رئيسي

حكومتان، وجيشان، وبرلمانان: ليبيا على مشارف التقسيم الفعلي

في حين يتخذ مجلس النواب الليبي المنتخب حديثاً من مدينة طبرق مقراً له، يواصل «المؤتمر الوطني» اجتماعاته في مقره الرئيسي، رغم شبهة انتهاء فترة ولايته. وبينما يبحث البرلمان الجديد مسألة تشكيل حكومة بدلاً من الانتقالية، قرر المجلس القديم تكليف شخصية اخرى بتشكيل حكومة. وفي كل يوم يتخذ كل مجلس قرارات تتعلق بالجيش وبالمؤسسات الامنية.

في المحصلة، هناك «برلمانان، وجيشان، وحكومتان» تعمل جميعها على الارض الليبية. وهو ما يعني فعلياً بدء مشروع التقسيم. يساعد على ذلك شبهة التدخل الخارجي، فإضافة الى مطالبة البرلمان الجديد بتدخل خارجي «يحمي وحدة البلاد» نفذت طائرات مجهولة غارات جوية على بعض المواقع، وتسربت معلومات عن ان ما حدث كان تدخلاً مصرياً –  اماراتياً. ففي تحرك اعتبره محللون انه يعمق الأزمة الليبية، أقال المؤتمر الوطني العام السابق في ليبيا، رئيس الحكومة المؤقت عبدالله الثني، وكلّف عمر الحاسي القريب من الإسلاميين بتشكيل حكومة انقاذ وطني.
فقد انعقد اجتماع المؤتمر الوطني الليبي العام الذي يفترض انتهاء ولايته مع انتخاب مجلس النواب الجديد، على نحو مفاجىء في طرابلس التي يسيطر على مؤسساتها ومطارها مسلحون إسلاميون، كما أعلن المؤتمر النفير العام والتعبئة العامة بجميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.

اقالة الحكومة
ونقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية البيان الذي تلاه عمر حميدان المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام والذي جاء فيه: «إقالة السيد عبدالله عبد الرحمن الثني من منصبه كرئيس لحكومة تسير الاعمال وكوزير للدفاع ويكلف السيد عمر سليمان صالح الحاسي بتشكيل حكومة انقاذ وطني خلال اسبوع من تاريخ هذا القرار على أن تؤدي الحكومة اليمين القانونية امام رئيس المؤتمر الوطني العام قبل مباشرة اعمالها».
وسقطت ليبيا في براثن الفوضى حين لم تستطع حكومتها الضعيفة السيطرة على ميليشيات ساعدت في اسقاط معمر القذافي عام 2011 وتتقاتل الان على الارض والموارد.
ولا يستبعد مراقبون ان يكون المؤتمر الوطني قد استعاد ولايته المنتهية بدعم من الإخوان المسلمين الذين كانوا خسروا انتخابات مجلس النواب التي جرت في أيار (مايو) الماضي.
وعلى نحو غير مسبوق، اتهم حزب «العدالة والبناء»، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، مجلس النوب الجديد بـ «التحيز لطرف على حساب طرف» في الصراع الدائر في البلاد.
وقال الحزب، في بيان له، إنه «تلقى بقلق بيان مجلس النواب بشأن الأحداث الجارية بطرابلس الذي انحاز فيه لطرف على حساب الآخر في ظل جدل على دستورية جلساته معمقاً بذلك مزيداً من الانقسام بينه وبين أعضائه من جهة وبينه وبين مكونات شعبية من جهة أخرى» على حد تعبير البيان.

جماعات ارهابية
وإلى ذلك، قال المتحدث باسم المؤتمر الوطني: «يؤكد المؤتمر الوطني العام على ان ما يسمى بعملية الكرامة – التي ينفذها اللواء المتقاعد خليفة حفتر – هي عملية خارجة عن سلطة الدولة وهي جريمة ارهابية تشكل خطراً على السلم والأمن الوطني وتهدد سيادة الدولة الليبية».
وكان مجلس النواب الليبي أعلن «تنظيم أنصار الشريعة الجهادي» ومنظمي عملية «فجر ليبيا» في طرابلس جماعات «إرهابية محاربة لشرعية الدولة الليبية»، مؤكداً أن تلك الجماعات «هدف مشروع لقوات الجيش الوطني الليبي»، في إشارة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وكتائب «لصواعق» و«القعقاع» التي تقاتل تلك الأطراف.
وأضاف المتحدث باسم المؤتمر الوطني ان المؤتمر قرر «إعلان حالة النفير والتعبئة العامة وترفع درجة الاستعداد القصوى لدى المؤسسات العسكرية والامنية تحسبا لأي خطر مفاجىء يهدد سيادة الدولة الليبية وامنها واستقرارها».
ودعا المؤتمر الوطني في بيانه جميع المواطنين والجهات الاعتبارية العامة والخاصة تقديم الدعم المتاح والتعاون مع مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية في العمل على استتباب الامن وتحقيق سيادة القانون.
ويتخذ البرلمان الليبي المنتخب حديثاً مقره في مدينة طبرق، شرقي ليبيا، للابتعاد عن العنف في المدن الليبية الرئيسية. وكان افتتح جلساته في 4 آب (اغسطس)الجاري بمدينة طبرق بحضور 158 نائباً، فيما أحدثت الجلسة جدلاً على خلفية دعوة رئيس المؤتمر الوطني المنتهية ولايته لعقدها في طرابلس لأداء مراسم التسليم والاستلام بين المؤتمر والمجلس، وهو الأمر الذي عارضه النواب الجدد ساعين لعقد جلسة طارئة بطبرق قائلين إن العدد بلغ 158 وهو الفيصل في شرعية عقد الجلسة في أي مكان في ليبيا.
ويتكون مجلس النواب الليبي من 200 مقعد، لكن انتخابات 25 حزيران (يونيو) الماضي، لم تحسم سوى 188 مقعداً، حيث حالت الأوضاع الأمنية المتردية دون اتمام الانتخابات في عدد من المدن.
وفي شباط (فبراير) الماضي، اندلعت احتجاجات بعدما رفض المؤتمر الوطني العام حل نفسه بعد انتهاء الدورة البرلمانية. وحينها، قال أعضاء المؤتمر إنهم بحاجة إلى تمديد الدورة البرلمانية بهدف إتاحة المزيد من الوقت أمام لجنة خاصة لصياغة دستور جديد.

الحرب على الارهاب
في الاثناء، أعلن رئيس الأركان العامة للجيش الليبي اللواء عبد الرزاق الناظوري الحرب على الإرهاب في بلاده، عقب أدائه اليمين القانونية – الإثنين – أمام أعضاء مجلس النواب في مدينة طبرق شرق ليبيا.
وفور أدائه القسم القانوني، خلفاً للواء عبد السلام جادالله العبيدي، قال اللواء عبد الرزاق الناظوري، في كلمة مقتضبة أمام النواب: «اسمحوا لي بعد أذنكم أن أعلن ومن هذه اللحظة الحرب على الظلاميين والإرهابيين التكفيريين».
ويأتي ذلك وسط انقسام في المؤسسة العسكرية، إذ أعلن الأحد عدد من قادة الجيش رفضهم تعيين مجلس النواب رئيساً جديداً للأركان، ما يعزز صعوبة الموقف أمام الناظور، الذي يسعى إلى بناء المؤسسة العسكرية شبه المنهارة في ليبيا. والأحد، اختار مجلس النواب الناظوري رئيسًا للأركان العامة للجيش، ورقاه إلى رتبة لواء، ليخلف بذلك اللواء ركن عبدالسلام جادالله العبيدي المعتبر حالياً في حكم المقال.
والناظوري من مدينة المرج، كان آمر كتيبة الأوفياء في بنغازي، وشارك في اطاحة نظام معمر القذافي في العام 2011 ، وهو قريب من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود عملية «الكرامة» لمحاربة الإرهاب.
ولم يتوفر النصاب القانوني الذي يتطلب 94 عضواً في جلسة المؤتمر الوطني، لكن وسائل اعلام ليبية اشارت الى انضمام اعضاء الى الجلسة خلال انعقادها. وعقدت هذه الجلسة للمؤتمر الوطني الليبي تلبية لدعوة من  الاسلاميين الذين ينفون اي شرعية للبرلمان الجديد الذي يتخذ مقرا في طبرق على بعد 1600 كلم شرق طرابلس. وبحث المؤتمر في جلسته دعوة برلمان طبرق الى تدخل اجنبي لحماية المدنيين فيما البلاد غارقة في الفوضى والعنف. واعتبر الاسلاميون هذه الدعوة «خيانة وطنية».
من جانبه، اعتبر رئيس الحكومة الليبية الموقتة عبدالله الثني ان قرارات المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته غير شرعية بعد قيام هذا المجلس بتكليف شخصية مقربة من الاسلاميين بتشكيل حكومة منافسة.
واضاف الثني خلال مؤتمر صحافي عقده في طبرق ونقلته محطات تلفزيون محلية ان «الاجتماع غير شرعي والاجراءات غير شرعية والجسم التشريعي الوحيد هو البرلمان»، الذي انتخب في الخامس والعشرين من حزيران (يونيو) الماضي.
وكان مجلس النواب هاجم ما يصدر عن قادة عملية فجر ليبيا ومجلس شورى ثوار بنغازي من تصريحات لا تعترف بمجلس النواب، باعتباره المؤسسة الشرعية التي تمثل إرادة الشعب الليبي. وقال المجلس: «تمادوا بالحديث عن انقلاب فعلي على الشرعية ومؤسساتها، وحضوا على مواصلة الحرب على أهلنا ومدننا، ولذلك أعلن قوات فجر ليبيا وجماعة أنصار الشريعة جماعتين إرهابيتين».
الى ذلك، دعت ست دول مجاورة لليبيا الى نزع متدرج لسلاح الميليشيات في هذا البلد واكدت رفضها اي تدخل اجنبي فيه وتعهدت بتقديم المساعدة للحكومة لـ «تأمين الحدود» الليبية.

جوار ليبيا
وفي ختام اجتماع حضره وزراء خارجية ليبيا ومصر وتونس والجزائر وتشاد والسودان اضافة الى ممثل للنيجر، طالبت هذه الدول بـ «الوقف الفوري لجميع العمليات المسلحة من أجل دعم العملية السياسية، وتعزيز الحوار مع الأطراف السياسية التي تنبذ العنف وصولاً لتحقيق الوفاق الوطني والمصالحة ووضع دستور جديد للبلاد».
واكدت دول الجوار في بيان لها «الدور الأساسي والمحوري لآلية دول جوار ليبيا وخصوصيتها في ما يتعلق بتطورات الوضع فى ليبيا وضرورة إشراكها فى مختلف المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة لإيجاد تسوية توافقية للأزمة الليبية».
ودعت الى تنازل جميع الميليشيات والعناصر المسلحة وفق نهج متدرج المراحل ومتزامن من حيث التوقيت عن السلاح والخيار العسكرى فى إطار اتفاق سياسى بين كل الفرقاء التي تنبذ العنف ووفق آلية مستقلة تعمل برعاية إقليمية من دول الجوار ومساندة دولية.
وتعهدت دول الجوار، التي تخشى من انعكاسات النزاع في ليبيا على اوضاعها الداخلية، بـ «تقديم المساعدة للحكومة الليبية فى جهودها لتأمين وضبط الحدود مع دول الجوار وفق برنامج متكامل، ووقف جميع الأنشطة غير المشروعة للتهريب بجميع أنواعه».
وفيما اعلن المؤتمر الوطني الليبي المنتهية ولايته الذي يهيمن عليه اسلاميون استئناف اعماله وكلف عمر الحاسي بتشكيل حكومة «انقاذ وطني»، شددت دول الجوار في بيانها على دعمها «للمؤسسات الليبية الشرعية وعلى رأسها مجلس النواب المنتخب، لما يمثله من تعبير عن إرادة الشعب الليبي، والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور».
ورحب وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز في مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع بـ «الاعتراف من قبل دول الجوار بان مجلس النواب المنتخب عن طريق انتخابات نزيهة يمثل اعلى سلطة الان في البلد» معتبراً ان «هذا الاعتراف سيعطي دفعة كبيرة» لليبيا.
واضاف عبد العزيز «نحن لا ندعو لاي تدخل في الشان الليبي وخصوصاً التدخل العسكري ولكن ندعو لانخراط دولي في ليبيا تحت شرعة الامم المتحدة».

مصر تحذر
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري حذر في تصريحات صحافية قبيل بدء الاجتماع من احتمال امتداد العنف في ليبيا الى الدول المجاورة واكد ضرورة العمل على تجنب «التدخلات في الشأن الليبي».
وقال شكري «لمسنا منذ فترة طويلة اثار تطورات الوضع الليبي على امن دول الجوار المتمثل في تواجد وحركة عناصر تنظيمات متطرفة وارهابية لا تقتصر انشطتها على العمليات الارهابية داخل الاراضي الليبية وانما تمتد الى دول الجوار بما في ذلك عبر تجارة وتهريب السلاح والافراد واختراق الحدود على نحو يمس سيادة دول الجوار بما قد يصل الى تهديد استقرارها».
واضاف ان هذا الوضع «قد يدفع باتجاه انواع من التدخلات في الشان الليبي يتعين العمل علي تفاديها». وتصاعد العنف في ليبيا منذ منتصف تموز (يوليو) الماضي وخصوصاً في طرابلس حيث تتقاتل ميليشيات تنتمي الى التيار الوطني مع مجموعات اسلامية للسيطرة على مطار العاصمة.
وقبيل بدء الاجتماع، قال وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز «اننا ننتظر من مجلس الامن اتخاذ قرار وارسال رسالة قوية حول النزاع المسلح في ليبيا ووقف الاقتتال».
وجاء هذا الاجتماع بعد 48 ساعة من اتهام ميليشيا اسلامية لمصر والامارات بقصف مواقعها في العاصمة الليبية طرابلس وهو ما نفته القاهرة بشكل قاطع.
في السياق عينه، قال مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا برناردينو ليون – الثلاثاء- إنه لا يعتقد بأن التدخل الأجنبي بأي شكل من الأشكال يستطيع وضع حد للاضطرابات في هذا البلد الذي ينزلق إلى مزيد من الفوضى بسبب الانقسامات السياسية والاقتتال الداخلي.
وأبلغ ليون الصحفيين أن عملية سياسية شاملة يكون فيها جميع الليبيين ممثلين في البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى هي وحدها القادرة على إنهاء الفوضى الحالية.
غير أن المبعوث الدولي المعين حديثاً لم يوضح الكيفية التي يمكن أن تتحقق فيها عملية سياسية من هذا القبيل.
وقال إن ليبيا بحاجة إلى «كثير من الدعم الدولي «لمناصرة» الليبيين الذين يريدون محاربة الفوضى عبر عملية سياسية».

ليبيا – «الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق