أبرز الأخبارتحقيق

هربن من الموت وغرقن في جحيم الدعارة!

الليلة العادية بـ 5 دولارات والحمراء قد تصل إلى… المئة

عمليات استغلال السوريات عموماً والقاصرات تحديداً بات «موضة» العصر ولا سيما في الأردن وتركيا والخليج

للحرب قوانينها… هكذا تعلمنا، أو هكذا حاولوا أن يلقنونا لتبرير كل ما يمكن ان تلوثه اياديهم السود. لكن تداعيات الحرب السورية على النازحين، وتحديداً النازحات، أبشع من ان تتحول إلى قوانين اقله في غياب رقابة الدولة وعجز المنظمات والجمعيات الدولية عن حماية النازحات، واستحالة حماية انفسهن من السوق «المفتوحة» امامهن لبيع اجسادهن مقابل بقائهن على قيد الحياة او ضمان حياتهن وحياة عائلاتهن.
قد يصح ان الدعارة من الممارسات او «القوانين» التي شرعتها الحروب على النازحين. لكن فصولها في لبنان باتت تستحق اكثر من نظرة شفقة او مجرد اعتبارها نتيجة لحالات الفقر والعوز! إنها ظاهرة مفتوحة على كل الإحتمالات ولأجل غير مسمى..
.

سموها ما شئتم، معاناة، ذل، هروب من الموت إلى واقع اكثر مرارة، ظاهرة اجتماعية بدأت تتفشى بشكل فاضح في مجتمعنا اللبناني… العناوين كثيرة لكن النتيجة واحدة: آفة إجتماعية بدأت تتظهر في القرى والعاصمة بيروت، وحيثما يوجد نازحون سوريون هناك دعارة تواجه السوريات كونهن فقط نازحات.

للحرب قوانينها
تبرير قد يجد تفسيراً له في حال سلمنا بالمقولة «للحرب قوانينها»، لكنه لم يعد مجرد حالات فردية بل ظاهرة تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعي تتضمن طلبات للزواج من نازحات سوريات مقابل مبلغ من المال او دعارة سرية ومن داخل الشقق التي يسكنون فيها او حتى داخل الخيم بمبلغ يراوح بين 10 دولارات و100دولار. واحيانا لا يتجاوز الـ 5 دولارات! صدقوا!
سلمى في السادسة عشرة من عمرها وصلت إلى أحدى القرى الشمالية في لبنان مع عائلتها هربا من القصف وآلة الدمار التي كانت تطاول قريتها دير الزور. روايتها التي نقلتها عنها إحدى الإختصاصيات في علم النفس في جمعية إنسانية دولية تختصر وجع النازحات السوريات اللواتي وضعتهن الأيام امام خيارين في الحياة: «إما ان يبعن أنفسهن او يمتن جوعاً وقهراً».

دعارة تتوزع على فئات: دعارة الشارع، الدعارة المقنعة تحت ستار الزواج غير المسجل، وزواج القاصرات بهدف السترة

«منذ نحو العام بدأت ابيع نفسي لقاء خدمات جنسية. البداية كانت من الشارع من خلال «قواد» يعرف بإسم ابرهيم. لاحقاً اقنعني بالعمل في المكتب الذي يملكه على ان يرفع اجري مقابل كل خدمة جنسية في اليوم إلى 20 دولار. لكنني فوجئت بأن عدد الزبائن ارتفع ومنهم من كان يتعامل معي بوحشية. أما الأجر فلم يتجاوز العشرة دولارات عن كل زبون. لكنني تحملت كل ذلك من أجل تأمين لقمة العيش وتعليم إخوتي».
أحياناً يصل عدد الزبائن إلى 20 في اليوم الواحد وأحياناً «لا أوفق بأي زبون فأعود من دون بخشيش إلى البيت وننام جياعاً».
ليست سلمى الفتاة السورية الوحيدة في مكتب «ابرهيم» والأخير مستسنخ بالمئات. قصتها تنطبق على العديد من الفتيات السوريات اللواتي تسجلن ايضاً في مكتب البغاء ومنهن من تحولن إلى راقصات في نوادٍ وملاهٍ ليلية.

جنس وتعنيف ومخدرات
وتنقل الإختصاصية في علم النفس انه عندما لجأت إليها سلمى كانت في حال نفسية مدمرة على رغم حياة الرخاء التي امنتها لها اعمال الدعارة. لكنها كانت تتعرض للضرب والتعنيف كما اجبرت على تعاطي المخدرات لتلبية حاجات الزبائن. وعندما دخلت الجمعية بواسطة إحدى السيدات اللواتي كن يزرن العائلات النازحة في المنطقة التي تسكن فيها مع اهلها لم تعترف بواقعها وقالت إنها كانت تتعرض للعنف على يد والدها. ولاحقاً بدأت تعترف بواقعها المرير وتقول إنها لا تريد ان تستمر في مهنة بيع جسدها لكنها تخشى من ان يتعرض لها ابرهيم او احد الزبائن، حتى انها لا تستطيع مغادرة لبنان لأنه لا يزال يحتفظ ببطاقة هويتها وجواز سفرها.

موضة العصر
خوف قهر وجع وخيبة… ثمة الكثير من الصفات التي تنطبق على واقع النازحات السوريات. لكن هنا كل شيء مباح. واللافت ان حكاياتهن لا تنتهي عند حدود لبنان بل تتجاوزها لتكشف أن عمليات استغلال السوريات عموماً والقاصرات تحديداً باتت «موضة» العصر ولا سيما في الأردن وتركيا والخليج وسواها من الدول بحسب المسؤولة عن وحدة مكافحة الإتجار واستغلال النساء في جمعية «كفى» غادة جبور. وتضيف ان الدعارة في اوساط النازحات السوريات ليست مخملية إنما هي ناتجة عن العوز والفقر. وإذا ما وضعناها في سلم الربح نرى انها الأكثر انخفاضاً وهي تتوزع على فئات: دعارة الشارع والدعارة المقنعة تحت ستار الزواج غير المسجل وزواج القاصرات بهدف السترة  وهي لا تخلو من انواع الإستغلال الجنسي والعنف الجسدي والمعنوي.
ترفض جبور وضع دعارة النازحات السوريات خارج اطار العنف ضد المرأة. لكن اياً منهن لا تذهب إلى  ممارسة فعل الدعارة بالقوة. على العكس هي هناك بكامل وعيها وإرادتها فلماذا يتم تصنيفها في إطار العنف ضد المرأة؟ تجيب جبور: «لا احد يحلم في سلوك هذه الطريق. هذا امر ثابت. لكن ما هي الفرص الممنوحة امام النازحات السوريات طالما انه لا توجد دولة تؤمن للنازحين بيئة حياتية مقبولة؟ حتى المنظمات الدولية عاجزة عن حمايتها فكيف يكون لديها خيار في تحديد مسار حياتها؟ صحيح انها تذهب بملء إرادتها لكن بعد استغلالها وتوريطها في شبكات الدعارة عن طريق وسائل إقناع عدة، وهذا ما يعرف باستغلال المرأة وهو ينتشر كنتيجة حتمية في المجتمعات التي تستقطب النازحين او التي تعيش حروباً حيث يتحول الإغتصاب إلى سلاح فتاك في ايدي الجنود والمدنيين على حد سواء».

فتيات سوريات قاصرات يجبرن على ممارسة الدعارة تحت وطأة التهديد والضرب المبرح والعنيف من قبل الزبون وحجز بطاقات هوياتهن من قبل «القواد»

لبنان الاكثر خطورة
في العراق وكوسوفو وسراييفو لم تكن الصورة افضل… لكن في لبنان الوضع اكثر خطورة! الإختصاصية في علم الإجتماع الدكتورة عبلة قاضي تعترف بأن الدعارة لا تشكل ظاهرة في لبنان، والأسواق التي كانت تنتشر في بيروت قبل الحرب تشهد على ذلك. ومع إقفالها في عز الحرب تحولت هذه الأسواق والشوارع التي كانت تخضع للرقابة الأمنية والصحية وكانت شبه منظمة إلى دكاكين وشقق وباتت موزعة في الأحياء السكنية وحتى في الفنادق. اليوم ليست النازحة السورية وراء انتشار او إعادة تظهير الدعارة في لبنان. إنما الفلتان الأخلاقي والفوضى المنتشرة في البلد بدءاً بالفراغ الرئاسي مروراً بتجميد عمل المؤسسات الدستورية وصولاً إلى المجتمع المتفلت من كل القوانين والأنظمة الإجتماعية والأخلاقية، كلها تسببت في انتشار الدعارة على كل المستويات.
نفهم من ذلك ان الحل شبه مفقود والمطلوب ان نخبىء رؤوسنا او رؤوس بناتنا خشية ان تنتقل العدوى إليهن؟ تجيب د. قاضي: «ليست الدعارة بفيروس ولا وباء قاتل. هي حالة موجودة في كل المجتمعات لكن الفوضى والفلتان ساهما في تفلتها من كل المفاهيم الأخلاقية والإنسانية».
لا تدافع قاضي حتماً عن مهنة الدعارة التي احترفتها غالبية النازحات السوريات ولا تدين. والمطلوب؟ رقابة أمنية واتخاذ خطوات من قبل الدولة لتأمين حد ادنى من الحياة الكريمة للنازحين وإيصال المساعدات اليهن عن طريق المنظمات الدولية. لكن ماذا لو كانت كل هذه المعادلات غير موجودة وإذا وجدت فهي عاجزة عن القيام بواجبها.

مهمة شبه مستحيلة
نقرع باب الجهاز الأمني المولج في قضايا الإتجار بالبشر والدعارة ونقرأ الآتي: «في العام 2009 اقرت الحكومة قانوناً لمكافحة جريمة التجارة بالبشر لكن لا شيء تغير. فأغلبية عاملات الملاهي الليلية من الأجانب ومن بينهن نسبة كبيرة من السوريات لكن غالباً ما يتم احضارهن إلى المنازل وإجبارهن على ممارسة مهنة الدعارة». المرجع الأمني اوضح ان المنظمات اللبنانية غير الحكومية تتولى منذ بداية انتشار ظاهرة الدعارة بين النازحات السوريات على تقديم النصح لهن وتوعيتهن على المخاطر الناتجة عنها لا سيما على مستوى الأمراض الجنسية. لكن المهمة شبه مستحيلة في بلد يضم اكثر من مليون لاجىء، ولفت إلى أن مالكي النوادي الليلية يتحايلون على الشرطة إذ انهم يعملون على إخفاء الفتيات عندما يصلهم «إخبار» عن قيام مكتب الآداب بدورياته المعتادة.  
في ثمانينيات القرن الماضي كانت النوادي الليلية تستقدم فتيات الليل من آسيا وأوروبا الشرقية. اليوم باتت المسألة أسهل. هم موجودون هنا بيننا ويتعرضن لأبشع انواع التعنيف والإستغلال. وهذا ما كشفت عنه التحقيقات التي أجرتها القوى الأمنية مع فتيات سوريات غالبيتهن قاصرات كن يعملن في شبكتي دعارة واحدة في منطقة وادي الزينة وأخرى في منطقة كفرعبيدا. فقد تبين أن الفتيات تعرضن لأسوأ أنواع الإستغلال الجسدي وكن يجبرن على ممارسة الدعارة تحت وطأة التهديدات والضرب المبرح والعنيف من قبل الزبون، إضافة إلى حجز بطاقات هوياتهن وجوازات السفر من قبل «القواد».

«أحياناً يصل عدد الزبائن إلى 20 في اليوم الواحد وأحياناً لا أوفق بأي زبون فأعود من دون بخشيش إلى البيت وننام جياعاً»

تسألون عن أسعار اللذة؟
القيمة متفاوتة تبعاً للوقت الذي يطلبه الزبون والمكان ونوعية الخدمات. أما أقصاها فيصل في الليلة الحمراء إلى المئة دولار لكنها تذهب كلها لحساب القواد ولا تحصل منها فتاة الدعارة إلا على مبلغ يؤمن لها شراء عشاء لها ولعائلتها عندما تعود إلى البيت. وقد لا يتجاوز الـ 5 دولارات او 20 دولاراً كحد اقصى.
«لم نهرب من الموت لنعيش في الذل» عبارة ترددها النازحات اللواتي أرغمتهن ظروف النزوح على النزول إلى سوق الدعارة. فهل يتحول المجتمع اللبناني إلى سوق «دعارة» في ظل تزايد عدد النازحين؟ وماذا نقول لفتياتنا اللواتي قرأن وسمعن عن دعارة النازحات السوريات بحجة الفقر والعوز؟
حتماً ليس وقت البكاء على الأطلال ولا تبرير هذه الآفة التي باتت اسبابها معللة بألف إطار وإطار.
الدعارة هي دعارة ونقطة على السطر.

 

جومانا نصر

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق