العراق: المعارضة تؤسس في عمان لحكم ذاتي للسنة والبرلمان يجتاز الخطوة الاولى للخروج من المأزق

يتوقف متابعون للشأن العراقي عند ما يصنفونه بانه خطوة مهمة من خطوات اجتياز عنق الزجاجة، حيث نجح البرلمان في اختيار سليم الجبوري رئيساً له، محافظاً على مبدأ المحاصصة الطائفية التي يقوم عليها نظام الحكم العراقي راهناً، شكلاً ومضمونا. والذي يقوم على منح الشيعة منصب رئيس الوزراء والذي يعتبر المنصب الاكثر اهمية من النواحي التنفيذية. والاكراد منصب رئيس الجمهورية الذي يعتبر شكليا الى حد كبير، بينما يعطي السنة منصب رئيس البرلمان الذي يمتلك الصلاحيات التشريعية.
الخطوة التي يعتقدون انها ما كانت لتتم لولا المرونة التي ابداها الرئيس السابق للبرلمان، الذي تنازل عن فكرة ترشيحه املاً بدفع نوري المالكي الى التراجع عن ترشيح نفسه لمنصب رئيس الوزراء. لكنها – أي الخطوة – لم تفلح حتى اللحظة في اقناع المالكي بالتراجع عن موقفه المتشبث بالترشيح. الامر الذي دفع بالاطياف الرافضة للمالكي الى التفكير بوسائل اخرى لابعاده عن الموقع. وافشال فرصه في الفوز في حال اصر على الترشح.
من ذلك، ابرام تحالفات بين تيارات مختلفة هدفها تشكيل اغلبية تصوت ضد ترشيحه. حيث بدا واضحاً ان جزءاً من الاحزاب الشيعية لا تسانده اضافة الى الاكراد وتيارات السنة.
المعارضة العراقية
وفي مسار مواز، عقدت المعارضة العراقية – السنية – مؤتمراً في العاصمة الاردنية عمان، خصص للبحث في عملية اسقاط المالكي الذي ما زال يحظى بدعم كل من ايران والولايات المتحدة الاميركية.
في الاثناء، تشير التقارير الميدانية الواردة من بغداد ومحيطها ان تنظيم «الدولة الاسلامية» يعمل على تجذير تواجده بشكل يومي.
وفي السياق، تخوض القوات العراقية مدعومة بعشائر محلية معارك ضارية ضد التنظيم، في مناطق عدة. لكن المعارك كانت اكثر سخونة في ناحية الضلوعية، حيث تحاول القوات النظامية منع سقوط هذه المنطقة السنية الاستراتيجية الواقعة على بعد 90 كلم شمال بغداد في أيدي المسلحين الذين يحاولون الزحف نحو العاصمة.
وقال قائمقام ناحية الضلوعية مروان متعب ان الاشتباكات متواصلة منذ يوم الاحد الفائت بين المسلحين الذين يحاولون فرض سيطرتهم على الضلوعية وابناء العشائر وقوات الشرطة. مضيفاً، ان «الاشتباكات تدور في منطقة الجبور جنوبي الناحية بعد ان سيطر المسلحون عليها في مناطق الوسط والشمال»، مؤكداً ان «غالبية مناطق الناحية تحت سيطرة المسلحين».
واشار متعب الى ان مفاوضات جرت بين العشائر والمسلحين الذين طلبوا ان تسلم قوات الامن والعشائر اسلحتهم، لكن الطرف الثاني رفض هذا الامر.
ونقلت وكالات الانباء عن مقاتلين من ابناء العشائر قولهم ان طائرة عراقية قامت بقصف مواقع لـ «داعش» والحقت بهم خسائر كبيرة. وان الجيش والعشائر بحاجة الى تعزيزات وغطاء جوي من أجل إعادة السيطرة على المدينة، ووجهوا دعوة الى رئيس الوزراء نوري المالكي للتدخل السريع وارسال تعزيزات واسناد جوي. وتحدث ضابط في الشرطة عن نزوح اعداد كبيرة من اهالي الضلوعية مستخدمين قوارب عبر نهر دجلة خوفا من الوقوع ضحايا للاشتباكات.
هجوم على الضلوعية
وكان مسلحو «الدولة الاسلامية» اطلقوا الاحد هجوماً على الضلوعية وسيطروا على قسم كبير من الناحية بينها مركز الشرطة والمجلس البلدي ومديرية الناحية ومقرات للشرطة.
ويسيطر مسلحو «الدولة الاسلامية» على مدن عدة في الانبار وعلى مناطق واسعة من محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى اثر هجوم كاسح شنوه قبل اكثر من شهر مع جماعات متطرفة سنية اخرى.
وتشكل الضلوعية نقطة قتال محورية بالنسبة الى القوات الحكومية وبالنسبة الى المسلحين المتطرفين ايضاً الذين يسعون للزحف نحو بغداد من جهة الشمال حيث يسيطرون في محافظة صلاح الدين على عدة مناطق رئيسية بينها مدينة تكريت (160 كلم شمال بغداد).
وتقع الضلوعية على الطريق بين بغداد ومدينة سامراء (110 كلم شمال بغداد)، ما يعني ان سقوطها في ايدي المسلحين الذين سيكونون على بعد 90 كلم فقط من شمال بغداد، قد يفتح امام هؤلاء ممراً نحو جنوب سامراء التي تحوي مرقداً شيعياً رئيسياً.
وكانت ناحية الضلوعية التي خاضت معارك في السابق ضد جماعات سنية متطرفة على رأسها تنظيم القاعدة، سقطت قبل نحو اسبوعين في ايدي «الدولة الاسلامية» قبل ان تشن العشائر المحلية فيها هجوماً مضاداً وتطرد المسلحين المتطرفين منها.
انتخاب الجبوري
في الاثناء، نجح البرلمان العراقي في انتخاب سليم الجبوري رئيساً له، ليطلق بذلك مسار تشكيل حكومة جديدة، بحسب ما أظهرت عملية التصويت والعد والفرز التي نقلت على الهواء مباشرة.
وحصل سليم الجبوري، مرشح القوى السنية الرئيسية في البرلمان العراقي المؤلف من 328 نائباً، على 194 صوتاً من بين أصوات 273 نائباً حضروا الجلسة وشاركوا في عملية التصويت، علما أن عدد الأصوات المطلوب للفوز بهذا المنصب هو 165 صوتاً.
وحصلت النائب شروق العبايجي التي نافست الجبوري على هذا المنصب، على 19 صوتا، بينما جرى فرز 60 ورقة تصويت باطلة.
وكان البرلمان العراقي فشل في جلسته الاولى في الاول من تموز (يوليو) في انتخاب رئيس له بحسب ما ينص الدستور، وفي جلسته الثانية أيضاً الأحد الماضي، قبل ان تطغى التوافقات السياسية على الجلسة الاخيرة.
ويتحدر الجبوري من محافظة ديالى شمال شرق بغداد، وهو عضو في الحزب الإسلامي العراقي.
وتعيد مسألة انتخاب رئيس للبرلمان اطلاق العملية السياسية في العراق وتعبد الطريق امام تشكيل حكومة جديدة تواجه التحديات التي تعصف بهذا البلد وعلى رأسها الهجوم الكاسح الذي يشنه مسلحون متطرفون منذ اكثر من شهر.
وينص الدستور على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ أول انعقاد للمجلس، على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخابه.
مؤتمر عمان
في الاثناء، انعقد في العاصمة الاردنية مؤتمر للمعارضة العراقية ضم 150 شخصية، تمثل الاطياف المعارضة لنظام حكم المالكي. ونظمت اللقاء وشاركت في اعماله الشخصيات السنية والمعارضة لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
ويأتي المؤتمر الذي يحمل اسم «مؤتمر عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق» للتأكيد على «وحدة العراق وعروبته، ورفض تقسيمه، ومخاطر التدخل الإيراني» في البلاد، و«ضرورة دعم الدول العربية للانتفاضة الدائرة حالياً في العراق»، مع التأكيد على «رفض العملية السياسية، وقوانين الاحتلال، ورفض التجديد لولاية ثالثة للمالكي».
وقال الدكتور بشار الفيضي عضو هيئة علماء المسلمين المشاركة في المؤتمر إنهم سيطالبون المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته لدعم الثورة في العراق، مشيراً إلى وجود تمثيل لحزب البعث في المؤتمر.
وتأتي اجتماعات عمّان بعد أيام من اجتماعات متصلة لقادة العشائر العراقية في اربيل عاصمة إقليم كردستان حيث تم تأسيس مجلس عشائر الثورة والذي يتبنى دعم المجالس العسكرية التي تقاتل القوات الحكومية.
وكان شيوخ العشائر العراقية تقدموا سابقا بطلب لعقد اجتماع لهم في عمّان وتمت تلبية رغبتهم وأحيط بإجراءات أمنية مشددة، وامتنع المشاركون في الاجتماع التحضيري عن الحديث أمام وسائل الإعلام تجنباً للحرج.
وكشف مصدر عراقي قريب من الاجتماعات عن أن عدداً كبيراً من ضباط الجيش العراقي السابق تمت دعوتهم للمشاركة في الاجتماع، كما أن العشائر التي يشارك عنها ممثلون في الحكومة تم استبعادها من الاجتماع وكذلك الأمر بالنسبة الى العشائر التي دعمت التواجد الأميركي في العراق، وأيضاً تم إقصاء العشائر التي تشكلت منها الصحوات.
ويشارك في الاجتماعات ممثلون عن العشائر العراقية من الأنبار والموصل وكركوك.
وعلى هامش المؤتمر، قال المتحدث باسم مجلس شيوخ عشائر الثورة الشيخ فائز الشاووش ان الثورة العراقية مستمرة ولن تتوقف الا بعد انهاء العملية السياسية الحالية وتغيير الساسة الحاليين وتغيير الدستور.
وأضاف الشاووش: «ان العراق لم يشهد منذ تأسيس دولته تدخلات ايرانية في شؤونه ولا عمليات سرقة منظمة ولا اية ترويجات طائفية الا بعد تولي الساسة الحاليين مهام ادارة الدولة العراقية بعد العام 2003. ودعا الشاووش المنظمات الدولية الى ملاحقة الجماعات والمنظمات الارهابية المرتبطة بايران وفي مقدمها حزب الله وعصائب اهل الحق وغيرهما من الجماعات التي تقتل بشكل يومي بدعم الحكومة العراقية.
اهداف المجلس
ومن ناحيته، قال الامين العام للمجلس الشيخ يحيى السنبل ان اهداف المجلس تتمثل في إنهاء الظلم الحكومي ودعم المجالس العسكرية وتوحيد العشائر العربية والوقوف بوجه التدخلات الخارجية في الشأن العراقي.
وأضاف الشيخ السنبل ان المجالس العسكرية لاعلاقة لها بتنظيم الدولة الاسلامية وان كلاً منهما يسيطر على بعض المناطق، مبيناً ان المجلس يسعى الى تحقيق هدفها المتمثل باسقاط النظام وتغيير الدستور، مؤكداً ان ثوار العشائر لن يشاركوا في اية صحوات تخدم المالكي وايران والولايات المتحدة كما حدث سابقاً.
حكم ذاتي للسنة
الى ذلك، وعلى هامش المؤتمر ايضاً، كشف مصدر عراقي مطلع ان «مؤتمر عمان لدعم الثورة وإنقاذ العراق» والذي، نظمته شخصيات سنية معارضة لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لمدة يوم واحد في العاصمة عمان جاء بعلم الادارة الاميركية، وان من ابرز مناقشاته مشروع وصول سنة العراق الى الحكم الذاتي في العراق كما النموذج الكردي في كردستان.
واشار المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن أبرز النتائج التي تم التوصل اليها الاعلان عن تشكيل لجان تنسيقية تحكم المناطق التي يسيطر عليها ثوار العراق تاسيسا لصيغة حكم ذاتي تتسق مبدئيا مع المحافظة على وحدة العراق.
وبعد الاعلان عن عمل اللجان التنسيقية في ادارة الحكم المحلي في مناطق السنة سوف تبدأ تقديم مطالبها السياسية الى البرلمان العراقي والذي جاء ترتيبه بضوء اخضر اميركي بما فيه فوز سليم الجبوري.
وكشف المصدر ان ابرز مطالب اللجان التنسيقية سوف تكون سحب القوات العراقية من مناطق السنة. وطرح حكم فدرالي مستقبلاً للسنة .في المقابل كشف المصدر ذاته ان حكومة تكنوقراط تم الاشراف عليها اميركياً جاهزة للاعلان قريبا وفيها تمثيل سني بنسبة 48 في المئة.
وانعقدت قبل ذلك أعمال اللجنة التحضيرية للمؤتمر، بعيداً عن الإعلام بأحد فنادق عمان الكبرى، وبمشاركة من قبل ممثلين عن الجيش الإسلامي والحراك الشعبي والمجالس العسكرية والمجالس السياسية، لعدد من الجماعات العراقية المعارضة، وحزب البعث العراقي، وهيئة علماء المسلمين، وأكاديميين وإعلاميين وشيوخ عشائر وشخصيات مستقلة
وبحسب مصدر عراقي فضل عدم نشر اسمه، توافق الحاضرون على مشروع بيان، لاصداره في ختام أعمال المؤتمر، يؤكدون فيه على «وحدة العراق وعروبته، ورفض تقسيمه، ومخاطر التدخل الإيراني» في بلادهم، و«ضرورة دعم الدول العربية للانتفاضة الدائرة حالياً في العراق»، مع التأكيد على «رفض العملية السياسية، وقوانين الاحتلال، ورفض التجديد لولاية ثالثة للمالكي».
وبرغم رفض العديد من المشاركين التصريح للصحفيين ووسائل الإعلام ، إلا أن ممثل الجيش الإسلامي، المشارك في المؤتمر الدكتور أحمد الدباش صرح بان الاجتماعات التحضيرية سعت لتهيئة الأرضية المناسبة، من أجل الوصول إلى تفاهمات، تساهم في حل الأزمة العراقية، وتحافظ على وحدة أراضي العراق وشعبه.
وأضاف أن كل المشاركين في المؤتمر «هم من المعارضين الرافضين للعملية السياسية في العراق، ما بعد الاحتلال الأميركي» في العام 2003.
وبين أن المؤتمر «ليس مخصصاً لتقسيم العراق، على أسس طائفية، استناداً لمبدأ المحاصصة، لأن العراق واحد، بمختلف مكوناته»، وزاد «لكن نحن نرفض قتل أهل السنة» أيضاً.
وكانت مصادر عراقية رجحت أن يعقب مؤتمر عمان مؤتمر كبير آخر، سيدعى له أكثر من 700 شخصية عراقية معارضة معنية «بأمن العراق ووحدته» في هذه الظروف، على أن يعقد في مكان وزمان لم يتم تحديدهما بعد.
ا. ح