جان داية يكشف عن خمسين مقالة مجهولة لأمين الريحاني في «كشكول الخواطر»
يروي الباحث اللبناني جان داية في كتاب جديد له كيف انه كان يسعى الى الحصول على نتاج لجبران خليل جبران لم يكن متوفراً له ولكنه عوضاً عن ذلك عثر على عدد كبير من المقالات للشخصية الادبية الاخرى في ذلك العهد أي امين الريحاني.
وقد استند الى قول دارسين لسيرة كل من جبران والريحاني الأدبية ان لهذين الاديبين الكبيرين نتاجاً ضخماً في صحيفة عربية من تلك التي كان يصدرها لبنانيون في المهجر الاميركي الشمالي هي جريدة «الهدي». الا انه عثر فيها على نتاج لواحد منهما فقط.
وكان جان داية يتحدث في مقدمة كتابه الذي حمل عنوانا هو «أمين الريحاني كشكول الخواطر خمسون مقالة مجهولة» والذي أعده الباحث وأجرى دراسة عن محتوياته.
وجاء الكتاب في 271 صفحة متوسطة القطع وصدر عن مؤسسة «فجر النهضة». واحتوى على 62 مقالة للريحاني منها 50 مقالة مجهولة نشرت تحت عنوان «كشكول الخواطر» و12 مقالة اعاد الريحاني نشرها في مجالات اخرى.
وفضلا عن أمين الريحاني (1876- 1940) فان لداية عدداً من الكتب عن عدد من رجال النهضة الحديثة مثل المعلم بطرس البستاني وجبران خليل جبران والشيخ عبد الرحمن الكواكبي والدكتور خليل سعادة واخرين غيرهم.
داية يروي…
وتحت عنوان «الإهداء» تحدث داية عن عمله على جمع مواد كتابه الحالي في الولايات المتحدة فاهدى مؤلفه «الى المدير السابق لقسم الشرق الادنى في مكتبة الكونغرس (الاميركية) المؤرخ الدكتور جورج عطية الذي اذن لي بتصوير حلقات «كشكول الخواطر» من مجموعة جريدة «الهدى» المفقودة وقتذاك (1983) من كل مكتبات العالمين العربي والغربي».
وانتقل جان داية الى القول «أكد بعض دارسي سيرة جبران والريحاني الادبية الصحفية بانهما اغرقا جريدة «الهدى» العربية النيويوركية لصاحبها نعوم مكرزل بنتاجهما الادبي خصوصاً في بداية حياتهما القلمية». ولحظة قرأت هذه المعلومة كنت غارقا في ورشة كتابي «عقيدة جبران» في اوائل ثمانينيات القرن الماضي.
«أغلقت باب الورشة مؤقتاً أملاً بالحصول على مزيد من الكتابة الجبرانية وخصوصاً البواكير. وعرضت اعداد «الهدى» في مكتبة الكونغرس منذ العدد الاول الصادر في 22 شباط (فبراير) 1898 حتى العدد الصادر في 15 نيسان (ابريل) 1931 تاريخ وفاة جبران، فلم اعثر الا على كلمة صغيرة لجبران ألقاها في مهرجان خطابي دعا اليه مكرزل بمناسبة وفاة سليمان البستاني في نيويورك ونشرت الخطبة في «الهدى» بتاريخ 9 تموز (يوليو) 1925.
«هنا يمكن القول ان المعلومة الخاصة بجبران كانت خاطئة بنسبة 99،99 بالمئة ومن المرجح بل المؤكد ان اختراع هذا الشق من المعلومة كان ثمرة فرضية كاتبها تقديرا منه ان جبران لا بد ان يكون نشر بواكيره في «الهدى» وكالعادة ردد الاخرون هذه المعلومة من غير ان يكلفوا خاطرهم في العودة الى جريدة نعوم مكرزل للتأكد من صحتها او بعدها عن الحقيقة…».
واضاف داية يقول «ولكن الشق الخاص بالريحاني في المعلومة صحيح بالنسبة ذاتها لخطأ المعلومة الخاصة بجبران. فقد نشر الريحاني في جريدة صهره مكرزل عشرات المقالات ومعظمها تحن عنوان «كشكول الخواطر» خصوصاً خلال السنوات الممتدة من 1901 حتى 1904».
«وكان يمكن ان يرتفع منسوب المقالات الريحانية في «الهدى» لولا سببان وجيهان احدهما شخصي عائلي يعود الى خلاف مكرزل مع زوجته ادى الى الطلاق، والثاني فكري سياسي اذ ان صاحب «الهدى» محافظ وطائفي في حين ان الريحاني راديكالي وعلماني. وهنا يمكن الاستنتاج ان «طلاق الريحاني – مكرزل» كان سيحصل حتى لو لم يتم طلاق مكرزل لاخت الريحاني. ولعل أحد المؤشرات على ذلك الخلافات التي حصلت بين الرجلين خلال سنوات العسل المر وقد أدى احدها الى غياب الريحاني عن «الهدى» حوالي السنة.
«… وبالمناسبة فان كل حرف من كشكول الخواطر اضافة الى ما نشر الريحاني في «الهدى» خارج تلك السلسلة يتمحور على عقيدة سياسية اجتماعية مناهضة بقوة للصراع الطائفي الذي كان مكرزل احد قادته».
وفي مجال آخر قال داية إن الريحاني منذ مطلع القرن العشرين حتى لحظة سقوطه عن الدراجة الهوائية في بلدته الفريكة ورحيله سنة 1940 نتيجة هذا الحادث «استمر على مفاهيمه الاصلاحية في الدين والسياسة والأدلة كثيرة اكتفي منها بثلاثة:
«الدليل الأول وعنوانه البهائية وهو الذي دفع البعض الى الاعتقاد بان الريحاني كان بهائيا نظرا لمفاهيمهما المشتركة حيال الاديان ووحدتها وعدم تعارضها مع المبادىء السياسية والاجتماعية والقومية التي تتمحور عليها دساتير الامم. لم يكن الريحاني بهائيا ولكنه كان صديقاً للبهائيين ومحبذا لعقيدتهم».
والدليل الثاني هو ان الريحاني الذي كان يحمل على رجال الدين وعلى البطريرك الماروني انطون عريضة والمطارنة، تصالح مع البطريرك الذي زاره في منزله في الفريكة، وردا على زيارة الريحاني له قال للبطريرك «اننا يا مولاي نكبركم ونجلكم لا لانكم تدافعون عن المكلف اللبناني وتجاهدون المرهقين له من وطنيين واجانب… ولا لانكم تحملون العلم والصليب من اجل الفلاحين والعمال البائسين… اننا نجلكم ونكبركم لا لهذه الاعمال الشريفة وحدها بل لانكم وضعتم كذلك الاسس المتينة للسياسة اللبنانية العتيدة الموالية للجيران الداعية للتفاهم والتعاون المشيدة للوطن وبناء الاخاء العام».
«ولعل أطرف ما في الزيارتين ان الريحاني الذي كفّره كهنة الجالية (المارونية) في نيويورك… استقبله رئيسهم الاعلى في مقر البطريركية الشتوي في بكركي ورد له الزيارة في الفريكة».
وقال المؤلف ان الدليل الثالث هو وصية الريحاني التي كتبها في 7 ايلول (سبتمبر) 1931 والتي توزعت على عشرين بنداً «يتمحور نصفها مباشرة او مداورة على الدين».
في البند 15 من الوصية يقول انه يتخيل نفسه يقف «أمام صاحب السجل السماوي وهو يسأل ويكتب… ثم يبتسم لمسيحيتي الشاملة ويطأطىء رأسه عندما انطق بكلمة (التوحيد) اني من الموحدين وان في مرآة توحيدي لتنعكس وجوه الانبياء والرسل اجمعين كونفوشيوس وبوذا وزرداشت وسقراط وموسى ويسوع ومحمد وبهاء الله… وان وجوههم كلها لتتآلف وتتمازج ثم تنعكس وجهاً واحداً هو الرمز الاقدس لوجه الله».
(رويترز)