تحذيرات دولية من سقوط ليبيا بيد «جهاديين»، واستعداد فرنسي للتدخل العسكري المباشر

ما بين الهدوء الحذر والنادر، والصراع الدامي الذي يشكل غالبية الاوقات، يعيش الليبيون حياتهم متطلعين الى «معجزة» تنقذهم مما هم فيه. فما ان تهدأ الاوضاع لساعة من الزمن، حتى تندلع المواجهات لايام عديدة. وسط حالة من التناحر بين اطراف الصراع، التي يجزم متابعون ان بعضها غير معروفة. ويثور جدل حول بعض المرجعيات التي تغذي ذلك الصراع.
فقد اكد تقرير للامم المتحدة ان انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ارتكبت خلال اشتباكات في مدينتي طرابلس وبنغازي الليبيتين كانت لها عواقب كارثية على المدنيين.
ويأتي تحذير بعثة الامم المتحدة في طرابلس ومكتب حقوق الانسان بعد ايام قليلة على اقرار الحكومة الليبية الموقتة من ملجأها في شرق البلاد بانها فقدت السيطرة فعليا على طرابلس وباتت الميليشيات المسلحة تسيطر عليها. واتهم التقرير المسلحين بالقيام بقصف عشوائي ومهاجمة اهداف مدنية، وقصف مستشفيات وخطف مدنيين والقيام بعمليات تعذيب وقتل تعسفي للمدنيين وبينهم نساء واطفال.
خطف العشرات
وقال التقرير ان عشرات المدنيين خطفوا، كما يتردد، في طرابلس وبنغازي لمجرد انتمائهم القبلي او الديني، او الاشتباه بذلك الانتماء، ولا زالوا مفقودين منذ اختطافهم. وناشدت وكالتا الامم المتحدةالاطراف كافة ان تجعل حماية المدنيين من اولوياتها.
وقالت المنظمتان ان على المجموعات المسلحة ان تكف عن انتهاك حقوق الانسان الدولية والقانون الانساني وخصوصاً كل الاعمال التي تصل الى جرائم حرب بما في ذلك القصف العشوائي والاخفاء القسري والقتل والخطف والتعذيب وغير ذلك من سوء المعاملة وتدمير الممتلكات.
وقال البيان، انه على المجموعات المسلحة كافة ان توقف عناصرها المشتبه بارتكابهم انتهاكات عن الخدمة الفعلية وتسلمهم الى العدالة. ويشمل التقرير الفترة من منتصف ايار (مايو) الى نهاية آب (اغسطس). واضاف البيان انه يمكن تحميل مسؤولية ارتكاب جرائم للقادة السياسيين او العسكريين ليس فقط اذا ما اصدروا الاوامر بارتكاب جرائم، بل ايضاً اذا ما كانوا في موقف يمكنهم من ايقاف ذلك والامتناع عنه. وتقدر الامم المتحدة عدد النازحين بسبب الاشتباكات بمئة الف شخص على الاقل، اضافة الى فرار نحو 150 الفاً من البلاد بينهم عدد كبير من العمال الاجانب. ويقول التقرير ان العمال الاجانب كانوا عرضة بشكل خاص لاعمال العنف وواجهوا صعوبات في عبور الحدود مع لاجئين وطالبي لجوء.
ويضيف التقرير ان المسلحين يستمرون في مضايقة الصحافيين ومهاجمتهم بما في ذلك فرض قيود على حركتهم ومصادرة معداتهم وخطفهم وقتلهم.
قتلى وجرحى
في الاثناء، قالت مصادر طبية، ان نحو 12 شخصاً قتلوا وأصيب عشرة في اشتباكات بين جماعات مسلحة متناحرة قرب العاصمة الليبية طرابلس.
وقالت تقارير صحفية، ان الاوضاع هادئة الى حد كبير في طرابلس منذ ذلك الحين لكن مقاتلي عملية فجر ليبيا يحاولون السيطرة على منطقة ورشفانة القبلية جنوب غربي العاصمة. والمنطقة متحالفة مع قوات الزنتان.
وأشارت التقارير الى وقوع قصف عنيف بالمدينة وهو ما أكده السفير البريطاني مايكل ارون. وقال عبر تويتر خلال زيارة لطرابلس السبت «المدينة هادئة. وخرجت العائلات للجلوس على البحر الليلة الماضية. لكن قصف مناطق ورشفانة سمع بوضوح».
وسحب دبلوماسيون غربيون وموظفون بالامم المتحدة من ليبيا بسبب أعمال العنف. وانتقلت حكومة البلاد الضعيفة والبرلمان المنتخب مؤخراً الى طبرق في شرق البلاد. ويخشى جيران ليبيا والقوى الغربية من تحولها لدولة فاشلة في ظل عدم امتلاك الحكومة لجيش وشرطة حقيقيين لمواجهة عشرات الجماعات المسلحة التي تجوب أنحاء البلاد بلا منازع.
في سياق متصل، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من «مغبة التدخل الدولي» في ليبيا حيث تسيطر ميليشيات مقربة من الاخوان على العاصمة طرابلس. وصدر هذا التحذير عن السيسي خلال اجتماع عقده مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي كان متواجدا في القاهرة للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية العرب، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد بن بندر بن عبد العزيز آل سعود، بحسب ما قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية ايهاب بدوي.
واكد بدوي ان السيسي اكد خلال الاجتماع «حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والاستتباب الأمني في ليبيا، والحيلولة دون سقوطها في براثن الإرهاب مستعرضا الجهود المصرية المبذولة في هذا الشأن». واضاف ان الرئيس المصري “حذر من مغبة التدخل الخارجي في ليبيا واكد ان مصر لن تتهاون في الحفاظ على أمنها القومي».
تحرك فرنسي
الى ذلك، حث وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان المجتمع الدولي على اتخاذ إجراء لتحقيق الاستقرار في ليبيا والحيلولة دون تحولها إلى ملاذ للإرهابيين.
وقال لودريان لصحيفة «لو فيغارو» انه ينبغي أن نتخذ إجراء في ليبيا ونعبىءالمجتمع الدولي، مضيفاً أنه سوف يطرح القضية خلال اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في ميلانو. وقال لودريان إن المدن الليبية تواجه خطر السقوط في أيدي «الجهاديين».
وأضاف أنه مع ذلك فإن صحراء جنوب ليبيا تحولت إلى وكر تأتي إليه المجموعات الإرهابية وتخزن فيه الأسلحة. وذكر لودريان أن قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية المتمركزة في مالي المجاورة لليبيا يمكن أن تتحرك نحو الحدود لمنع تسرب العنف إلى أراضي مالي.
واعتبر وزير الدفاع الفرنسي من جهة أخرى أن الانتشار العسكري الفرنسي قد يتوسع في اتجاه الحدود الليبية، بما في ذلك إمكانية تحرك قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية المتمركزة في مالي، نحو ليبيا لمنع تسرب العنف إلى أراضي مالي. وقال ان «كل هذا الأمر سيجري بالتنسيق مع الجزائريين، وهم عامل مهم في هذه المنطقة».
الى ذلك عاد التيار الكهربي للمنطقة الغربية بليبيا بعد أن خيم عليها الظلام التام الليلة قبل الماضية.
وأفادت وزارة الكهرباء والطاقات المتجددة على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك) بأن سبب الانقطاع التام للتيار الكهربائي على المنطقة الغربية نجم عن احتراق خلية المحول 30 كيلوفولت بمحطة تحويل الإسكان الصناعي. وقال مدير دائرة الإعلام بالشركة العامة للكهرباء لطفي غومة إن الكهرباء انقطعت عن المنطقة الممتدة من غرب طرابلس إلى رأس جدير. يذكر أن المنطقة الغربية تعرضت في الآونة الأخيرة لعدد من الأعطال الفنية في شبكة الكهرباء بسبب الاشتباكات المسلحة فيها.
معركة حاسمة
في الاثناء، أكد العقيد محمد حجازي الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي في مدينة بنغازي شرق ليبيا أن قوات الجيش التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على وشك شن «معركة حاسمة» لاجتياح بنغازي وطرد الميليشيات المسلحة والمتطرفة الموجودة فيها.
ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن حجازي أن قوات الجيش الليبي نجحت على مدى اليومين الماضيين في إنزال هزيمة كبيرة وإلحاق خسائر فادحة بالمتطرفين على مستوى المقاتلين والعتاد العسكري.
وقال حجازي إن «قواتنا تتقدم في مختلف المحاور والاتجاهات، وانها قتلت أكثر من 200 من الخوارج المتطرفين، وان الحملة العسكرية مستمرة ونحن بصدد القيام بعملية اجتياح لبنغازي».
وأرجع حجازي تأخر الحسم العسكري في المواجهات الضارية بين قوات الجيش والمتطرفين إلى تحصن هؤلاء بالمناطق السكنية، مؤكداً أن الجيش يتفادى قصف المناطق المأهولة بالسكان حرصاً على سلامة المدنيين.
وأضاف، «قواتنا ما زالت مسيطرة على قاعدة بنينا الجوية»، نافياً بذلك مزاعم ما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي الذي يضم مقاتلين من تنظيم أنصار الشريعة وميليشيات إسلامية متطرفة عدة متحالفة معه، عن اقتراب المتطرفين من القاعدة الجوية، موضحاً: «نحن نقوم بقصفهم بالمدفعية والطائرات».
وكشف حجازي النقاب عن وصول متطرفين من مقاتلي درع ليبيا الوسطى ومدينة مصراتة بغرب ليبيا إلى مدينة بنغازي مؤخراً للانضمام لصفوف المتطرفين، موجها انتقادات عنيفة لمصراتة ووصفها بأنها مدينة خارجة عن الشرعية وتصدر الإرهاب.
كما كشف حجازي عن أن مقاتلين من تنظيم داعش المتطرف أيضاً ويحملون الجنسيات الباكستانية والجزائرية والمصرية، انضموا حديثاً إلى الجماعات المتطرفة في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي.
وتعهد حجازي باستمرار الغارات الجوية التي يقوم بها سلاح الطيران التابع لعملية الكرامة من أجل القضاء على «الإرهابيين» وقصف جميع مواقعهم العسكرية ودحرهم نهائياً. ووعد بتكثيف الغارات على كل المدن «المختطفة» وخصوصاً، درنة وبنغازي «شرقاً» وطرابلس «غرباً»، وأية مواقع أخرى نعتقد أن فيها تجمعات للإرهابيين أو مخازن أسلحة تابعة لهم. ولوح باستخدام الطائرات في القصف والملاحقة.
وكان اللواء حفتر قد بدأ «عملية الكرامة» في منتصف أيار (مايو) الماضي لتطهير ليبيا ممن وصفهم بالمتطرفين والمتشددين الإسلاميين.
قسم الحكومة
في الاثناء، أدت حكومة عمر الحاسي اليمين القانونية أمام المؤتمر الوطني العام في طرابلس، بينما مثل وزير الخارجية في حكومة عبدالله الثني – المكلفة من قبل مجلس النواب الليبي بطبرق – ليبيا في اجتماع لـجامعة الدول العربية في القاهرة. وقال المتحدث باسم المؤتمر الوطني عمر حميدان إن المؤتمر وافق على «حكومة الإنقاذ الوطني»، التي يترأسها عمر الحاسي، وتتضمن 19 حقيبة وزارية.
وكان المؤتمر الوطني العام استأنف عمله مؤقتاً بطلب من قوات فجر ليبيا، وكلف الحاسي بتشكيل حكومة إنقاذ لتعالج الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد.
وانقسم المشهد السياسي الليبي بشدة بين الليبراليين، الذين عقدوا في مدينة طبرق جلسة مجلس النواب المنتخب في حزيران (يونيو) الماضي، وأعلنوا حكومة مؤقتة يرأسها عبدالله الثني، والإسلاميين الذين تمسكوا بالمؤتمر الوطني العام -على اعتبار أن عدم عقد جلسة البرلمان بطبرق غير دستورية – وشكلوا حكومة برئاسة الحاسي في طرابلس.
طرابلس – «الاسبوع العربي»