وجودهما وخطرهما مقتصرين على منطقة الحدود اللبنانية – السورية، وبالتالي فإن الأزمة والحرب السورية تتمدد الى لبنان عبر هذه الثغرة الأمنية في الشمال حيث الخلايا النائمة والخطر الكامن.
هذه الحالة الإرهابية المتنامية في الشمال كانت تتحرك بين حد أدنى هو إشغال الجيش وإنهاكه وتشتيت قواه عبر استهدافه بعمليات أمنية وحرب معنوية نفسية أيضا عبر حملة التحريض والانشقاقات الإفرادية المبرمجة… وحد أقصى هو استدراج الجيش وإغراقه في حرب استنزاف والتضييق عليه ودفعه الى مغادرة طرابلس… وإذذاك تضع التنظيمات المسلحة يدها على عاصمة الشمال وتسيطر على مفاصلها ومرافقها الأساسية ولا سيما مرفأ طرابلس الذي يكون المنفذ البحري المفتوح على تركيا…
وكانت قيادة الجيش أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الحسم والسيطرة الكاملة على الوضع… وإما الوصول الى «موصل ثانية» في طرابلس وعكار…
وكانت التقديرات لأعداد الخلايا النائمة في طرابلس أقل بكثير مما هي فعلياً. ففي مراحل سابقة كان أحد كبار المسؤولين الطرابلسيين يردد أن أعضاء هذه الخلايا لا يتجاوزون العشرة، ربما في محاولة للتخفيف قدر الإمكان من التركيز على هؤلاء، ليتبيّن مع اندلاع المعارك وجود خلايا تضم كل واحدة منها ما لا يقل عن خمسين عنصراً، من بينهم سوريون وبعض المصريين.

لا تسويات

تجزم قيادة الجيش بأن «الجيش لم يدخل في تسوية مع أحد على رغم محاولة بعض الأفرقاء منذ ليل السبت الماضي الحديث عن مخرج لوقف المعركة وتأمين خروج المسلحين، لكن الحرب إستمرت حتى أُسقط المربع الأخير الذي كان يتحصن فيه المولوي ومنصور».
ويلفت مصدر عسكري إلى أن «تحصّن المسلحين بالمدنيين قد يكون ساعد الرجلين (شادي المولوي وأسامة منصور) على الفرار خصوصاً أن عمليات النزوح الكثيفة حصلت ليلاً، وهذا لا يلغي تمكنهما من الفرار على رغم تطويق الجيش المنطقة». من هنا يشدد المصدر على أن فرار مسلحين وارد ويحصل في معظم الحروب ومع جميع جيوش العالم، والدليل على ذلك فرار زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن والرئيس العراقي الراحل صدام حسين من أيدي القوات الأميركية، على رغم قوة الإستخبارات الأميركية، إضافة الى فرار الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي من أيدي التحالف الدولي وقوات المعارضة الليبية». لكن الجيش يؤكد أنه «مثلما قبض على هؤلاء، سنقبض على المولوي ومنصور ولو بعد وقت، فالعمليات العسكرية لم تتوقف، ولو كان هناك تسوية لما إستكمل الجيش المداهمات وملاحقة المسلحين».
وتقول تقارير دبلوماسية إن الإدارة الأميركية أولت مؤخراً اهتماماً ملحوظاً بالمعلومات التي حصلت عليها أيضاً حول نشاط وتنامي تحركات المجموعات الإرهابية في طرابلس والشمال، وأن بعض الدوائر الغربية الأوروبية لم تخف شعورها بالخوف من خطر هذه المجموعات على الوضع اللبناني عموماً ولا سيما على اندلاع حريق كبير في الشمال يستهدف البلدات والقرى المسيحية والأقليات.
ويقول مصدر مطلع إن غطاء خارجياً قوياً بات متوافراً للجيش في معركته ضد الإرهاب في البلاد، وأن العماد جان قهوجي سمع في الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً هذا الكلام بوضوح مرفقاً بالتأكيد على إعطاء كل ما تطلبه المؤسسة العسكرية اللبنانية من تسليح بما في ذلك الطائرات الحربية. ويشير المصدر في هذا المجال أن «الفيتو» السابق على إعطاء الجيش اللبناني أسلحة فعالة قد أسقط على الأقل جزئياً، وأن هناك وعداً جدياً بتزويده من هبة المليار دولار بمعدات وأسلحة حديثة وناجحة في معركته ضد الإرهاب.

زيارة توماس
وتزامناً مع الجولة التي يقوم بها منسق الحلف الدولي في مواجهة «داعش» في سوريا والعراق جون آلن في المنطقة، قام قائد العمليات الخاصة الأميركية ريموند توماس بزيارة خاطفة الى لبنان استمرت ساعات رافقه فيها وفد عسكري. وكان وصل من القاهرة، ثم غادر متوجها الى لارنكا في طائرة عسكرية أميركية خاصة.
وفي رأي مصادر مراقبة أن الهدف الأساسي الذي كانت بداية ترجمته عملياً في عملية عاصون وهو فكفكة المجموعات الإرهابية وجعلها في حالة عدم توازن وحالة دفاع عن النفس وعدم قدرة على أي فعل مؤثر، قد تحقق.
وثمة نتيجة أخرى لما حصل ستتبدى لاحقاً وهي أن ضرب الإرهاب في الشمال سيعكس نفسه على عمل كل الخلايا والمجموعات الإرهابية الموجودة بشكل أو بآخر في بقية المناطق لاعتبارات عدة، أبرزها أن الإرهاب في الشمال كان دوماً هو الرأس والمثال لسواه. إضافة الى ذلك فإن ضرب ملاذاته في هذه المنطقة هو بمثابة رسالة الى من يعنيهم الأمر بأن وضعهم صار أكثر صعوبة وقدرتهم على الحركة والفعل، إذا كانوا خلايا نائمة، صارت شبه معدومة أو بالغة الصعوبة، والدليل على ذلك اكتشاف خلية صيدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق