أبرز الأخبار

العراق: «داعش» تتصدر المشهد، و«الثورة الهجينة» تطلق شرارة التقسيم

تفاصيل كثيرة، ومثيرة، يتوقف عندها المتابعون لتطورات الشأن العراقي. غير انها في مجملها لا تفضي الى ما يؤشر على حقيقة ما جرى، وما يجري في تلك البقعة من العالم. المؤشر على ذلك الكم الكبير من التساؤلات التي انتجتها التطورات، والتي تطرح بقدر كبير من الالحاح، وعلى اكثر من صعيد، وتفضي الى قناعات متقاطعة، وفي اكثر من اتجاه، وضمن اطر من القناعات التي لا تتوقف عند حالة معينة.

من ابرز التساؤلات التي تفرض نفسها، والتي تطرح تلقائياً بحكم تكرار تداولها وعلى اكثر من صعيد: ما هي حقيقة ما جرى؟ هل هي ثورة حقيقة بعناصر كاملة؟ ام انها عبارة عن «فورة» استغلت ظرفاً استثنائياً وحاولت الخروج من عنق الزجاجة؟
وهل ما جرى من صنع تنظيم داعش فعلاً؟ ام من تنظيم جهة اخرى؟ ومن هي تلك الجهة؟ وما هو دور حزب البعث فيها؟ وهل هناك تواجد قوي للحزب؟ وهل نجح عزت الدوري فعلاً في تجميع وتنظيم تلك القوى وايصالها الى هذا المستوى من التسليح والتدريب وصولاً الى تمكنها من طرد الجيش والشرطة العراقية التي كلف تدريبها وتنظيمها وتسليحها اكثر من مائة مليار دولار؟
وهل القبائل العراقية التي تتشكل منها منطقة المثلث السني على قدر من التنظيم والترتيب والتدريب والتسليح بما يكفي لـ «التحرر» من قبضة الحكومة التي يتهمونها بـ «الطائفية».

اجابات غير كافية
اللافت هنا، ان مجمل الاجابات التي تتحصل من طرح هذا الكم من التساؤلات اصبح غير كاف للحصول على قناعات من شأنها ان تنهي حالة الجدل الدائرة. لكنها حددت جملة من المسارات التي تؤشر على طبيعة الوضع، وعلى بعض محددات المستقبل، وخصوصاً القناعة بان ما حدث كان «ثورة»، وانها «ثورة هجينة» شاركت فيها اطياف متعددة، والتقت تحت مظلتها الوان سياسية وفكرية متقاطعة، اجتمعت ضمن اطار مصلحي واحد.
هنا، قد يكون تعبير «الثورة الهجينة» مستغرباً لدى البعض، وخصوصاً الذين يعتقدون ان كل ما حدث كان من انجازات تنظيم «دولة العراق والشام الاسلامية» الذي يطلق عليه اسم «داعش». غير انه ليس كذلك بالنسبة الى من قرأوا، وما زالوا يقراون المشهد بكل تفاصيله، بما في ذلك التفاصيل الدقيقة منها. والتي يمكن من خلالها الوصول الى قراءات اكثر عمقاً للواقع الصعب الذي تعيشه تلك المنطقة. والتي يعتقد محللون ان مصيرها ما يزال مجهولاً. وان ما جرى حتى اللحظة لا يمكن ان يؤشر على نتيجة نهائية للوضع السياسي او غيره. فالحدث من اساسه، فاجأ البعض، والاحداث المتسارعة افقدت العديد من المتابعين القدرة على التركيز. ومواقف الاطراف التي يفترض ان تكون فاعلة لم تكن بمستوى الحدث، ما شكل قراءات عديدة اخرى متقاطعة، وجهت عمليات التحليل السياسي والامني والعسكري في اتجاهات مختلفة.
غير ان كل العملية باتت تسير ضمن سلسلة من القنوات التي تلتقي عند كم من الثوابت، ابرزها ان الثورة لا يمكن ان تكون ثورة لتنظيم داعش، وانما ثورة هجينة شاركت فيها اطراف عدة وجدت نفسها متضررة من الواقع الراهن الذي سبق انطلاقة الشرارة ورافق تداعياتها.

متضررون
ويمكن هنا التوقف عند اطراف عدة، كانت متضررة من الفرز الطائفي، ومن حالة التهميش التي شكلت عنواناً رئيساً لحقبة كان من المفترض ان تسمى «حقبة الديمقراطية». من تلك الاطراف سكان المناطق السنية الذين عانوا من التهميش والقتل والاعتقال والتضييق عليهم. واستبعادهم من كل المواقع ومن المشاريع الانمائية والخدمية التي وجهت نحو المناطق الشيعية. والتي حصل الاكراد على حصتهم منها كاملة غير منقوصة.
المتابعون للشان العراقي وتطوراته الاخيرة يؤكدون ان تنظيم داعش ما هو الا مكون واحد من مكونات عدة نجحت في تحريك المياه الراكدة. الا انه قد يكون المكون الاضعف في المعادلة العراقية. اضافة الى كونه طارئاً، ويعتمد على جذور خارجية في كل تفاصيله. وتمتد اهتماماته الى خارج العراق، بحكم تواجد بعض مكوناته على الارض السورية، ومواصلة القتال هناك.
ويبدو ان تفاصيل المشهد اغرت العديد من الاطراف، اما بالدخول الى الساحة وتقديم انفسهم كعناصر فاعلة في ما جرى، او بالاسهام الحقيقي في التفاصيل.
الصورة بمجملها ما زالت تحتمل المزيد من التاويل والتحليل. وهناك العديد من القراءات التي تذهب الى ما هو اعمق من المشهد الماثل امام الجميع.
من ذلك من يسلم بنظرية المؤامرة، ويرى ان الامور بمجملها محكومة بعناصر موجهة لخدمة اغراض محددة.
وفي هذا السياق، ثمة من يرى ان القضية بمجملها تتعلق بعاملين اثنين هما، الخلافات بين المكون الشيعي، وضرورة طيها. ورئاسة الحكومة العراقية للمرحلة المقبلة ورغبة المالكي المدعوم ايرانياً بالحصول على تجديد لولاية ثالثة.
المدققون في هذا الشان يتوقفون عند كم من المعطيات التي يمكن ان تقرأ بالرؤية عينها، وبكل التفاصيل. حيث جرى تسجيل خلافات داخل الوسط الشيعي، كانت المرجعيات ترى انه يمكن ان يؤدي الى بعثرة المشروع الذي يحظى برعاية كبرى من قبل الاطراف كافة ضمن ذلك المكون.
وترجمت تلك الحالة الخلافية ضمن اطار المشاورات التي تجري تحت مسمى تشكيل الحكومة على ضوء نتائج الانتخابات الاخيرة. حيث يتمسك نوري المالكي بما يعتبره حقه في تشكيل الحكومة استنادا الى حصوله على اكبر عدد من المقاعد قياسا بالائتلافات الاخرى. وهناك من يرفض تلك الفرضية من داخل الوسط الشيعي.

محاولات استغلال
ومن الامور التي تم تسجيلها في هذا الملف ان المرجعية العظمى «آية الله السيستاني» كانت تعارض التجديد للمالكي الذي تدعمه ايران. وبالتالي هناك قراءة تؤشر على احتمالية توظيف ما حدث في خدمة مشروع تكليف المالكي.
اللافت هنا، ان تنظيم داعش الذي تصدر المشهد، والذي قيل انه هو من اطلق شرارة الثورة، ومن سجل انتصارات واضحة حاول استغلال الحالة الدعائية، وتوظيفها لصالحه، وعكس النتائج على صورتهالاجمالية. وعلى واقعه في المشهد السوري،. املاً بتحسين واقعه على الارض السورية، التي تشكل احد اهم عناصر برنامجه العقائدي، الذي يمتد ما بين العراق وسوريا.
وفي الوقت نفسه، حاولت جماعة المالكي التركيز على تلك الصورة، والترويج لها ومحاولة استغلال تبعاتها ونتائجها في خلق جو عام عقائدي يناهض المشروع السني من جهة، والمتطرف من جهة ثانية، ويعمل على توحيد الموقف الشيعي ضمن اكثر من هدف. وكان واضحاً ان ذلك الهدف تحقق فعلاً لجهة ان المرجعية الشيعية آية الله السيستاني اعلن عن دعوته للشيعة من اجل «حمل السلاح» ومقاومة تنظيم داعش الذي يعتقد انه هو من قام بالثورة، مع انه في حقيقة الامر لا يمتلك من العدد والعدة ما يمكنه من تحقيق اي مكسب على الارض.
وساعد في ذلك الترويج لعمليات اعدام جماعية قامت بها حركة داعش في بعض المناطق، حيث اعلنت عن اعدام 1700 شخص مرة واحدة، كلهم طلاب في مدرسة الطيران. اضافة الى اعلان التنظيم عن ترتيبات واجراءات نظامية طالبتهم بالالتزام بها. من بينها التزام النساء بالزي الشرعي، وتشكيل محاكم مهمتها التاكد من تطبيق تلك التعليمات، وهي تعليمات كانت كافية لتأليب الشارع ضد «الثوار الجدد».
وكان السيستاني دعا على لسان معتمده في كربلاء الجمعة الماضي العراقيين إلى حمل السلاح، وقتال «الارهابيين» دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، والتطوع للانخراط في القوات الأمنية في دعوة وصفت بأنها إعلان للجهاد. وأكد أنّ العراق وشعبه يواجهان تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً. موضحًا أن «الارهابيين» لا يستهدفون السيطرة على بعض المحافظات مثل نينوى وصلاح الدين فقط، وانما يستهدفون ايضاً جميع المحافظات، كما اعلنوا، ولا سيما بغداد وكربلاء والنجف، وجميع العراقيين في جميع مناطقهم. وشدد على أنه لذلك فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مهمة الجميع ولا تخص طائفة دون أخرى أو طرفاً دون آخر.

الموقف الاميركي
وفي السياق، وعلى الرغم من القراءة الاميركية الخاصة لتطورات الموقف، وحيثياته، فقد نجحت الدعاية التي قامت بها حكومة المالكي في كسب ود الاميركيين، من زاوية اتخاذ الاجراءات والترتيبات الاحتياطية اللازمة للتعامل مع أي مستجد. وفي هذا السياق، اكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري حرص واستعداد بلاده لدعم الحكومة والقوات العراقية لمواجهة «التهديد الارهابي الخطير» للدولة العراقية، مشيراً الى أن الحكومة الاميركية تدرس جميع الخيارات المتاحة للتعامل مع الوضع الجديد، دون ان يوضح ماهية تلك الخيارات.
واكد كيري خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية هوشيار زيباري بحسب بيان لوزارة الخارجية العراقية «أهمية وحدة موقف القيادات العراقية والتعاون البناء في ما بينهم ضمن اطار الدستور والعملية الديمقراطية لمواجهة هذا التدهور الأمني الذي شهدته بعض المحافظات».
واشار «الى تقديم الولايات المتحدة لمساعدات انسانية عاجلة بمقدار 12مليون دولار للنازحين والمشردين من جراء الهجمات الارهابية على مدنهم ومناطقهم».
في المقابل، وفي وجهة نظر مغايرة، قال رئيس بعثة العلاقات مع العراق في البرلمان الأوروبي آسترون استيونسن إن ابعاد نوري المالكي عن منصبه، وإيقاف التدخل الإيراني وإقامة حكومة موقتة وطنية وديمقراطية وغير طائفية، هو الحل الوحيد الضروري في العراق.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن الانتفاضة الشعبية في العراق وتحرير مدنها واحدة تلو الأخرى، بجانب انهيار قوات المالكي وهروبها وانسحابها الجماعي في مواجهة العشائر تتواصل مسرعة.

انسحابات الجيش
ميدانياً، أعلنت مصادر أمنية عراقية عن انسحابات لقوات الجيش العراقي من المناطق الغربية في محافظة الأنبار المتاخمة لسوريا والأردن.
وذكرت المصادر الأمنية أن المدن التي شهدت انسحابات عسكرية هي راوة وعانة والقائم وكبيسة بينما ما تزال مدينة هيت تشهد اشتباكات بين المسلحين وقوات الجيش خارج المدينة.
وقالت إن من المناطق التي شهدت انسحابات لقوات الجيش قرب الفلوجة وسط الأنبار هي الصقلاوية وبعض الأحياء في مدينة الرمادي في حين أن منطقة السجر القريبة من الفلوجة وكذلك منطقة الهضبة والحبانية ما تزال تشهد اشتباكات بين المسلحين والقوات العسكرية المتمركزة فيها.
ومن جانبه، دعا رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، قوات البيشمركة إلى حماية حدود إقليم كردستان  وأرواح المواطنين وممتلكاتهم، مطمئناً شعب كردستان بأن البيشمركة لن  تسمح بأي تهديد ضد كردستان. وقال البرزاني ان  «أحداث  الموصل والمناطق المحاذية لحدود إقليم كردستان أحدثت فراغاً أمنياً  وعسكرياً بسبب إنهيار الجيش العراقي»، مبيناً أن ذلك دفع بعدد كبير من  المواطنين الى اللجوء الى المناطق الآمنة الواقعة تحت سيطرة قوات  البيشمركة.
وأضاف البرزاني أن قوات البيشمركة توجهت إلى المناطق التي انسحبت منها  القوات العراقية، من اجل حماية أهالي كردستان والمكونات القومية والدينية والمؤسسات العامة وسد الفراغ الأمني. ودعا البرزاني قوات البيشمركة والآسايش الى حماية حدود إقليم كردستان  وأرواح المواطنين وأملاكهم والمؤسسات العامة في تلك المناطق وعدم فسح  المجال أمام حدوث مخالفات و أي تجاوز على الحدود.

خيارات اوباما
من جهته، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما انه لن يرسل قوات برية إلى العراق لوقف هجوم «المتطرفين السنة» لكنه سيبحث خيارات مختلفة اخرى «في الايام المقبلة».
وقال أوباما من البيت الابيض «لن نرسل قوات أميركية مقاتلة إلى العراق»، مذكراً بـ «التضحيات غير العادية» التي قدمتها القوات الأميركية في هذا البلد.
واضاف الرئيس الأميركي «لكنني طلبت من فريقي اعداد مجموعة من الخيارات لدعم قوات الامن العراقية». وحذر أوباما من انه يجب عدم انتظار عمل أميركي «بين ليلة وضحاها» وان عملية القرار والتخطيط لتحرك ما، اياً كان، تتطلب «اياماً عدة».
وقال ايضاً «نريد ان نتأكد من ان لدينا فهماً جيداً للوضع. نريد التأكد من اننا جمعنا المعلومات اللازمة لكي تكون تحركاتنا، اذا قررت التدخل بطريقة او باخرى، محددة الاهداف ودقيقة وفعالة».
بدورها دعت نائبة المتحدثة باسم الخارجية الاميركية ماري هارف جميع الدول المجاورة للعراق الى الامتناع عن اي عمل من شأنه زيادة التوتر الطائفي.
وجددت هارف التأكيد في ايجاز للصحافيين الليلة الماضية على ان الولايات المتحدة لا تدرس ارسال قوات الى العراق ، مؤكدة ان واشنطن تدرس خيارات على المدى القصير لمساعدة العراقيين. واضافت ان الولايات المتحدة لا تجري اتصالات مع ايران حول الوضع في العراق والتهديد المتزايد الذي يشكله تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هناك. واشارت هارف الى ان الولايات المتحدة تجري اتصالات مع دول مجاورة للعراق  ومع سفارات هذه الدول في واشنطن لمناقشة الوضع.
كما أعرب الرئيس الايراني حسن روحاني عن استعداد بلاده لدعم العراق اذا طلب ذلك، في اشارة الى التطورات هناك. وأكد روحاني في مؤتمر صحفي بمناسبة مرور عام علي الانتخابات الرئاسية التي جرت في الـ 14 من حزيران (يونيو) الماضي وادت إلى فوزه ان الشعب  العراقي لديه القدرة على دفن الارهاب لوحده دون حاجة للآخرين، موضحاً ان العراق دولة صديقة وشقيقة والحكومة والشعب العراقي لم يطلبا منا التدخل في هذا المجال وان ايران مستعدة للرد اذا طلب العراق ذلك.
واضاف أن سقوط مدينة كبيرة كالموصل لم يحدث بين ليلة وضحاها بل ان  سقوطها يؤكد وجود تنسيق وراء الكواليس، موضحاً أن بعض الدول الغربية  تقدم الدعم السياسي والاعلامي للارهابيين،كما ان من الواضح أن الجماعات  الارهابية تتلقى الدعم من بعض دول المنطقة.

على ابواب العاصمة
وميدانياً ايضاً، نقلت تقارير عن رئيس الوزراء الاسبق إياد علاوي إن المناطق المحيطة بالعاصمة العراقية بغداد تتساقط ، مؤكداً احتمالية المضي على طريق تقسيم العراق.
وقال في تصريحات صحفية ان «الحزام الدائري حول بغداد سقط، وان الضواحي الآن بيد المسلحين وبيد المليشيات  السنية، وان حكومة بغداد غير قادرة على تغيير ذلك الوضع وغير قادرة على وقف التفجيرات داخل بغداد.
وأعرب علاوي عن اعتقاده بان الامور تسير في اطار «سرينة العراق»، أي تحويلها إلى النمط السوري في الصراع.
وحول تدخل أميركي جديد بالعراق، قال علاوي: «لن يساعد ذلك، من الممكن  أن يصب ذلك الزيت على النار، باعتقادي أن أميركا فقدت قدرتها على التأثير في العراق خصوصاً بعد أن تركته عام 2011.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق