صحة

علاج «عدم التوازن» الى الأمام و«الدوار» الى الوراء!

تعددت الأسباب والعارض مبدئيا واحد: دوارٌ وعدم إتزان. نلقي التهمة على «السترس»؟ قبل أن نفعل هذا فلنبحث في الخفايا وسنجد أكيد خبايا تُسطر لنا تحت السبب وتفتح لنا الباب عريضاً الى علاج لا الى مجرد تعامل مؤقت مع الحالة.
هل تشعرون بدوار؟ أكثر من مليوني إنسان يقصدون سنوياً الطبيب بسبب دوار… فهل هذا يكفي؟ هل يكفي أن نقول للطبيب: نشعر بدوار لننال العلاج؟ وما دور مراكز علاج التوازن في الموضوع؟

لفتنا الخبر: افتتح المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت مركز علاج التوازن الأول في لبنان. ممتاز. الخبر طبعاً سار في عالم بات مخضوضاً بدوارٍ مستحكم مزمن مستديم. الأحداث الأمنية المأساوية تتكرر في عالمنا والمسؤولون يبدون وكأنهم في حال من عدم الإتزان. ثمة عالم نعيش فيه مفتوح على كل أنواع العلل التي تبعث حتماً الى الشعور بدوار وبتقيؤات ترتد على سلوكية الإنسان، على الفرد، فيعيش العلة ويعاني العارض ويبحث عبثا عن حلٍ وشفاء… فهل سبب عدم التوازن الذي يشعر به بعضنا نفسي؟ هل هو عضوي؟
لا، لسنا نخلط شعبان برمضان بل نتكلم في الإجمال، في العموم، لندخل منه الى الفرد ونبحث في العلة سائلين: هل من شأن افتتاح مركز علاج التوازن إحداث فرق في الموضوع؟ هل بات بامكان من يشعر بدوار لألف سبب وسبب، تحديد العلة والسبب؟

التقاط أدق الإشارات

في الطبقة السادسة في مبنى المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت يقع مركز علاج التوازن. ومدير المركز الطبيب المتخصص في أمراض وجراحة الأذن الدكتور مارك باسيم في الإستقبال. مبتسمٌ هو عادة، ربما لأن الإبتسامة هي مفتاح علاج حتى لأشرس أنواع الأمراض: فالتفاؤل سرّ والإبتسامة منبعها بعض التفاؤل. مركز التوازن يعمل ومرضاه من كل الأعمار. والآلات الموجودة حديثة جداً وقادرة على التوغل في تفاصيل الجسد لالتقاط أدق الإشارات التي تتسبب بالدوار وعدم التوازن.
نسأل الدكتور باسيم عن مركز الدوار فيُصحح: إنه مركز التوازن ويشرح: «عملنا يتجاوز حدود الدوار العادي ليبلغ كل أشكال التوازن سواء الذي ينتج عن مشاكل في الأذن أو في العضل أو المفاصل أو حتى ما قد تتسبب به الجلطات».
ويستطرد بتأكيد: «نعم، حتى الجلطة قد تتسبب بعدم توازن ودوار. لهذا هدفنا، من خلال إنشاء مركز متخصص، تحديد مكمن الداء بسرعة وهذا ما يُساهم به وجود مركز قائم في ذاته يضم كل التجهيزات والإختصاصات المطلوبة بحيث نغطي كل المشاكل التي تتسبب بدوار بطريقة سريعة وبكلفة أقل».
المريض الذي يعاني من عدم توازن ودوخة قد يحتاج الى ست أو سبع زيارات طبية والى أنواع شتى من الفحوصات قبل أن يتمكن الطبيب من تحديد سبب ما يشعر به، لكن تبين في دراسة أجريت على مراكز متخصصة في أوروبا وأميركا أن عدد الزيارات انخفض الى زيارة واحدة أو اثنتين في هكذا مراكز مع ما يستتبع هذا من كلفة مادية أقل ونفسية أفضل.

التشخيص الدقيق والعلاج السريع

يؤثر الدوار وعدم التوازن الجسدي على نوعية الحياة كلها فتتعطل إمكانية العمل والقيادة والإستقلالية الشخصية… والسؤال: كيف يتعامل المركز مع مرضى الدوار؟
يجيب باسيم: قد يصل المريض الى المركز حاملاً تشخيص طبيب وقد يتوجه مباشرة الى المركز حيث يتم تشخيص حالته عبر إجراء الفحوصات المطلوبة، أما من يأتي إلينا طالباً من تلقاء نفسه إجراء فحوصات معينة فننصحه عادة باستشارة طبيب قادر على الإقتراب من التشخيص الصحيح وتحديد الفحوصات الصحيحة القادرة على الإشارة بدقة الى حالته. ويسأل الطبيب عادة مريضه جملة أسئلة ليتأكد إذا كانت المشكلة نابعة من الأذن أو من الرأس أو العضلات والمفاصل وقد يستلزم أحياناً أكثر من فحص لتحديد المشكلة. هدف المركز المتخصص إذاً تركيز العمل ورفع الكفاءة وجمع الخبرات ليتكامل التشخيص الدقيق والعلاج السريع فلا يتكهن الطبيب في التشخيص قائلا مرة أن المشكلة تتأتى من الأذن ثم يعود ويقول ربما هي من العين أو قد تكون من القدم أو…
لا يعد الدكتور باسيم المرضى بأن مشكلة عدم التوازن قد تحل في 24 ساعة لكنه يعدهم بأنها ستنتهي بالتأكيد أسرع من قبل لأنه، يقول، ما إن نحدد سبب المشكلة حتى نكون قد بلغنا حافة الحل وهدفنا السرعة في تحديد المشكلة.
عرفنا أن أسباب عدم التوازن كثيرة لكن أي أسباب تزيد عن سواها: الأذن؟ الدماغ؟ المفاصل؟
يجيب باسيم: أكثرية المشاكل تنتج عن الأذن الداخلية وهناك مشاكل عدم توازن كثيرة يتسبب بها الصداع. وهنا، يضيف، أشدد أن المشاكل تتأتى دائماً عن الأذن الداخلية لا الأذن الوسطى كما يظن البعض. الأذن الوسطى ليس لديها تأثير إلا على التقاط الصوت لا على التوازن، أما الأذن الداخلية فتحتوي على ثلاث قنوات في كل أذن، وظيفة ثلاثتها تنبيه مراكز التوازن الى الأوضاع المختلفة التي يكون فيها الجسم.

ماذا عن المشاكل النفسية؟
يبتسم باسيم وهو يجيب: هذا للأسف ما نسمعه كثيراً ويتكرر على لسان بعض الأطباء أيضاً، لكنني أجزم أن غالبية المشاكل تكون عضوية لا نفسية لكن حين يشعر الإنسان بالقلق والتشاؤم أو الحزن قد يرتد هذا على جسمه كله فتظهر مشاكله العضوية جلية وليس العكس.
جهاز التوازن هو من أكثر أجهزة الجسم تعقيداً وهو، ليس واحداً بل يتشكل من مجموعة أجهزة تعمل في شكل متناسق متناغم من أجل الحفاظ على توازن الجسم ككل وتوازنه مع كل ما يحوطه من تفاصيل، أما الأجهزة المسؤولة مباشرة عن التوازن فهي: الأذن الداخلية كما سبق وقلنا وهي التي تلاحظ اتجاهات الحركة مثل الدوران الى الأمام أو الوراء ومن اليمين الى اليسار ومن أعلى الى أسفل، وهناك أيضاً الدماغ أو المخيخ كما يُسمى والعيون ويوجد أيضاً الجهاز الحسي العصبي العميق الذي يقدم عادة المعلومات من الأجهزة السابقة من أجل تحقيق نوع من الترابط الحسي خارجها كلها. 
نتكلم كثيراً عن عدم الإتزان والسؤال: بماذا يشعر المرء حينها؟ 
عدم الإتزان هو حالة يشعر خلالها المريض بأنه يدور على نفسه أو أن المكان هو الذي يدور به وبأن كل ما هو من حوله يتحرك، وغالباً ما يحدث الدوار حين يكون المريض في فراشه، أثناء تقلبه في سريره، أو خلال النظر الى أعلى أو بعيد قيامه بحركة مفاجئة وسريعة. 
تعددت الأسباب إذاً والنتيجة واحدة: عدم التوازن الذي يشمل، في ما يشمل، الدوار. ويقول الدكتور باسيم: أن هناك بعض المشاكل تُحل بسهولة، مشكلة الرمل في الأذن مثلاً قد تحل بعشر دقائق، أما عدم التوازن الناتج عن الجلطة فقد يحتاج الى سنة أو حتى الى سنتين، في حين قد تتطلب العملية في الركبة الى ستة أشهر ليستعيد المريض كامل توازنه، أما مشكلة المانيير فقد تتطلب كثيراً كثيراً من الوقت…
ما هي مشكلة المانيير هذه؟
هي تنتج، بحسب باسيم، عن مشكلة في ضغط الأذن الداخلية، أما أسبابها فمجهولة، قد يردها بعض الأطباء الى فيروسات معينة أو الى عوامل وراثية أو حتى الى ضغوطات «سترس»، ما يؤدي الى لعب في ضغط الأذن الداخلية، حين يزيد يؤدي الى حصول ما يشبه الهدير والى ضعف في السمع وحدوث حالات عدم توازن مع ما يستتبع هذا من غثيان وتقيؤات وقد تدوم هذه الحالة نصف ساعة أو ساعة أو حتى 48 ساعة.
والمانيير قد يأتي فجأة ليعود ويغيب أياماً أو أشهراً أو حتى سنوات ومن ثم يعود. لا نظام لهذا المرض ولا حل نهائياً بالتالي له. لهذا يقتصر التعامل مع المرض بعيد اكتشافه باتباع نظام غذائي بعيد كلياً عن الملح والكافيين وقد تدخل بعض الأدوية أو الإبر وصولا الى العمل الجراحي.
كل الأمراض تؤثر إذاً على النفس قبل الجسد لكن، في حالات الدوار وعدم التوازن، قد يشعر المرء بأن حياته كلها تعطلت فيشعر بوهن عظيم يؤثر فيه ويلوي حقاً ذراعه، ولعلّ من شأن وجود مركز متخصص بحالات عدم التوازن إعادة الثقة الى من يشعرون بأن الدنيا تدور وتدور وتدور بهم… فالحياة، كما تعلمون، تدور كثيراً لكنها لا تلبث أن ترسو، إذا وثقتم بالنهج التشخيصي والعلاجي، بأمان.

نوال نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق