الحوثي يهدد بـ «الجولة الثالثة» وتجويع صنعاء، و«هادي» يستنفر الجيش

هي اجواء الحرب، لكن البعض يراها «اجواء ما قبل السبعينيات من القرن الماضي». بهذه الاوصاف، يقدم محللون رؤيتهم للواقع اليمني، وخصوصاً الواقع الذي تعيشه العاصمة صنعاء هذه الايام، حيث يواصل الحوثيون حصار المدينة، ويتمسكون بمطالب ليست بعيدة عن مطالبهم قبل ستين عاماً تقريباً. مع فارق رئيسي، يتمثل باختلاف الادوار.
الصورة الراهنة ليست بعيدة عنها في تلك الحقبة، من زاوية اجواء الحرب التي تسيطر على الموقف بشكل عام. فبينما هدد الحوثي الذي يسيطر على المدينة ويفرض حصاراً محكماً عليها، بالانتقال الى ما اسماه «الجولة الثالثة» من عملياته. والتي يعتقد انها جولة اشد ايلاماً من سابقاتها يريد تجويع العاصمة اليمنية. استنهض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي همم اليمنيين وحثهم على مواصلة الاستعداد لاي طارىء وان يكونوا على اهبة الاستعداد لاي مستجد.
الصورة في اطارها العام كانت قريبة منها في تلك الحقبة. حيث يحاصر الحوثيون العاصمة صنعاء، بينما تصر الحكومة على انهاء تلك الازمة باقل قدر من الخسائر. غير ان العامل الرئيس في المعادلة ما تعاني منه الدولة من اشكاليات تحول دون استخدام قوتها كاملة في وجه طرف محدد من الاطراف التي تعمق اشكاليات الوحدة.
فالصورة – بحسب ما تشير بعض التحليلات – تتمثل بجملة من المحاذير التي لا تتيح امكانية التدخل العسكري الواسع. ابرزها، ان اي تدخل من شأنه ان يثير استياءً واسعاً على الارض لجهة ان الحوار الوطني لا يحبذ دخول الجيش في مواجهات كبيرة كهذه. وان سحب الجيش باتجاه منطقة بعينها، من شأنه ان يخلي مناطق اخرى ويترك فيها فراغاً قد يؤدي الى اشكاليات جديدة في ضوء توافر عناصر الصراع في اكثر من بقعة.
حل سلمي
اما الهدف الاكثر عمقاً فيتمثل برغبة القيادة اليمنية استنفاد كل وسائل حل النزاع سلمياً. والعمل على حقن الدماء بحكم ان القوة المقابلة لا تقل تسليحاً وقوة عن الجيش النظامي.
في الاثناء، يؤكد سكان العاصمة رفضهم الحصار الذي يضربه الحوثيون حول صنعاء. حيث خرج الآلاف في مسيرة بشارع الخمسين جنوبي العاصمة، دعماً لـ «الاصطفاف الوطني» والحفاظ على النظام الجمهوري وتنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الذي اختتم أعماله أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي.
وأكد المشاركون رفضهم دعوات الحوثيين وتهديدهم باللجوء للعنف في سبيل تحقيق مطالبهم وأبرزها إسقاط الحكومة، داعين إلى الحوار وتعزيز ثقافة التعايش والسلام، لتجنيب المحافظة ويلات الماضي.
وجاء هذا التحرك رداً على حشد الحوثيين لأنصارهم واستنفارهم قبائل صنعاء للاعتصام حول مداخلها، وهو ما اعتبرته اللجنة الأمنية العليا في البلاد «خروجاً عن حق التعبير السلمي».
من جهته، دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي جماعة الحوثي إلى سحب أنصارها من مداخل العاصمة صنعاء، كما طالب خلال اجتماع مع سفراء الدول العشر الراعية للعملية الانتقالية الجماعة بإعادة الأسلحة التي استولت عليها في مدينة عمران وسحب مسلحيها من المدينة.
وقرر هادي الدعوة لعقد اجتماع موسع لبحث الأزمة التي يعيشها اليمن، ودعا في رسالة إلى زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي إلى رفع مخيمات مؤيديه في صنعاء ومحيطها والعودة للحوار للتوصل إلى حل للأزمة.
وجاءت رسالة هادي رداً على رسالة وصلت اليه الاثنين من الحوثي ضمنها – بحسب مصادر رسمية – رؤيته لحل الأزمة، خصوصاً ضرورة التراجع عن رفع أسعار الوقود، وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس اليمني بشكل قاطع محذرا من أن ذلك سيؤدي إلى انهيار الدولة.
ويريد الحوثيون استقالة الحكومة التي يصفونها بالفاسدة، وإلغاء الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، وشراكة سياسية واسعة. ومن أجل الضغط على السلطات للاستجابة لمطالبهم احتشد آلاف المؤيدين للجماعة داخل صنعاء وفي مداخلها منذ الأسبوع الماضي، حيث أقاموا خياما بمداخل العاصمة وشرعوا منذ الجمعة الماضي في اعتصام مفتوح قرب وزارة الداخلية وسط صنعاء.
ازالة المخيمات
وطلب هادي من الحوثيين «إزالة مظاهر وعوامل التوتر المتمثلة في المخيمات والتجمعات المستحدثة على مداخل العاصمة والطرق المؤدية إليها»، كما دعاهم إلى «استكمال تسليم محافظة عمران للدولة»، وهي المحافظة التي سيطر عليها الحوثيون في الأشهر الأخيرة بعد معارك مع الجيش وقوات قبلية.
وكانت اللجنة الرئاسية المكلفة بالحوار مع الحوثيين أعلنت الأحد فشل مهمتها في التوصل الى اتفاق بشأن النقاط الخلافية، مما أثار مخاوف من انزلاق البلاد نحو العنف، إلا أن زعيم الحوثيين يريد استكمال الحوار مع الرئيس هادي بشكل مباشر، ساعياً – حسب مصادر سياسية – إلى اتفاق ثنائي، وهو ما يرفضه هادي.
ويأتي ذلك في ظل جهود دولية تبذل لاحتواء الأزمة، إذ ينتظر أن يرفع مبعوث الأمم المتحدة لليمن جمال بن عمر تقريراً عن الوضع في البلاد إلى مجلس الأمن الدولي الجمعة المقبل، ووصف المبعوث الأممي الوضع بأنه مقلق للغاية، مشدداً على أن المخرج من الأزمة يمر عبر «جهد سلمي وتشاركي».
وبالرغم من مساعي التهدئة، استمر انصار الحوثيين بالاحتشاد في صنعاء الثلاثاء فيما عززت السلطات التدابير الامنية بشكل محدود، خصوصاً في محيط وزارة الداخلية بشمال العاصمة حيث يعتصم الالاف من انصار الحوثيين.
وتابع مبعوث الامم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر بدوره اتصالاته مع اطراف متعددة للتوصل الى تسوية سياسية.
وعززت تحركات الحوثيين الذين يتخذون اسم «انصار الله» المخاوف من سعيهم الى توسيع رقعة نفوذهم الى صنعاء، فيما يتهمهم خصومهم باستغلال مطالب اقتصادية لتحقيق مكاسب سياسية.
وتصاعد التوتر الطائفي في اليمن بشكل كبير كون الحوثيين ينتمون الى الطائفة الزيدية الشيعية، كما يتهمهم خصومهم بانهم تقاربوا في السنوات الاخيرة مع الشيعية الاثني عشرية وايران وابتعدوا عن الزيدية التقليدية القريبة من السنة.
وفي المقابل، فان خصوم الحوثيين سياسياً هم بشكل اساسي التجمع اليمني للاصلاح القريب من تيار الاخوان المسلمين، اضافة الى السلفيين والقبائل السنية او المتحالفة مع السنة.
ويشكل السنة غالبية سكان البلاد، الا ان الزيديين يشكلون غالبية في مناطق الشمال، خصوصاً في اقصى الشمال حيث معاقل الحوثيين.
في الاثناء، يخشى مراقبون انفجار الوضع عسكرياً داخل العاصمة صنعاء في أية لحظة بين القوات الحكومية والمسلحين الحوثيين الذين يواصلون منذ أيام اعتصاماتهم المسلحة داخل صنعاء ومحيطها للمطالبة بإقالة الحكومة والتراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات.
سباق التنافس والصراع
وهناك من يرجع الأحداث المتسارعة في اليمن إلى سباق التنافس والصراع في المنطقة بين قوى إقليمية ودولية تسعى لإعادة تشكيل خريطة القوة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط.
ويرى محللون أن تورط إيران في الدفاع عن النظام السوري وحاجتها لبديل عن المالكي يجعل السياسة الإيرانية ترى أن بقاء الحوثي خارج القرار السياسي اليمني سيدفع إلى فقدان تأثيرها في الشرق الأوسط.
ويتوقف المحللون عند معطيات تؤشر على ان إيران تقف بكل ثقلها مع الحوثيين، وإن ترويجها بأن اليمن طلب من سلطنة عمان التدخل لدى إيران لتقديم مبادرة حل يصب في محاولات طهران التدخل بشكل رسمي، مستهدفة المبادرة الخليجية.
وترى بعض التحليلات ان وصول الوضع في البلاد إلى هذه المرحلة من التأزم سببه تجاهل السلطات اليمنية ومجلس الامن الدولي خلال الثلاث سنوات الماضية وحالة الاستنزاف وضعف الدولة والتغاضي عن نمو الحوثيين واستقوائهم عسكرياً ومن ثم حروبهم التوسعية المستمرة التي كان آخرها في محافظة عمران.
في الاثناء، وجه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد، لتقوم بواجبها في «الحذر ورفع الجاهزية والاستعداد لمواجهة أي احتمالات». ويأتي ذلك في اعقاب فشل المفاوضات مع الحوثيين.
وعلى أثر فشل المفاوضات، عقد منصور هادي اجتماعاً للجنة الأمنية والعسكرية العليا، وذلك لـ «تدارس الموقف الأمني في صنعاء وعمران في ضوء التطورات الجديدة والتحديات الأمنية التي تفرضها جماعة الحوثي المسلحة».
ودعا الرئيس اليمني في بيان إلى «اليقظة العالية والحذر ورفع الجاهزية والاستعداد لمواجهة أي احتمالات تفرض»، بعد تصاعد المخاوف إزاء استقرار اليمن الذي يبلغ عدد سكانه 25 مليون نسمة.
وأضاف أن «هناك ربما أجندات مخفية ومشبوهة، وليست اليافطات أو الشعارات التي ترفعها جماعات الحوثي سوى دغدغة لمشاعر وعواطف الشعب ومسكنات كاذبة تخفي ورآها مرامي وأهداف أخرى».
ومن جانبه، أطلق الحزب الاشتراكي اليمني «نداءً عاجلاً» إلى مختلف الأطراف السياسية في اليمن يتضمن ما أسماه بـ «الحلول العاجلة لوقف التدهور في البلاد».
وقال الاشتراكي في بيان له «إن اليمن يمر اليوم بمنعطف خطير ينزلق فيه وعلى نحو متسارع نحو المجهول الذي لا تعرف له نتيجة. وكانت مقدمات هذا الوضع قد تجسدت في تجاوز مخرجات وروح الحوار الوطني وتهيئة الشروط للعودة إلى العنف والصدامات المسلحة التي اندلعت بين أطراف احتشدت في مواجهات ثأرية وانتقامية».
وكان مجلس الأمن الدولي ارجأ جلسته المخصصة لبحث الوضع في اليمن والاستماع إلى إحاطة جمال بن عمر مساعد أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص لشؤون اليمن من (25) من شهر آب (أغسطس) إلى 29 من الشهر.
المبعوث الاممي
وذكرت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» أن المبعوث الأممي يواصل حالياً مشاوراته في صنعاء مع مختلف الأطراف والقيادات السياسية اليمنية لإيجاد حل سلمي توافقي للتوتر الحالي في البلاد بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
وفي هذا الصدد أجرى بن عمر لقاءات شملت مسؤولين سياسيين وعسكريين بينهم وزراء الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد علي والداخلية اللواء عبده حسين الترب والخارجية جمال السلال والمالية محمد زمام.
كما التقى اللواء علي حسن الأحمدي رئيس جهاز الأمن القومي والدكتور أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب رئيس الجمهورية و ممثلين عن «أنصار الله» والناشطة اليمنية – الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان وأمين العاصمة صنعاء عبد القادر هلال ووفداً من التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري برئاسة أمينه العام عبدالله نعمان، إضافة إلى أمين عام الحزب الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان وعضو مجلس النواب حميد الأحمر ورئيس حزب الشعب الديموقراطي «حشد» صلاح الصيادي ونائب أمين عام مؤتمر الحوار الوطني ياسر الرعيني.
وكان مساعد أمين عام الأمم المتحدة ومستشاره الخاص لليمن جمال بن عمر أوضح في بيان صحفي أنه يبذل قصارى جهده بالتنسيق مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لمعالجة جذور التوتر الحالي في اليمن ووضع حل مستدام عبر الحوار، مبيناً في هذا الشأن أنه يجري لهذه الغاية مشاورات مكثفة مع مختلف الأطراف والقيادات السياسية اليمنية لإيجاد حل سلمي توافقي بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي توافق عليها اليمنيون.
وحث بن عمر الجميع على التحلي بالحكمة وتغليب الحس الوطني وروح التعاون البناء لتجاوز تحديات المرحلة والمضي قدماً في العملية السياسية. مشدداً على ضرورة احترام اتفاق نقل السلطة ومخرجات مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن.
وأكد المبعوث الأممي دعم المجتمع الدولي لجهود الرئيس عبد ربه منصور هادي والجهود المبذولة كافة للتهدئة والتركيز على مهام العملية الانتقالية من أجل العبور باليمن إلى بر الأمان.
صنعاء – «الاسبوع العربي»