أبرز الأخبار

العبادي يبدأ اتصالاته، والمالكي يصر على التمرد والقلق يبدد فرحة العراقيين بالتغيير

ما بين فرح بتكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة، ومتفائل بالتغيير، ومحذر للمالكي من استمرار تشبثه بالمنصب، وبتشكيل الحكومة العراقية الجديدة تحت ذرائع متعددة، ومتناقضة مع الواقع، توزعت ردود الفعل المحلية والاقليمية والدولية على تطورات الموقف في العراق.

محور ذلك اصرار رئيس الوزراء المنتهية فترة ولايته على انه هو الاحق بتشكيل الحكومة، وان كتلته هي صاحبة الحق بالتكليف استناداً الى حصتها في البرلمان. اللافت في هذا المجال ان المالكي يتجاهل كل الدعوات الاقليمية والدولية والمحلية التي تحثه على التنحي لصالح الرئيس المكلف حيدر العبادي الذي حظي بثقة التيار الشيعي. وبتأييد عالمي واسع وصل الى حد تحذير خصومه من مغبة الاستمرار في التصعيد.
واللافت ايضاً، ان المالكي طور موقفه الرافض لاستبداله الى مستوى التلويح بنشر الفوضى، من خلال تأكيده انه «هو الرئيس الشرعي» وانه «يرفض التخلي عن موقعه الرئاسي» رغم انتهاء فترة ولايته. ورغم ان الاجراءات الدستورية قد تجاوزته فعلاً.
المحللون يعتقدون ان تشبث المالكي، ورسائله الموجهة للشارع العراقي، تعني شيئاً واحداً هو اصراره على المواجهة. بدليل نشره للقوات الامنية في الشوارع، ونشر انصاره وتسليحهم استعداداً لمواجهات محتملة. فمع انه وجه رسالة دعا فيها الامن الى عدم التدخل في السياسة، الا ان مصادر متابعة اشارت الى انه شدد على الاجهزة الامنية بضرورة التعامل الحازم مع ما اعتبره «اية مخالفة». الامر الذي يعني حقيقة انه تفويض باستخدام القوة.

تفاؤل
الحالة بصورتها العامة، اشاعت قدراً من التفاؤل بامكانية خروج العراق من ازمته التي فرضها المالكي عليه. لكنها في الوقت نفسه القت بظلال قاتمة على المشهد من بوابة التطورات المحتملة في ضوء موقفه المتعنت.
في الاثناء، وبينما تتفاعل المعطيات على الساحة العراقية، تعامل الرئيس المكلف مع الموقف من زاوية انه محسوم دستورياً. وان صاحب الولاية الدستورية حسم الموقف، مستنداً الى معطيات محددة تستند الى الدستور. وبالتالي فقد بدأ اتصالاته لتشكيل الحكومة. وسط قراءات تؤكد قدرته على تحقيق اغلبية ائتلافية – بالحد الادنى – وفي حال لم يفلح في تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها جميع الاطياف. وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي في رسالة حددت ملامح تفكيره، انه سيعتمد استراتيجية تصفية الازمات والخلافات مع دول المنطقة والعالم واعادة العراق الى الواجهة. داعياً المجتمع الدولي الى دعم بلاده في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية. فيما تعهد مجلس محافظة الانبار بالمشاركة في مكافحة الارهاب اذا ما لبيت مطالب مواطنيها، بينما ربط المرجع السيستاني استقباله للمواطنين بملامح وتوجهات تشكيل الحكومة الجديدة حيث دعت واشنطن المالكي الى التنحي.
وقال العبادي ان العراق يتطلع لعلاقات متميزة مع جميع دول العالم تعتمد على الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.
واكد ان حكومته المقبلة ستعتمد استراتيجية جديدة في تعامل العراق مع المجتمع الدولي ودول المنطقة تقوم على اساس المصالح المشتركة ونبذ الخلافات. واشار في بيان صحافي اصدره مساء الاربعاء الى ان «التأييد والترحيب الكبيرين من قبل المجتمع الدولي ودول المنطقة لتشكيل الحكومة العراقية يعتبر اعترافاً من قبل هذه الدول بأهمية العراق ومكانته الاستراتيجية في العالم وهو ما يتطلب بذل المزيد من الجهود على المستوى الدبلوماسي لتعزيز هذه العلاقات واعادة العراق الى واجهة الدول في المنطقة».

علاقات متوترة
وتشهد علاقات العراق مع جاراته تركيا والسعودية والاردن وبقية دول الخليج العربي ازمات سياسية وخلافات على ضوء اتهامها لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بممارسات سياسات تهميشية ضد المكونات العراقية ادت الى تفاقم الازمة السياسية والامنية في البلاد.
وناشد العبادي دول العالم والمجتمع الدولي مساعدة العراق في حربه ضد عصابات «الدولة الاسلامية»، واصفاً تلك العصابات بـ «الارهابية» على اعتبار ان العراق يقود الحرب ضد الارهاب الذي يهدد العالم اجمع. واعرب العبادي عن شكره للدول وزعمائها والمنظمات والشخصيات التي هنأته بمناسبة تكليفه برئاسة الوزراء.
وكانت الامم المتحدة ومجلس الامن والحكومة التركية ومجلس الامن القومي الايراني ومرشد الجمهورية الاسلامية وملك المملكة العربية السعودية وزعماء قطر ومصر والاردن وسوريا قد رحبوا بتكليف العبادي بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
ودعت الولايات المتحدة المالكي لاحترام العملية السياسية وطالبته بالتنحي والسماح لخليفته حيدر العبادي بتشكيل الحكومة.
ووجه المتحدث باسم الأمن القومي بن رودس دعوته الى المالكي من اجل ان يحترم قرار العراقيين، مضيفاً ان البيت الأبيض «سيكون في غاية السعادة لرؤية حكومة جديدة».
وكان المالكي اصر على التمسك بموقعه ما لم تصدر المحكمة العليا قراراً يؤيد الاجراءات المتخذة من قبل رئيس الجمهورية. واتهم المالكي في وقت سابق من قال انها دول كبرى في اشارة الى الولايات المتحدة لدعمها ما اسماها بالخروقات الدستورية للرئيس العراقي فؤاد معصوم. وقال «يبدو ان الديمقراطية مفصلة عليهم وانها بضاعة مصدرة الى المنطقة لان اميركا وكل اركان النظام فيها ايدوا خرق الرئيس للدستور». و«شدد على ضرورة احترام قرار المحكمة الاتحادية في الشكوى ضد الخرق الدستوري لانها الملاذ في الاحتكام لفض الخلافات والنزاعات بين العراقيين». وشدد على ان قرار تكليف العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة خرق خطير ولاقيمة له ولا اثر ويجب انتظار تصويب المحكمة للخطأ الذي حصل من اجل حماية مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار السياسي والدستوري في البلاد بحسب قوله.

السيستاني مع حكومة جديدة
ومن جهته ربط المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني استقباله المسؤولين والسياسيين بملامح خطوات تشكيل الحكومة الجديدة. وقال مصدر في مكتب السيستاني ان «المرجع السيستاني ربط قرار استئنافه استقبال المسؤولين والسياسيين بملامح وخطوات وملامح تشكيل الحكومة الجديدة». مؤكداً انه «لا يريد ان يكون استقباله لأي طرف دعماً لجهة على حساب جهة أخرى. ونقلت الوكالة الوطنية العراقية عن المصدر قوله ان المرجعية الدينية كان لها دور كبير في حسم موضوع تسمية رئيس الوزراء في الوقت المناسب». مشيراً الى ان «المرجعية تجدد تأكيدها على عدم التشبث بالمناصب ويجب ان يكون هناك تغيير حقيقي لكي يخرج العراق من ازمته الراهنة».
ومن جهته دعا مجلس محافظة الانبارالعبادي الى إصدار عفو عام عن المعتقلين الأبرياء وإطلاق سراح قيادات الجيش السابق متعهداً بالمقابل  بمحاربة الإرهابيين وطردهم من جميع مدن العراق بعد الموافقة على مطالبهم. وقال رئيس المجلس صباح كرحوت في بيان إن مجلس محافظة الانبار يطالب رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي بضمان حرية التعبير التي كفلها الدستور عبر وسائل الإعلام وإلغاء مادة المساءلة والعدالة لاكتفاء الحاجة منها وإظهار حسن نية بإطلاق سراح قيادات الجيش السابق والقادة من اجل التهدئة. واشار الى ان على العبادي إظهار حسن النية بإطلاق سراح السجناء غير المحكومين من السنة الأبرياء والإسراع بقرار العفو العام عن المعتقلين الأبرياء وإعادة ممتلكات مساجد ودور العبادة إلى أبناء السنة.
وأكد ضرورة تحقيق التوازن في جميع مؤسسات الدولة وعلى مختلف المستويات وضمان استقلال القضاء بإبعاده عن التوجيه الحزبي والسياسي. وطالب بتفعيل قانون مجالس المحافظات ومنح صلاحيات واسعة للمحافظين ومجالس المحافظات وتنفيذ المشاريع الإستراتيجية في الانبار وصلاح الدين ونينوى وديالى، بالإضافة إلى المشاركة في القرارات العسكرية بتشكيل قيادة عامة للقوات المسلحة بما يعكس التنوع الاجتماعي في العراق. واكد ضرورة تصعيد العمل لملاحقة جميع قوى الإرهاب بجميع مسمياتها سواء كان من القاعدة أو الميليشيات التي تستخدم موارد الدولة كغطاء لها وتحريم استخدام العبارات الطائفية في جميع مؤسسات الدولة».
وقال ان على العبادي البدء بخطة سريعة لإعادة إعمار المحافظات التي تضررت نتيجة العمليات العسكرية والإرهاب وإيقاف العمليات العسكرية والقصف في الانبار وإعادة النازحين والمهجرين الى ديارهم وتعويضهم عما لحق بهم. وشدد على انه بعد الموافقة على هذه المطالب يتعهد أبناء محافظة الانبار وعشائرهم بمحاربة تنظيم القاعدة وطرده من جميع مدن العراق.

انتشار امني
ميدانياً، شهدت العاصمة العراقية بغداد انتشاراً أمنياً مكثفاً بعد الإعلان عن تكليف مرشح التحالف الوطني العراقي حيدر العبادي بتشكيل الحكومة الجديدة بدلا من رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، وهو ما أثار قلقا لدى معظم البغداديين.
وأثار رفض المالكي الاعتراف برئيس وزراء غيره مخاوف أغلب سكان العاصمة، ولا سيما مع الحديث عن تحركات واسعة من قبل عصائب أهل الحق وعناصر فيلق «بدر» الداعمة للمالكي في أحياء متفرقة.
ورغم تأكيدات المتحدث باسم عمليات بغداد العميد سعد معن – في مؤتمر صحفي الاثنين- أن الانتشار الأمني في العاصمة يأتي في إطار عملية «استباقية» أسفرت عن اعتقال مطلوبين، يقول محللون وخبراء إن العاصمة بغداد ستشهد عمليات اعتقال «واسعة» خلال الأيام المقبلة وستتركز الحملة في مناطق حزام بغداد (الرضوانية وأبو غريب واليوسفية وأحياء العامرية والجامعة والدورة) المعروفة بمعارضتها لممارسات المالكي.
ومن غير المستبعد أن تشمل حملة الاعتقال «شخصيات سياسية» حيث من المتوقع ان يختار المالكي اللحظة المناسبة لاطاحة خصومه.
وفي السياق ذاته أعلن أعضاء ائتلاف دولة القانون أنهم «لن يتنازلوا عن المالكي» كمرشح لهم، وقالوا إنهم سيواجهون “الانقلاب” على الديمقراطية بالوسائل الدستورية.
والى ان يتم تشكيل الحكومة الجديدة – خلال ثلاثين يوماً من تأريخ التكليف – سيقوم المالكي بتصريف أعمال حكومته الحالية، وستكون أبواب الساحة السياسة -خلال هذه الفترة- مفتوحة أمام احتمالات عدة، وفق خبراء. غير ان متابعين لتطورات الملف يعتقدون ان تلك الفترة ستكون (سوداء) نسبة الى الممارسات المنتظرة من قبل المالكي.
الى ذلك، قالت وسائل الإعلام المحلية ومصدران بالشرطة إن انتحارياً هاجم نقطة تفتيش قرب منزل رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي في بغداد في الساعات الأولى من فجر الأربعاء.
وقال مصدر بالشرطة «فجر الانتحاري نفسه عند نقطة تفتيش تؤدي إلى منزل رئيس الوزراء». ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات. ولم يتسن الحصول على تعليق من مكتب العبادي على الفور. الا ان بعض التحليلات حاولت الربط بين هذه الحادثة، ومجريات التشكيل الحكومي.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق