رئيسي

اللجوء السوري ينهك دول الجوار والمنظمات الانسانية تدعو اوروبا لاستقبال اللاجئين

ما بين السياسة والاقتصاد، ثمة خيط ليس رفيعاً يلخص البعد الانساني للتعاطي مع ملف الازمة السورية. والمدقق في تفاصيل المشهد باطاره العام يتوقف عند هذا الخيط، لجهة انه هو الاساس في جميع المعطيات، بدءاً من مسببات الازمة ـ بحسب ادعاءات مختلف الاطراف – وانتهاء بمتطلبات المرحلة، وفقاً لما هو قائم، وما اصبح امراً واقعاً.

مباشرة، يمكن الدخول في مسالة اللجوء السوري، الذي تحول هو الاخر الى عبء ارهق العديد من الدول، ووضع دول الجوار على حافة الخطر.
تحديداً، يمكن التوقف عند واقع الدولتين اللبنانية والاردنية، حيث تستضيفان قرابة الاربعة ملايين لاجىء سوري. وفي المقابل، يتدنى حجم المساعدات الدولية الى ادنى مستوى. والى القدر الذي لا يكفي لابسط المتطلبات.
في هذا السياق، كشف رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام، ووزير الخارجية الاردني ناصر جودة النقاب عن حجم المأساة التي تعيشها الدولتان جراء اعباء اللجوء السوري. وخاطب المسؤولان مؤتمراً دولياً خصص للبحث في هذا الملف بما يكفي لايصال الصورة كاملة عن معاناة الدولتين في توفير المتطلبات الاساسية التي فرضتها عمليات اللجوء.
فقد انعقد المؤتمر في العاصمة الالمانية تحت عنوان «أوضاع اللاجئين السوريين ودعم استقرار المنطقة»، وشاركت فيه 35 دولة ومنظمة دولية، حذر ممثلوها من تسبب تفاقم أزمة نزوح السوريين بتهديد «الاستقرار» بدول جوار سوريا واكتساب «المنظمات الإرهابية» مزيداً من المناصرين من اللاجئين السوريين.

وعود المساعدات
الا ان وعود المساعدة المالية والإغاثية المحدودة التي خرج بها المؤتمر الدولي حول أزمة اللاجئين السوريين الذي نظمته الخارجية الألمانية الثلاثاء بمقرها ببرلين، عكس ابتعاد هذا المؤتمر عن الطابع التقليدي لمؤتمرات المانحين، وبدا واضحاً تركيز المشاركين فيه على التحذير من التداعيات الكارثية لاستمرار نزوح السوريين على دول الجوار المستقبلة لهم. وأعطى عرض رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة لتداعيات استمرار نزوح السوريين زخماً لمطالبتهما بمساعدة المجتمع الدولي لبلديهما اللذين ذهبت تقديرات – عرضت بالمؤتمر – لاستقبالهما بين 3 و5 ملايين لاجىء سوري في السنوات الأخيرة. وقال سلام إن استمرار الأزمة السورية ألقى بأعباء قاسية في كل المجالات، وأضر بالأوضاع الاقتصادية والأمنية بلبنان المثقل بأكثر من 1،5 مليون لاجىء سوري.
وأشار وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى أن وجود اللاجئين السوريين ببلاده يكبدها خسارة ملياري دولار سنوياً. وأكد باسيل أن «المطالبة بتوطين اللاجئين السوريين بلبنان مرفوض، لأنه يقوض هدف إعادتهم لبلدهم ويزيد التوتر بلبنان».

الاردن يشكو
وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إن «استمرار نزوح السوريين أنهك بلاده ووضعها أمام تحد وجودي، نتيجة زيادة عدد السكان بنسبة 21%  مما زاد من انتشار البطالة وألقى أعباء فادحة على قطاعات الصحة والتعليم والمياه والطاقة في البلد المعروف بفقره المائي واعتماده بنسبة 96% على مصادر طاقة خارجية».
واستعرض جوده العبء الذي يتحمله الاردن نتيجة لتدفق اللاجئين السوريين في مختلف القطاعات. مبيناً ان الأردن يستضيف نحو 1،5 مليون سوري، أقل من 9 بالمئة منهم يقيمون في مخيمات اللاجئين. فيما يعيش البقية في المجتمعات المحلية ما ادى الى زيادة سكانية هائلة انعكست اثارها على المملكة والمواطنين في جميع المجالات.
وقال ان نظامنا التعليمي تاثر بشكل كبير نتيجة لاستيعاب أكثر من 140 ألف طالب سوري وتوقفت خطط التنمية والإصلاح التعليمي لدينا وتحول التركيز نحو التعامل مع ازدحام المدارس و بدء التدريس بنظام الفترتين فيها وعانت الخدمات الصحية لدينا أيضاً بالقدر عينه كما ارتفع عدد اللاجئين السوريين الذين يلتمسون العلاج في المستشفيات العامة ما يقرب من 250 بالمئة، وارتفع عدد العمليات الجراحية التي تجرى في المستشفيات الحكومية بما يقرب من 600 بالمئة.
واشار الى تأثر قطاع المياه خصوصاً وان الاردن يعد رابع أفقر دولة في الموارد المائية، بما فيها الضغوط على البنية التحتية للمياه والنفايات ومعالجة المياه التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة وغير محتملة وكذلك تاثير ذلك على الاقتصاد والخدمات الحكومية المقدمة والبنى التحتية والامن والموارد وعدم قدرة البلد على تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين.

دعوة اوروبا لفتح ابوابها
من جانبها علقت منظمة برو أزيل الألمانية، وهي أكبر منظمة لمساعدة اللاجئين بأوروبا، على المؤتمر الدولي حول اللاجئين السوريين، بمطالبة دول الاتحاد الأوروبي بفتح أبوابها لاستقبال اللاجئين السوريين.
وقال الأمين العام للمنظمة غونتر بوركهاردت إن استقبال الدول الصناعية 42 ألف لاجىء سوري يمثل رقماً ضئيلاً أمام نحو ثلاثة ملايين لاجىء استقبلتهم الدول المجاورة لسوريا.
من جهته، قال وزير التعاون الدولي الألماني غيرد مولر إن «المؤتمر مثل رسالة تضامن مع اللاجئين السوريين والدول المستضيفة لهم، مع قدوم الشتاء وبالتزامن مع تحذير برنامج الغذاء العالمي من تقليص الموارد المخصصة  لمساعدة اللاجئين السوريين».
وعزا وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير راعي المؤتمر استبعاد طرفي الأزمة السورية، نظام بشار الأسد والائتلاف السوري المعارض من المشاركة بالمؤتمر للطبيعة الخاصة لهذا المؤتمر، وتركيزه على دعم دول جوار سوريا المستقبلة للاجئيها. وحذر شتاينماير من تفاقم أزمة اللاجئين السوريين لاستقرار المنطقة، وأشار إلى أن تداعيات هذه الأزمة تفوق إمكانيات جيران سوريا الذين باتت أوضاعهم هشة ومهددة، وشدد على أهمية تقديم مساعدات تعليمية للاجئين السوريين بدول الجوار حتى لا تستغلهم منظمات متطرفة، ولفت إلى أن وجود 400 ألف تلميذ سوري بمدارس لبنان فاق أعداد التلاميذ اللبنانيين.
وقال شتاينماير إن بلاده التي استقبلت 70 ألف لاجىء سوري، رفعت مساعدتها الإنسانية للاجئين السوريين ودول جوارهم من 140 مليون يورو  الى 500 مليون يورو هذا العام، وخصصت 100 منحة دراسية مجانية لطلاب لاجئين سوريين.

مخيمات في المانيا
من ناحيته أعلن وزير التعاون الدولي الألماني غيرد مولر عزم بلاده إقامة 18 مخيماً لإيواء اللاجئين السوريين بشمال العراق بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف). وعبر المفوض الأممي السامي للاجئين أنطونيو غوتيريز عن رضاه عن محصلة مؤتمر برلين «لأنه أوصل تحذيرا للمجتمع الدولي من كارثة إنسانية مقبلة إن لم يزد مساعداته لدول جوار سوريا لتتمكن من استضافة أعداد أكبر من اللاجئين من جارتهم المضطربة».
ودعا غوتيريز لتوجيه الأموال إلى الأردن ولبنان وتركيا التي وضعتها الأزمة الإنسانية بمواجهة تحديات قاسية تفوق إمكانياتها، وامتدح المسؤول الأممي ألمانيا معتبراً استقبالها لسبعين ألف لاجىء سوري يعد مثالاً يحتذى لدول أوروبية، ودعا ألمانيا لفتح أبوابها أمام المرضي وضحايا العنف السوريين.
في سياق مواز، اعاد وزير الخارجية الاردني التأكيد على اهمية اطلاق عملية سياسية والتوصل الى حل سياسي يضمن وقف اراقة الدماء والتدمير و يؤدي الى الحل السياسي للازمة وخصوصاً الإنسانية داعياً المؤتمر الى ان يكون انطلاقة لهذه العملية السياسية.
وأكد جوده أن المعركة بين الاسلام المعتدل والاسلام المتطرف وخصوصاً المعركة الايديولوجية والتي تتطلب نشر الفكر المستنير الذي يعكس الصورة الحقيقية للاسلام حيث يعتبر الاردن في طليعة الدول المبادرة في هذا الاطار، إضافة الى ضرروة إحياء المفاوضات الجادة بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتي نرى في غيابها اجراءات اسرائيلية احادية مستمرة كالاستيطان المرفوض دولياً والانتهاكات في الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، والتي تعتبر بمجملها عوامل مغذية للمزيد من التطرف وعدم الاستقرار تملي علينا أن نبذل قصارى جهدنا للعودة الى الحل السياسي الذي يضمن انهاء الأزمة السورية.

برلين – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق