رسائل ايرانية تحذيرية: اسقاط الاسد يهدد امن اسرائيل

مع انها لم تصمت قط، الا ان رسائل ايران بخصوص الازمة السورية لم تكن بمثل هذا المستوى من الوضوح في اية لحظة سابقة. حيث خرج المسؤولون الايرانيون عن دبلوماسيتهم، وبدأوا بكشف اوراقهم السياسية والامنية والعسكرية في ما يخص تطورات الملف السوري.
الخطوة الايرانية التي رصدها متابعون لتعقيدات الازمة، تزامنت مع دخول الملف عنق الزجاجة، ومخرجات الامر الواقع، الذي تحاول الاطراف المختلفة فرضه املاً بالحصول على نصيب من «الكعكة» التي تكشفت بعض عناصرها. والتي يمكن قراءة اطارها العام عبر نوافذ ضيقة يمكن استشرافها من خلال تقاطعات سياسية وامنية وغيرها. وقد تكون معركة «كوباني»، واحدة من ابرز مفاصلها.
الموقف الايراني «الجديد» زاوج بين البعدين العسكري، والسياسي، ودخل في مقاربات اقل ما يمكن استشرافه من خلالها انها تفتح البوابات على فضاءات توافقية في بعض الجوانب السياسية، احد عربوناتها الموقف الاميركي الذي يدين هجمات القاعدة ضد الحوثيين في اليمن.
من ابرز التفاصيل في هذا الملف، خروج إيران بموقف ملفت للانتباه حيال التطورات في سوريا، إذ أعلن نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان، أن سقوط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، سيكون خطراً على أمن إسرائيل، مؤكداً أن بلاده قد أعلمت الغرب بذلك.
تبادل الرسائل مع اميركا
ونقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن عبد اللهيان قوله، إن بلاده قد تبادلت الرسائل مع أميركا حول الصراع الدائر مع تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سوريا والعراق، بإشارة أولى من نوعها، وتعترف بوجود تنسيق بين البلدين، بعد تبادل الاتهامات خلال الفترة السابقة.
وتابع عبد اللهيان بالقول إن إيران حذرت أميركا وسائر الدول المتحالفة معها من أن السعي لإسقاط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، خلال المواجهة القائمة مع داعش، سيعرض أمن إسرائيل للخطر.
يشار إلى أن إيران تدعم منذ بدء الأحداث في سوريا نظام الأسد بالمال والسلاح، وفقاً لما تتهمها به المعارضة السورية والعواصم الغربية، وقد سبق أن وجهت إيران انتقادات قاسية للتحالف الدولي بمواجهة داعش، مشككة في جدواه وفاعليته.
ويتهم النظام السوري جهات دولية عدة، بينها إسرائيل، بمعاداته والرغبة في التخلص منه لدوره ضمن ما يعرف بحلف «المقاومة والممانعة» الذي يضم دمشق إلى جانب طهران وحزب الله وجهات إقليمية أخرى.
في الاثناء، اشارت تقارير متابعة لتفاصيل الملف، الى ان إيران كثفت إرسال شحنات السلاح إلى الميليشيات الشيعية، التي تقاتل مع قوات النظام السوري، وضاعفت تدريب أفرادها، في وقت يحتدم الصراع ضد تنظيم «داعش». ويرى مراقبون أن تنامي قدرات المعارضة السورية، التي تتلقى السلاح والتدريب من الولايات المتحدة ودول عربية داعمة، أثار قلق طهران على أكبر حلفائها في المنطقة.
وكان الكونغرس وافق على تقديم مساعدات وأسلحة بقيمة 500 مليون دولار إلى فصائل المعارضة السورية المعتدلة، فيما يجري تدريب نحو 10 آلاف مقاتل في دول قريبة من حلبة الصراع. وسيعود هؤلاء لرفد قوات الجيش السوري الحر بقدرات قتالية عالية.
وبدافع الخوف من تأثير هذه التطورات في موازين القوى على الأرض لغير مصلحة النظام السوري، قررت إيران إقامة جسر جوي لنقل صواريخ وقذائف هاون إلى ميليشياتها التي تقاتل الجيش السوري الحر وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على جبهتين منفصلتين، وكذلك إرسال طائرات بدون طيار لرصد تحركات قواتهما.
ونقلت صحيفة التايمز عن مصادر إيرانية مطلعة إن إيران اتخذت هذا القرار خلال اجتماع عُقد في دمشق أخيراً بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وأكدت المصادر أن إيران والنظام السوري على اقتناع بأن الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ستعقبها محاولة لإسقاط الأسد.
الحرس الثوري
وتشير التقديرات الى أن نحو الفين من عناصر الحرس الثوري الإيراني يتمركزون في سوريا مع رهط من القادة العسكريين وكوادر الإسناد، الذين يشرفون على ميليشيات شيعية، تضم مقاتلين من لبنان وباكستان وأفغانستان.
وبحسب مستشار للحكومة الإيرانية وافقت طهران على زيادة الدعم في مجال التدريب والمعدات، ولكنها تمانع بشأن إرسال المزيد من الجنود على الأرض. ونقلت صحيفة التايمز عن المسؤول الإيراني أن طهران «تنظر بحذر شديد» إلى المعركة الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، خشية «تحوّلها إلى تدخل ضد النظام».
وأشارت دول صديقة للشعب السوري إلى أن المعركة ضد داعش يمكن أن توفر ظروفًا مؤاتية لتطوير قدرات المعارضة المعتدلة ضد نظام الأسد. وأسهم قرار الولايات المتحدة استئناف دعمها للجيش السوري الحر في ضمان مشاركة عربية مهمة في التحالف الدولي ضد الجهاديين.
ومن مفارقات الوضع الذي أوجده صعود داعش حدوث تقسيم عمل ضمني بين الولايات المتحدة وإيران في العراق. إذ تكفلت الضربات الجوية الأميركية في شمال العراق بوقف تقدم مسلحي داعش على مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان. وفي بغداد تولى الجنرال سليماني تنظيم الدفاع عن العاصمة العراقية والإشراف على قيادة الميليشيات الشيعية التي حُشدت لهذا الهدف.
وأسهم التعاون غير المكتوب بين القوات الخاصة الإيرانية في العراق والإسناد الجوي الأميركي في تحرير بلدة آمرلي ذات الغالبية التركمانية الشيعية في أيلول (سبتمبر). كما أقدمت الولايات المتحدة وإيران على تسليح قوات البشمركة الكردية التي تقاتل داعش في الشمال.
ايران تحذر
في الاثناء، حذرت طهران بشدة من التحركات التركية في سوريا والعراق. وفي هذا الصدد، قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني إنه ينبغي عدم السهو عن التحركات التركية في العراق وسوريا، واصفاً إياها بأنها «خطيرة». واعتبر أن من شأن الضربات الجوية التي تنفذها الولايات المتحدة وحلفاؤها في سوريا ضد «تنظيم الدولة الاسلامية» داعش ان تؤدي الى تصعيد الأزمة أكثر من حلها.
واعتبر لاريجاني خلال اجتماع كتلة المحافظين في البرلمان لبحث الأوضاع في العراق وسوريا وکذلك المفاوضات النووية، أن بعض ما تقوم به تركيا في المنطقة «خطير»، مؤکداً على ضرورة عدم الغفلة عن تحرکاتها في العراق وسوريا.
وأدان لاريجاني الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، معتبراً أن هذه الخطوة تعمل على تصعيد الأزمات في المنطقة. ووصف مزاعم الولايات المتحدة الأميركية بالقضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط – بحسب ما نقلته قناة «برس تي في» الإيرانية بأنها «مزحة سياسية سخيفة»، مشيراً إلى أن مثل هذه الضربات الجوية ستسفر عن مقتل أو تهجير المدنيين، بالإضافة إلى تنامي الإرهاب.
وأكد لاريجاني في كلمته أمام البرلمانيين أن دول الشرق الأوسط يمكنها اجتثاث «الإرهاب» بنفسها شريطة أن تتوقف الولايات المتحدة وحلفاؤها عن دعم المسلحين في المنطقة، بحسب قوله.
وتنظر إيران إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بريبة، حيث اكد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أن إيجاد الحل بالنسبة الى الأوضاع في سوريا والعراق يحتاج إلى إستراتيجية شاملة وليس فقط إلى تحرك عسكري.
ورداً على موافقة البرلمان التركي على التدخل في العراق وسوريا، حذر ظريف أنقرة من زيادة تفاقم الوضع في الشرق الأوسط في حال التدخل عسكرياً في سوريا والعراق.
في سياق مواز، اعلنت وزارة الخارجية الروسية ان الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا سيصل الى روسيا في 21 تشرين الاول (اكتوبر) الحالي لاجراء محادثات.
ونقلت وكالة انترفاكس عن نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف قوله ان دي ميستورا سيلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وتم تعيين دي ميستورا موفداً الى سوريا في تموز (يوليو) الماضي بعد استقالة سلفه الدبلوماسي الجزائري الاخضر الابراهيمي في ايار (مايو) عقب فشل محادثات السلام.
ضربات جوية
وفي آب (اغسطس) الماضي اطلقت الولايات المتحدة حملة من الضربات الجوية في العراق امتدت الى سوريا في ايلول (سبتمبر) لوقف تقدم الجهاديين.
ورغم الضربات الجوية يواصل الجهاديون احراز تقدم على الارض في سوريا والعراق بما في ذلك عين العرب قرب الحدود التركية.
وقالت موسكو ان اي خطة لاقامة منطقة عازلة في سوريا، كما تطالب تركيا، تحتاج لموافقة الامم المتحدة.
واشتكى غاتيلوف من ان واشنطن لم ترد بعد على اقتراح اعادة اطلاق محادثات بشأن الازمة في سوريا، معرباً عن الامل في ان تساهم زيارة الموفد الدولي في اعطاء زخم للمفاوضات.
وقال غاتيلوف «نعتبر زيارته مهمة لانه بحلول ذلك الوقت يكون قد زار جميع العواصم الرئيسية في منطقة الشرق الاوسط والتقى العديد من الشخصيات السياسية».
واضاف، نتوقع منه ان يحمل افكاراً جديدة نتيجة اتصالاته في المنطقة ونأمل ان يساعد ذلك في عملية التفاوض السياسي التي لسوء الحظ توقفت في الاشهر القليلة الماضية.
وتسبب النزاع في سوريا بمقتل اكثر من 180 الف شخص منذ آذار (مارس) 2011. ولا يتضح بعد وجود ارادة سياسية كافية لبذل جهد جديد لايجاد حل دبلوماسي للنزاع.
وموسكو من اقوى مؤيدي نظام الرئيس السوري بشار الاسد وقد مارست حق الفيتو لمنع اتخاذ قرارات ضده في الامم المتحدة.
أ . ح