سياسة لبنانية

لماذا مبادرة عون الآن لتعديل الدستور واعتماد النظام الرئاسي؟

ينصرف العماد ميشال عون للاعداد للانتخابات النيابية قبل الرئاسية انطلاقاً من اقتناعه بارتباطها بالتطورات في المنطقة، وان طبخة الحلول الاقليمية لم تنضج بعد وبالتالي فان الطبخة الرئاسية لن تستوي قبل ايلول (سبتمبر) المقبل، وفق ما يشير احد الديبلوماسيين.

يحمّل الديبلوماسي اللبنانيين، وتحديداً المسيحيين، مسؤولية عدم اجراء الانتخابات. ويقول انه كان على القادة المسيحيين المبادرة من خلال توحيد موقفهم والاتفاق على مرشح او اكثر، واجراء الانتخابات على اساسها. ولان موقف بعض الاطراف في 14 اذار بات مرتبطاً بالتطورات في المنطقة وفق اوساط عونية، فقد لجأ هذا البعض الى دعم ترشيح الدكتور سمير جعجع، مع علمه باستحالة وصوله. وتضيف ان التمسك بدعم جعجع يعكس جو الغموض والبلبلة الذي يسود اجواء فريقه السياسي، بسبب الضياع الذي يخيم على محوره الاقليمي وانهيار الرهان على المشروع الخارجي. وتقول الاوساط لقد لمست اطراف في قوى 14 اذار التخلي الخارجي عن دعمهم، خلافاً لما كان عليه الامر عام 2005، اضافة الى ان الانتصارات التي يحققها مشروع الممانعة والمقاومة في المنطقة بقيادة ايران اربكت 14 اذار وحلفاءها فراحوا يراهنون على عامل الوقت لتغيير المعادلة وموازين القوى.
وعلى رغم القراءة السياسية التي يعتمدها العماد ميشال عون ولجوئه الى الانتخابات النيابية كمخرج للمأزق، ترى اوساط قريبة من عين التينه ان ما يذهب اليه عون الان ليس هو الطريق السليم، وان الاهتمام يجب ان يكون باجراء الانتخابات الرئاسية قبل اي عمل اخر. ويقول وزير سابق ان هناك اسئلة كثيرة يطرحها اهل القانون والدستور حول الانتخابات النيابية منها: من يدعو الهيئات الناخبة؟ ومن يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة الجديدة لان حكومة تمام سلام تعتبر مستقيلة بعد الانتخابات؟ ومن يوقع مرسوم التكليف؟ هذه اسئلة لم يشر اليها الدستور ولم يتطرق اليها المشترع. فاذا استقالت حكومة سلام من يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية، والى من تذهب، وكيف يتم التعامل معها، ومن يوقع على المراسيم والقرارات نيابة عن الرئيس؟ عندها يبقى المجلس النيابي المنتخب المؤسسة الدستورية والشرعية والميثاقية الوحيدة. هناك اسئلة ليس لها اجوبة فالمشترع لم يتطرق اليها لانه لم يرد في  ذهنه يوماً ان النواب سيقاطعون جلسات انتخاب رئيس الجمهورية رغم النصوص الدستورية التي تفرض عليهم انتخاب رئيس الجمهمورية فور حصول الشغور في سدة الرئاسة. ويستغرب الديبلوماسيون عدم قلق جهات سياسية مسيحية من الفراغ في سدة الرئاسة.

انتخابات مستحيلة
يقول احد نواب 14 اذار ان هناك استحالة لاجراء الانتخابات النيابية في الوقت الحاضرفي ظل موازين القوى الحالية وانتشار السلاح في يد فئة من اللبنانيين. وهناك صعوبة قصوى في الاتفاق على قانون جديد للانتخاب. وان عدم الاتفاق، العام الفائت، ادى الى تمديد ولاية المجلس 17 شهراً، بعدما تعذر اجراء الانتخابات على اساس قانون الستين. وفشلت المحاولات للاتفاق على قانون جديد.
تمسك القادة الموارنة الاربعة يومها بالمشروع الارثوذكسي، واعترضت القيادات المسلمة عليه من الرئيس سعد الحريري الى النائب وليد جنبلاط الى حزب الله والرئيس نبيه بري. وادى الامر الى تصدع الاصطفاف السياسي بين 8 و14 اذار. واهتزت التحالفات وتصدع جدار الجبهات فسارع بري الى طي الموضوع بالاتفاق مع القيادة السنية التي رفضت المشاركة في مناقشة المشروع الارثوذكسي لانه يضرب الوحدة والعيش المشترك وفق اوساط 8 اذار. يومها استعجل بري تمديد ولاية المجلس، فطعن الرئيس ميشال سليمان والعماد عون بالقانون. الا ان الضغط السياسي الذي مارسته جهات في 8 اذار على بعض اعضاء المجلس الدستوري منع هؤلاء من مناقشة الاعتراض واصدار قرار، الى ان انقضت المهلة من دون ان يجتمع المجلس لتغيب بعض اعضائه، وسط انتقاد قوي لهذا التصرف. وتم تجاوز طعن سليمان وعون في القانون، واستمر المجلس رغم اعتباره من قبل عون غير شرعي وغير دستوري، وان تمديد الولاية غير ميثاقي وضد الانتظام العام، الا ان عون اعترف بوجود المجلس عندما دعاه الى اقرار الاقتراحات التي تقدم بها كمدخل للخروج من المأزق، وهي تقوم على اجراء تعديل دستوري محدود لانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة على مرحلتين: الاولى تأهيلية على مستوى الطوائف، والثانية تكميلية على مستوى الوطن، واعتماد قانون انتخاب يقوم على انتخاب كل طائفة نوابها.

خوفاً من التمديد
لماذا اعلن عون عن مبادرته عشية الجلسة الثامنة لانتخاب رئيس الجمهورية؟ يقول سياسي مراقب ان مبادرة عون جاءت بعدما لمس وجود مساع حثيثة لتمديد ولاية المجلس مرة ثانية رغم نفي البعض. ويتم التداول عن تمديد بين سنة او سنتين، كما انها جاءت نتيجة يأس من مواقف البعض وتضاؤل حظوظه لانه لم يحصل على الاجابات التي انتظرها من تيار المستقبل، ولم تصل اشارات خارجية اليه، فقرر في ضوء هذه المعطيات تقديم مخرج للوضع يتبناه الرئيس المستقبلي. وينقل زوار الرابية عن عون قوله انه لم يعلن ترشيحه ليسحب هذا الترشيح كما يطالب البعض، وانه لم يترشح «عندما لمس مستوى المرشحين» لذلك لم يؤمن النصاب. وعندما يترشح من «عليه القدر والقيمة ويتحلى بالمواصفات المطلوبة اؤمن له النصاب». واعتبرت اوساط في 14 اذار ان مبادرة عون هي ضرب للشراكة وتغيير للنظام من البرلماني الى الرئاسي. وتشكل المبادرة ضرباً لروحية وثيقة الوفاق الوطني التي وضعت في الطائف، كما هي  ضرب للمعادلة التي قام عليها الدستور، كما تسعى المبادرة الى ترسيخ الطائفية بدلاً من تعزيز روح الشراكة والوحدة. ان المشروع الارثوذكسي للانتخابات المقترح من قبل عون هو خط احمر وفق 14 اذار. ووجدت اوساط سياسية في المستقبل في المبادرة رسالة الى الرئيس سعد الحريري، رداً على مواقفه، لا سيما عندما رد على قول عون انه يؤمن حمايته السياسية والامنية اذا كان في السلطة.
واستغربت اوساط قريبة من عين التينه مبادرة عون في هذا الظرف متسائلة، الا يستوجب الاستهداف الامني للساحة الاسراع في انتخاب رئيس الجمهورية ليتولى تفعيل المؤسسة وتوفير المظلة السياسية للاجهزة الامنية، على الدور الذي تقوم به في حربها على الارهاب، الذي خطط لضرب الساحة واستهداف المقار الامنية والعسكرية ومراكز التجمعات في البيئة الحاضنة لحزب الله، وفق ما يشير مسؤول امني؟ ويكشف مرجع امني اخر ان المعلومات التي لدى الدولة وان كانت مقلقة الا ان الاجهزة الامنية بفعل التنسيق والتعاون تتصدى لها وقد تمكنت من مفاجأة الارهابيين وتفشيل مخططاتهم ومنعهم من الوصول الى اهدافهم. ويكشف المرجع الامني عن دخول عناصر مشبوهة الى لبنان هي قيد المراقبة من قبل الاجهزة وهناك تعقب لمطلوبين واستقصاء حول سيارات مفخخة تردد انها دخلت لبنان. وقد اتخذت الاحتياطات الامنية بعدما تردد ان الارهابيين وعلى اثر الانتفاضة في العراق يشعرون بالنشوة فاعلنوا عن استهداف لبنان في عملية «قتال لحزب الله في ارضه بعدما ذهب لقتالنا في ارضنا» كما اشارت المعلومات الامنية.
وسط هذا المناخ يقول مصدر وزاري ان الوقت ليس لتعديل الدستور وتغيير معادلة الطائف في الوقت الذي يستهدف الارهاب الساحة اللبنانية، وان الظرف هو للتضامن بالحد الادنى والانصراف الى تحصين الساحة، لمواجهة المخططات التي تؤكد جهات امنية اصرار الارهاب على تحقيق اهدافه. ويجب ان يتقدم الامن على السياسة، وان يكون لانتخاب الرئيس اولوية على اي عمل اخر، وان النواب الذين سيجتمعون لتعديل الدستور بالثلثين يمكنهم انتخاب الرئيس قبل اي عمل اخر.

فيليب ابي عقل

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق