مواجهات سوريا تشتد والمعارك الطاحنة تتواصل في جيوب القلمون

التقدم الذي حققته المعارضة السورية في العديد من المناطق، وخصوصاً محيط دمشق، واجزاء من حلب، وحماة، لم يغير كثيراً في المعادلة العسكرية على الارض. فبينما تتواصل المواجهات في مناطق عديدة، ويتعاطى المتقاتلون مع العملية طبقاً لفرضية «الكر والفر»، يعتقد متابعون ان النظام يحاول اختتام كل جولة من جولات القتال بعمليات قاسية، يكشف من خلالها عن نوع من «الاستئساد»، وبالتالي حسمها لصالحه.
في هذا السياق، يتوقف المتابعون عند التقدم الاضافي الذي حققه مقاتلو المعارضة السورية في اتجاه مطار حماة العسكري. فقد افاد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، رامي عبد الرحمن ان «الكتائب المقاتلة باتت على بعد تسعة كيلومترات من مطار حماة العسكري، وسط تقارير تؤشر على مخطط لشل الحركة في ذلك المطار. بينما سيطر مقاتلو جبهة النصرة وكتائب اخرى على حاجز الترابيع في ريف حماة، ما مكنهم من قطع الطريق بين مدينتي حماه ومحردة في الريف، وذلك عقب اشتباكات عنيفة مع قوات النظام».
وقال قائد الجبهة في المنطقة يوسف الحسن في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس ان مقاتلي المعارضة يحاولون التقدم نحو مطار حماة بهدف «تحييده» لان النظام «يصنع البراميل المتفجرة التي يلقيها من طائراته المروحية على المناطق في المطار، كما ان الطائرات تنطلق من المطار لتنفيذ غاراتها» على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المسلحة.
خسائر النظام
وكانت الكتائب المقاتلة سيطرت الاسبوع الفائت على بلدة خطاب في ريف حماه الشمالي الغربي، واستولت على مستودعات ذخيرة فيها. واشار المرصد الى ان النظام «تعرض لسلسلة خسائر على الارض في محافظة حماة خلال الفترة الاخيرة». وقال حسن ان النظام يستقدم تعزيزات الى المنطقة، مضيفاً ان المقاتلين «يقصفون المطار بصواريخ غراد». وفي المقابل، قتلت البراميل المتفجرة مئات الاشخاص معظمهم من المدنيين لا سيما في منطقة حلب. وتحشى البراميل التي تلقيها مروحيات الجيش السوري بالمتفجرات وقطع الحديد، ولا تتمتع باي نظام توجيه يتيح لها تحديد اهدافها بدقة.
وانتقدت منظمات دولية غير حكومية الاستخدام المفرط لهذه الاسلحة. وادى النزاع السوري منذ اندلاعه في منتصف آذار (مارس) 2011 الى مقتل اكثر من 170 الف شخص، بحسب المرصد.
في المقابل، نقلت تقارير صحفية عن نشطاء ومصادر أمنية إن ما لا يقل عن 50 من مقاتلي المعارضة السورية قتلوا في كمين نصبته القوات الحكومية في منطقة جبلية قرب الحدود مع لبنان. وكانت القوات الموالية للرئيس الأسد مدعومة بحلفاء من جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية طردت مسلحي المعارضة السورية من معظم البلدات والقرى الواقعة في إقليم القلمون الجبلي قرب الحدود السورية منذ آذار (مارس) لكن بعض جيوب مقاتلي المعارضة صمدت.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مقاتلين من الميليشيات الموالية للحكومة ومن حزب الله نصبوا كميناً بالمدفعية وقتلوا عشرات من مقاتلي المعارضة بينهم مقاتلون من جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة وجماعة الدولة الإسلامية المنشقة عن القاعدة. ونصب الكمين قرب بلدة الجبة التي تبعد حوالي عشرة كيلومترات من الحدود اللبنانية.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري ان المعارك التي اندلعت الجمعة، أدت الى مقتل سبعة عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين له، بينهم عنصران على الاقل من الحزب. كما اسقط المقاتلون طائرة حربية تابعة لسلاح الجو السوري، في حين نجا قائدها الذي قفز بالمظلة.
كمين وقتلى
واوضح عبد الرحمن ان المعارك اندلعت الجمعة اثر هجوم مقاتلين على حاجز للقوات السورية وحزب الله في القلمون، ما دفع القوات النظامية الى قصف المنطقة بالطيران. ومع اشتداد المعارك، نفذت القوات النظامية وحزب الله كميناً استخدمت خلاله المدفعية وسلاح الطيران.
وقدرت مصادر أمنية لبنانية وسورية أن عدد القتلى كبير وقالت إن حوالي 170 من مسلحي المعارضة قتلوا لكن لم يتسن التأكد من صحة هذا الرقم من مصادر مستقلة. وأضافوا أن تسعة من مقاتلي الحكومة السورية واثنين من مقاتلي حزب الله قتلوا أيضاً.
الى ذلك، قتل امير جبهة النصرة في محافظة ادلب في شمال غرب سوريا بتفجير عبوة ناسفة في سيارته، خلال هجوم اثناء تقدم الجبهة في هذه المحافظة على حساب مقاتلي المعارضة السورية.
وقال المرصد في بريد الكتروني ان «أمير قاطع ادلب في جبهة النصرة يعقوب العمر» لقي مصرعه، اثر انفجار عبوة ناسفة بسيارته بالقرب من منزله في بلدة خان السبل شمال مدينة معرة النعمان التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة.
واوضح مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان التفجير ادى كذلك الى اصابة نجلي العمر، وهو سوري في العقد الرابع من العمر. واشار الى ان الاخير تولى مسؤوليات شرعية وسياسية، وكان مساعداً للامير السابق للجبهة في ادلب ابو محمد الانصاري الذي اغتالته مجموعة من تنظيم الدولة الاسلامية في بلدة حارم في نيسان (ابريل).
واوضح عبد الرحمن ان اغتيال العمر يأتي مع تمدد جبهة النصرة في محافظة ادلب على حساب الكتائب المقاتلة، وسيطرتها على مناطق واسعة اهمها ريف جسر الشغور وحارم وسرمدا.
اشتداد المعارك
في الاثناء، يحتدم القتال على جبهة تنظيم الدولة الاسلامية والقوات النظامية مع تسجيل هجمات وهجمات مضادة على مواقع عسكرية وحيوية في شمال سوريا ووسطها، وعلى جبهة النظام والكتائب المقاتلة في محافظة حماة حيث استولت المجموعات المعارضة على مستودعات اسلحة خلال الساعات الماضية.
في الوقت نفسه، يستمر مسلسل السيارات المفخخة في مناطق مختلفة من سوريا، وقد تسبب انفجار «السبت» في مدينة حمص بمقتل سبعة اشخاص، بحسب الاعلام الرسمي والمرصد السوري لحقوق الانسان.
ميدانياً، سيطر تنظيم الدولة الاسلامية الليلة قبل الماضية على مركز عسكري لقوات النظام في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا غداة سيطرته على موقع آخر في محافظة الرقة ، وفي اليوم نفسه الذي خسر فيه حقل الشاعر الغازي في محافظة حمص الذي استعادته قوات النظام.
وتأتي هذه التطورات في اطار المعارك المستجدة العنيفة التي بدأت قبل اسبوعين تقريبا وتصاعدت منذ ايام بين الطرفين اللذين لم تفد التقارير من قبل عن مواجهات كبيرة بينهما منذ ظهور التنظيم المتطرف في سوريا في 2013.
في المقابل، استعادت قوات النظام السيطرة على حقل الشاعر الغازي في حمص والتلال المحيطة به. وكان تنظيم داعش سيطر على الحقل في 17 تموز (يوليو) في معركة دامية قتل فيها اربعون من مقاتليه واكثر من 270 من عناصر القوات النظامية وجيش الدفاع الوطني الموالي له وحراس الحقل والعاملين فيه، بحسب المرصد. وتم ذبح هؤلاء بغالبيتهم والتنكيل بجثثهم.
دعوة لالقاء السلاح
الى ذلك، دعا وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج «الجمعة» مقاتلي المعارضة الى القاء السلاح، معتبراً ان القوات النظامية «حسمت» لصالحها النزاع المستمر في البلاد منذ اكثر من ثلاثة اعوام، وذلك في تصريحات نقلها الاعلام الرسمي السوري.
ودعا الفريج في اتصال هاتفي مع التلفزيون الرسمي «كل من لا يزال متردداً في القاء السلاح والانضواء في كنف الوطن، لان يحتكم الى لغة العقل للعودة الى حضن الوطن».
واضاف «لم يعد بعد اليوم مقبولاً ان يستمر المرء في طيشه، فالاصطفاف في خانة اعداء الوطن يورث الذل والتبعية».
وتابع «واهم من يظن ان ما تبقى من عصابات قتل واجرام قادرة على انجاز ما عجزت عنه على امتداد ثلاث سنوات وأربعة اشهر، فالحرب بإطارها الاستراتيجي قد حسمت لصالح الوطن بهمة رجال الجيش العربي السوري».
واتت تصريحات الفريج في الذكرى التاسعة والستين لتأسيس الجيش السوري التي صادفت في الاول من آب (اغسطس).
وكان الرئيس بشار الاسد قال مساء الخميس للمناسبة نفسها، ان «معركتنا مع الارهاب معركة مصير ووجود لا مجال فيها للتهاون ونحن مصممون اليوم اكثر من اي وقت مضى على الصمود في وجه مشاريع الفتنة والتقسيم الارهابية الاستعمارية».
وتمكن النظام السوري خلال الاشهر الماضية، مدعوماً بعناصر من حزب الله اللبناني، من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية لا سيما في ريف دمشق وحمص.
وبات النزاع الذي اودى باكثر من 170 الف شخص، متشعب الجبهات الموزعة كالآتي: جبهة قتال بين النظام والمعارضة، جبهة بين المقاتلين المعارضين وتنظيم القاعدة ممثلاً بجبهة النصرة، معارك بين المقاتلين المعارضين وعناصر تنظيم «الدولة الاسلامية»، معارك بين هذا التنظيم الجهادي والنظام، ومعارك بين «الدولة الاسلامية» والمقاتلين الاكراد.
حظر تجارة النفط
في سياق مواز، أيد مجلس الأمن الدولي الاثنين مبادرة روسية بحظر تجارة النفط مع إسلاميين في العراق وسوريا. وحذر مجلس الأمن في بيان مشترك أن شراء النفط من جماعات مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» اللتين تقاتلان في العراق وسوريا يمكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات.
وقال المجلس ان «مثل هذه التعاملات تشكل دعماً مالياً للارهابيين، وقد تقود الى فرض مزيد من العقوبات». وكانت روسيا قدمت المبادرة في اواخر حزيران (يونيو) في حملة ضد الوسطاء الذين يبيعون النفط من المناطق التي يسيطر عليها اسلاميون. وتسيطر جماعات مثل الدولة الاسلامية وجبهة النصرة على حقول وانابيب نفط للاستفادة منها في تمويل هجماتهم على النظامين السوري والعراقي.
وقال المجلس ان السيطرة على المنشات النفطية «يمكن ان يوفر دخلاً مادياً للارهابيين، وهو ما سيدعم جهودهم في تجنيد المقاتلين، بمن فيهم مقاتلون ارهابيون اجانب وتقوية قدراتهم العملانية لتنظيم وشن الهجمات الارهابية».
وجاء في البيان ان التجارة بالنفط مع اسلاميين هو انتهاك لقرارات الامم المتحدة وانه «على جميع الدول ضمان عدم تعامل مواطنيها او اي شخص على اراضيها بالنفط مع هذه الكيانات». وذكر المرصد السوري لحقوق الانسان في الاسبوع الماضي ان مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا يبيعون النفط والغاز لرجال اعمال عراقيين.
عواصم – «الاسبوع العربي »