افتتاحية

حقائق واسئلة برسم الطبقة السياسية

عندما يتحقق الوفاق تستنبط الحلول وتكر سبحة الانفراجات. وهذا ما يؤكد بما لا يقبل الشك ان الويلات التي اصابت الوطن على مدى السنوات الماضية، كان سببها الخلافات التي عصفت بين المسؤولين، واوصلت لبنان الى شفير الهاوية، غير ان عين الله الساهرة على هذا الوطن تدخلت في اللحظة الحاسمة، وبددت الغيوم السوداء من سمائه.
ففي اقل من اسبوع، وبسحر ساحر، تبدل الوضع بما يشبه الاعجوبة، حتى ان الناس رغم مرور اكثر من عشرة ايام، لا يزالون غير مصدقين ما جرى، وهم يمسكون قلوبهم بايديهم خوفاً من ان يزول هذا الحلم الذي طالما انتظروه.
فعلى الرغم من ارادة المعطلين، والذين سارت الامور على غير ما كانوا يشتهون، انتخب رئيس للجمهورية هو العماد ميشال عون. بعد ان غص مجلس النواب بكامل اعضائه وهذا مشهد لم يألفه اللبنانيون منذ سنوات طويلة، فعادت الحياة الى القصر المهجور قصر بعبدا، وفي خلال ساعات قليلة دبت الحركة في ارجائه. فهناك رئيس يسد الفراغ، يستقبل ويوجه ويحكم، وهناك زاور عادت ساحات القصر ومكاتبه تغص بهم. انها الحياة الطبيعية التي افتقدها لبنان مدة طويلة، وكان يترقبها حتى ملّ الانتظار وكاد اليأس يدب في قلوب المواطنين.
وبسرعة لافتة تمت الاستشارات الملزمة، وسمي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، وكاد ان يحظى بالاجماع، لولا معارضة طرف واحد خالف الاجماع، وهذا ليس مهماً، ففي الحياة الديمقراطية هناك موالاة وهناك معارضة، وهذا طبيعي وسائد في كل دول العالم.
كل الامور سارت حتى الساعة بشكل طبيعي وبسرعة يتمناها الجميع، ليعوضوا ما فاتهم خلال فترة التعطيل. الرئيس المكلف سعد الحريري، وبعد زيارات الى رؤساء الحكومات السابقين بدأ استشاراته مع الكتل النيابية، وهنا تبدأ المرحلة الاصعب. فقد انهالت المطالب والشروط، وكل طرف من الاطراف السياسية يسعى الى حصد اكبر نسبة من الغنيمة. فالوزارة هي تضحية وجهاد، ولكنها عندنا، ومع هذا الطقم السياسي، هي سباق الى الغنيمة، لقد بدأ الرئيس المكلف يصطدم بالشروط والشروط المضادة والفيتوات، وعادت الصراعات تعصف بين السياسيين. ولكن هل يدرك هؤلاء ان اي عرقلة لتشكيل الحكومة وتأخير ولادتها، انما هو عرقلة لمسيرة العهد الذي يريد سيده ان ينطلق بقوة وزخم، ليحقق للناس ما وعد به، والذي ترك ارتياحاً في جميع الاوساط المحلية والخارجية على حد سواء. والمعرقلون لن يلبثوا ان ينكشفوا، وعلى الشعب كل الشعب الذي رحب بالانجاز الكبير الذي تحقق هذا الاسبوع ان يحاسبهم، ولو لمرة واحدة، عليه ان يمسك بزمام الامور ويبرهن انه قادر على المحاسبة.
الرئيس الحريري بدا متفائلاً بعد التكليف، وفي بداية الاستشارات فهل يظل على تفاؤله ام ان الخلافات والكيدية والمطامع ستحبطه وتخفف من عزيمته واندفاعه؟ ان الايام المقبلة ستحمل الجواب على امل الا يطول تشكيل الحكومة الجديدة اكثر من اسبوعين او ثلاثة على ابعد تقدير، لتتمكن الحياة الطبيعية في المؤسسات من ان تستعيد حركتها ونشاطها.
قالوا كلهم ورحبوا بخطاب القسم الذي القاه الرئيس ميشال عون، وجاء من يقترح ان يتحول هذا الخطاب الى بيان وزاري، طالما انه مقبول، لا بل مرحب به من الجميع. فان كانوا صادقين يمر قطوع تشكيل الحكومة بسلام، ومن يعارض او يعترض ينكشف امام الجميع، على الاقل امام المعنيين، فهل من يلجأ الى هذا الحل اولاً لتجاوز المشاكل التي يمكن ان تنجم عن البيان الوزاري، وثانياً تؤلف الحكومة بسرعة وبشكل طبيعي. ويصبح لديها الوقت الكافي لتضع قانون انتخاب عصرياً وحديثاً وعادلاً، تجرى الانتخابات النيابية المقبلة في الربيع على اساسه، وبذلك يكون خطاب القسم قد وفى بوعوده، ان الوصول الى قانون انتخاب عادل لا يقل اهمية عن انتخاب رئيس للجمهورية، لانه اذا جاء وفق الاصول يؤمن للبنانيين ولاول مرة التمثيل الصحيح.
الايام الطالعة محسوبة بالساعات والدقائق فهل يتحقق حلم اللبنانيين؟ وهنا لا بد من التذكير هل ان احداً من الاطراف مستعد لتحمل مسؤولية عرقلة العهد في بدايته؟ الجواب لدى الطبقة السياسية.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق