دولياترئيسيعالم

تركيا: تبديل في المواقع، واستمرار للنهج: اردوغان للرئاسة وغول للحكومة

مع انه ليس مفاجئاً، فقد اثار اعلان زعيم حزب العدالة والتنمية، رئيس الوزراء التركي رجب طب اردوغان، ترشيح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي ستجري صيف هذا العام حالة من الجدل التي تتخطى عملية الترشيح ذاتها، وتدخل ضمن اطار البحث في مستقبل الدولة التركية.

فالرجل الذي يعتقد انه تخطى الحدود التقليدية للزعامة، ويرى انه حقق لبلاده اكثر من اي زعيم سبقه، بمن في ذلك الزعيم اتاتورك، الذي اسس للدولة العلمانية، والذي لم يفلح احد من الرؤساء الذين اعقبوه من هز «العرش العلماني» الذي اقامه، بينما جاء اردوغان ليقيم عرشاً مختلفاً، وليطلق مرحلة التحول الاسلامي بنسخته المختلفة.
وهي مرحلة تجمع ما بين الاسلامية والعلمانية، وتربط ما بين الشرق والغرب، وتحتفظ بخيط رفيع يربط ما بين العرب واسرائيل. واكثر من ذلك فإنه يقدم نفسه كصاحب مشروع اقتصادي نجح في نقل البلاد الى مراتب متقدمة والى دولة دائنة بدلاً من ان تكون دولة مدينة. وهو المشروع الذي يصر على تبنيه باعتباره مشروعه الخاص قبل ان يكون مشروع حزبه.

تشكيك
الجدل الدائر حالياً يصب ضمن محاور عدة، ابرزها التشكيك بديمقراطية اردوغان، ذلك ان عدم الاكتفاء بثلاث دورات في موقع رئيس الوزراء والتحول الى موقع رئيس الجمهورية بحكم ان النظام يمنعه من ترشيح نفسه لدورة رابعة يصنفه ضمن اطار السلطان. ويؤشر من قريب او من بعيد الى نوع من الاستبداد الذي يقوم عليه مشروعه، رغم محاولاته الظهور بمظهر الديمقراطي. ورغم عدم اخفائه لمشروعه العثماني الذي يقوم على فكرة احياء حلم الدولة العثمانية المرفوضة عربيا، والمقبولة على مستوى تنظيم الاخوان المسلمين.
اما في مجال الانجازات، فقد فتح بعض المتابعين جملة من الملفات ابرزها الفرضية التي تشكك في مدى نجاح مشروع اردوغان الاقتصادي. فقد سربت مجموعات معارضة تقارير تتحدث عن ان سبب تحول البلاد من دولة مدينة الى دائنة، وقدرتها على التخلص من مديونية عالية هو ارتفاع مستوى الانتاجية في بعض المشاريع دون ان يكون له دور في ذلك.
وبشكل تفصيلي، تشير التقارير الى ان حكومات سبقته استدانت مبالغ ضخمة من اجل اقامة مشاريع زراعية ومائية وخاصة بالطاقة. ومنها مشروع الغاب الذي تم من خلاله السطو على مياه نهر الفرات، واحتجاز مئات المليارات من الامتار المكعبة في مجموعة سدود عملاقة  لتوفير مصادر الري الى مساحات شاسعة من الاراضي، وتوليد الطاقة الكهربائية الرخيصة للمشاريع الصناعية وغيرها.
وتقوم الفرضية على اساس ان الدولة كانت مدينة في فترة الاستدانة واقامة المشاريع، لكنها تحولت الى دائنة في ما بعد وعقب البدء بمرحلة الانتاج.
وتقول التقارير عينها ان اردوغان كان مجرد شاهد على جزء من مرحلة الاستدانة، وعلى مرحلة الانتاج كاملة. لكنه نجح في قطف الثمار، وتقديم نفسه كمنقذ للاقتصاد التركي.

المعارضة ترد
ويبدو ان معارضيه يستعدون لتقديم معلومات رقمية تؤكد هذه الفرضية التي غابت عن اذهان الكثيرين من معايشي حقبة التحول، وممن يعتقدون ان حزب اردوغان هو من نجح في احداث نقلة نوعية بهذا المستوى.
وبالتوازي، هناك من يثير مجموعة الاحداث التي وقعت على مدى العام الفائت، وكيفية تصرف اردوغان مع معارضيه، والترويج لاسلوبه «القمعي» في التعاطي مع اية وجهة نظر تعارض مشروعه.
في التفاصيل، أعلن حزب العدالة والتنمية رسمياً ترشيح زعيمه رئيس الوزراء الاسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان الذي يحكم تركيا بلا منازع منذ 11 عاماً، للانتخابات الرئاسية المقررة في 10 و24 اب (اغسطس).
وقال نائب رئيس الحزب الحاكم محمد علي شاهين خلال اجتماع حاشد كان موضع ترقب في انقرة ان «مرشحنا للانتخابات الرئاسية هو رئيسنا العام والنائب عن اسطنبول رجب طيب اردوغان».
وتشير التوقعات الى ان رجل تركيا القوي البالغ من العمر 60 عاماً، سيفوز بمنصب رئيس الدولة لولاية من خمسة اعوام وسيصبح بذلك المسؤول الذي حكم البلد اطول فترة منذ مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال اتاتورك.
وبعد اشهر من الترقب والغموض تم الكشف عن اسم اردوغان  ظهر الثلاثاء في غرفة تجارة انقرة اثناء اجتماع حاشد لمجموعة الكوادر في حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه. وكان دخول اردوغان السباق الرئاسي حسم منذ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي جرت في 30 اذار (مارس) على الرغم من الانتقادات وفضيحة الفساد غير المسبوقة التي هزت حكومته.
وقبل ذلك، صرح نائب رئيس الوزراء بشير اتالاي للتلفزيون «نعتقد جميعاً انه افضل مرشحينا». وفي الاثناء، ازال رئيس الدولة الحالي عبدالله غول بنفسه كل الشكوك حول ذلك عندما اعلن انه لن يترشح لولاية ثانية.


«التجربة البوتينية»
واردوغان الذي تجبره مادة في النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية على مغادرة رئاسة الوزراء في ختام الانتخابات التشريعية للعام 2015، اعلن منذ اشهر انه لا يعتزم وضع حد لمسيرته السياسية. والمح الى انه بصدد تطبيق التجربة «البوتينية» التي طبقها الرئيس بوتين في روسيا عندما تبادل السلطة مع رئيس الحكومة لفترة رئاسية قبل ان يعود من جديد.
وعلى الرغم من اعتباره من قبل البعض مهندس التنمية الاقتصادية غير المسبوقة في تركيا منذ بداية سنوات الالفين، فان رئيس الحكومة اصبح مع ذلك منذ سنة الوجه الاكثر اثارة للجدل في البلاد. ومنذ حركة الاحتجاج الشعبي في حزيران (يونيو) 2013، يأخذ عليه الكثير من الاتراك انحرافه نحو «التسلط» وميله «الاسلامي» وينددون بالفساد السياسي المالي الذي هز نظامه. وقد سبب له القمع العنيف للتظاهرات التي تحدته في الشارع والقوانين الاخيرة التي تعزز الرقابة على الانترنت او القضاء، انتقادات حلفائه الاوروبيين ايضاً.
ومع ذلك، فان كل استطلاعات الراي التي نشرت نتائجها في الاسابيع الاخيرة ترجح فوزه بغالبية كبيرة في الانتخابات الرئاسية منذ الدورة الاولى.
وقبل اسبوع، منحه استطلاعان للرأي من 52 الى 54 بالمئة من نوايا التصويت لدى 52،6 مليون ناخب تركي.
غير ان فرص منافسه الرئيسي اكمل الدين احسان اوغلي، – المثقف السبعيني المعروف باعتداله –  ولكن غير المعروف لدى عامة الناس ولم يشتهر بكونه «سياسياً»، تبدو ضئيلة. وتبدو ايضاً فرص صلاح الدين دمرتاش النائب والمرشح الذي رشحه حزب السلام والديموقراطية الموالي للاكراد، ضئيلة هي الاخرى.
ولجذب اصوات الاكراد المقدر عددهم بـ 15 مليون نسمة من اصل 76 مليوناً، طرح اردوغان الاسبوع الماضي على البرلمان مشروع اصلاح يرمي الى احياء عملية السلام مع المتمردين الاكراد والمتوقفة حالياً.
وكثف اردوغان ايضاً الخطابات في حملته الانتخابية لدى الجاليات التركية في الخارج، في المانيا والنمسا وفرنسا، الذين سمح لهم للمرة الاولى بالادلاء باصواتهم في البلد الذي يعيشون فيه.

مهام بروتوكولية
وعملا بمواد الدستور العائد للعام 1982، فان مهام الرئيس المحتمل المقبل اردوغان بروتوكولية بشكل كبير. غير ان بعض التسريبات تشير الى ان اردوغان سيكون هو الرئيس الفعلي للحكومة، بالتوافق بين الزعيمين اردوغان وغول. وبحيث يتنازل رئيس الوزراء عن بعض صلاحياته ويتيح لزعيمه التدخل في العديد من الامور طواعية. ومن غير المستبعد التوافق على تعديلات دستورية توسع من دائرة صلاحيات رئيس الجمهورية.  لكن اردوغان لم يقر بتلك التسريبات، حيث اعلن انه سيستخدم كل السلطات الممنوحة له وخصوصاً انه يعتزم الاستفادة مما يوفره الاقتراع العام المباشر لمواصلة حكم تركيا. لكنه قال ان «الرئيس المقبل لن يكون رئيساً بروتوكولياً، وانما رئيساً يتعب ويسعى ويعمل بكد».
في الاثناء، نددت الصحافة الليبرالية مسبقاً برئيس دولة سيكون – في رأيها – تسلطياً. وكتب بعض اركانها ما يشير الى ان «تركيا تنجرف بخطى سريعة نحو نظام الرجل الواحد».
وفي المقابل رحبت الصحف الموالية بالرئيس المنتظر، ووصفت اردوغان بانه «نموذج اقليمي» بفضل «مواقفه الصريحة والمستقلة في كل المجالات ونجاحه في مجال الاقتصاد».

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق