قبل خضوع المسنّ الى اي عمل جراحي… خططوا بحذر!
قبل أن تأخذوا قرار إجراء عمل جراحي لابن سبعين خذوا الحيطة والحذر! وقبل أن تسألوا الطبيب الجراحي: متى موعد استخدام المشرط أسألوه: وماذا عن تبعات استخدام هذا المشرط؟ وقبل أن تُسقطوا أحكاماً مسبقة على الطبيب الذي لم يعطكم النتيجة المتوخاة راجعوا بطاقة الهوية. توقفوا عند خانة العمر واقرأوا فيها عدد الأعوام: سبعون؟ ثمانون؟ تسعون؟ أكثر؟
في بيتكم مسن؟
أمسكوا بيدِهِ برفقٍ وخططوا بأمانٍ لأي قرارٍ قد تتخذونه في شأن أي عملٍ جراحي يُفترض أن يخضع له لأن «الختيار» الداخل الى الغرفة الخضراء مفقود والخارج طبعاً مولود!
سكونٌ عارمٌ حلّ في الندوة التي نظمتها «جمعية ألزهايمر- لبنان» حول: «الجراحة العامة والمسن»… فكبارُ السنّ وحدهم كانوا يعرفون، أو لنقل يشعرون بحاستهم السادسة، أن العمل الجراحي، مهما كان بسيطاً، قد يترك فيهم ارتدادات كثيرة.
ماذا عن الأطباء؟ هل يعرفون هم أيضا هذا؟
الإختصاصي في طب الشيخوخة الدكتور نبيل نجا جلس مصغياً بانتباه شديد الى الاختصاصي في الجراحة العامة الدكتور فائق جمالي… فالجراحة هنا، في موضوعنا، هي اللب، وإن كان عمر الشيخوخة هو الهاجس والمبتغى. فماذا في معلومات الدكتور جمالي؟ يجيب بصراحةٍ شديدة: تريدون الحقيقة، كل الحقيقة، اكتشفت الآن، الآن بالذات، وأنا أبحث في هذا الموضوع كم هو حجم تقصير الطب الجراحي في مسألة جراحة المسنين!
مضاعفات
يتعامل الجراحون للأسف مع المريض الذي يحتاج الى عمل جراحي، مهما كان عمره، أو ظروفه الصحية، أو حالته النفسية، بالاسلوب عينه، لكأنه هو وكل الآخرين نسخة طبق الأصل، وهذا طبعاً خطير جداً… لماذا؟ لأن الأشخاص الذين يتجاوزون سن الستين ويخضعون الى عمليات جراحية قد يكونون أكثر عرضة لمشكلات دائمة في الذاكرة وفي القلب وفي الرئتين وفي الكليتين ويزيد احتمال تعرضهم لمشكلات في الإدراك، ومن يحدث لهم هذا يزيد احتمال وفاتهم خلال السنة الأولى بعد العملية.
«الحمدلله على السلامة… نجحت العملية». كم من مرة ومرة سمعتم بهذه العبارة لكن، وقبل مرور 24 ساعة، عدتم وسمعتم أن المريض الذي سلُم من العمل الجراحي عاد وانتكس، ضيّع، ارتفعت حرارته، ما عاد يعرف أولاده… وكم من مرة ومرة سمعتم بأشخاص دخلوا لشيء، لاجراء جراحة معينة، وخرجوا بمشكلة أخرى مختلفة تماماً؟ فما الذي يحصل داخل الغرفة الخضراء؟ وماذا يجب أن يحصل قبل دخول المريض الى تلك الغرفة الخضراء؟
من هو المسن؟
الدكتور فائق جمالي يُحدد طبيعة الموضوع بالحساس والشائك ويشرح: هناك من يعتبر أن فئة كبار السن تضم من بلغوا الستين، وهناك من يعتبر أن كبار السن هم من بلغوا سن التقاعد في أميركا وهي 67، وهناك من يعتبر أن المسن هو من بلغ الرابعة والستين… تتعدد المفاهيم حول هذه النقطة والسؤال: ما هي المشكلة مع هؤلاء كبار السن؟ عدد المسنين في العالم الى ارتفاع وإذا كانوا يبلغون في أميركا عام 2012 أربعين مليوناً فالتوقعات تشير الى ارتفاع الرقم في 2050 الى تسعين مليوناً. يعني سيتضاعف العدد. ويعني أن مهمة العناية بهؤلاء يفترض أيضاً أن تتضاعف. ويعني ويعني ويعني أننا إذا بقينا على حالنا فنحن نرتكب خطأ إجتماعياً جسيماً!
ماذا والحال هكذا؟ ماذا يمكننا أن نفعل؟
علينا الإستعداد الى المرحلة المقبلة. كيف؟ يسأل جمالي السؤال ويجيب بأسئلة: هل كل المسنين مثل بعضهم البعض؟ هل العمر هو دائماً مقياس الى الحال الصحية؟ هل يكفي الركون الى العمر لنقول: واحد وواحد يساويان اثنين؟ العمر وحده ليس مقياسا وهذا أمر محسوم لكن أن يكون المرء قد بلغ عمرا معينا فيصبح لزاما الأخذ في الاعتبار سلسلة معايير قبل الإقدام على أي عمل جراحي. وهذا ما يُسمى في اللغة الطبية: توقعات العمر… فماذا في تلك التوقعات؟
العمر ليس مقياساً
طبياً، من يكون قد بلغ سن السبعين ويعاني من مشاكل صحية في القلب والرئتين ومن السكري والشحوم المفرطة تكون حظوظ بقائه على قيد الحياة خمس سنوات إضافية تعادل بقاء رجل بلغ التسعين ولا يعاني من أي مرض جسيم. العمر إذاً وحده، نكرر، ليس مقياساً، لكن هذا لا ينفي ضرورة عدم إدخال أي مريض بلغ الستين، مهما كانت صحته، غرفة العمليات قبل اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر… فماذا في بنود الحيطة والحذر هذه؟
أكثر ما يخشاه المسن حين يُتخذ قرار وجوب إخضاعه الى عمل جراحي الا يعود قادراً، بعد العملية، على ممارسة حياته الطبيعية. فكرة الإتكال الكلي على الغير، على الأولاد والزوج، تُقلق المسن جداً حتى أنها تعادل هاجس القلق من الموت. وهناك دراسة أميركية جرى فيها طرح سيناريوهات عدة عُرضت على 220 شخصاً مسناً وفيها: إذا كانت العملية كبيرة لكنكم قد تعودون بعدها أفضل أو إذا كانت العملية بسيطة لكن قد لا تعودون قادرين بعدها، ونشدد على كلمة قد، على القيام بأمور بسيطة، مثل ارتداء الملابس وحدكم أو تناول الطعام وحدكم، أو سينخفض حجم استيعابكم فماذا تختارون؟ الإجابات أتت مذهلة: نرفض العملية البسيطة إذا كانت فيها احتمالية أن نصبح عاجزين ونقبل بالعملية الخطيرة إذا كان فيها احتمال أن نعود قادرين على الاتكال على النفس. أولوية المسن إذاً هي في بقائه بصحة عقلية وقادر، بلا جميل أحد، على الحراك.
هنا ندخل في لبّ الموضوع: ما هي المؤشرات التي تجعل الطب الجراحي قادراً على تحديد ما إذا كان المريض أمامه قادراً على تحمل البنج والعمل الجراحي؟
العمر إذاً يفترض أن يؤخذ، كما سبق وقلنا، في الاعتبار حتى ولو لم يكن وحده المعيار. ضعف صحة المريض أيضاً معيار. ويفترض أن يسأل الطبيب عن حالة مريضه في الأشهر الثلاثة التي سبقت: هل خسر وزناً أكثر من ثلاثة كيلوغرامات؟ ماذا يأكل؟ هل نومه متوازن؟ هل يمشي؟ هل كان يمشي وتباطأت حركته في الأشهر القليلة الماضية؟ هل يعاني من الاكتئاب؟
قبل العملية، خلالها وما بعدها
قرار القيام بعمل جراحي يفترض أن يُقسّم الى ثلاثة أقسام: قبل العملية، خلال العملية وبعد العملية… لكن، بربكم، كم من الأطباء الجراحين يهتمون بهكذا معايير؟ كم من الأطباء الاختصاصيين يعيرون المريض خمس عشرة دقيقة من وقتهم لسؤاله هكذا أسئلة؟ وجواباً على هذين السؤالين أتى كلام الجراح جمالي واضحاً: أي طبيب لا يراه مريضه قبيل العملية مباشرة ولا بعدها هو طبيب فاشل. واي طبيب لا يطرح كل هذه الأسئلة على المريض المسن يفترض تغييره مباشرة.
يفترض إخبار المريض وأهله عن التوقعات العامة التي قد تحصل خلال العملية وبعد العملية بثلاثين يوماً وبعد سنة من إجراء العملية. ثمة أمور بديهية يفترض أن يتم التعامل بها مع المريض المسن، بينها التأكد من نوعية كل الأدوية التي يتناولها، لأن كم وكم من الآثار السلبية الطارئة تحدث بسبب تشابك هذه الأدوية!
ما هو مطلوب من المريض المسن قبل إجراء العمل الجراحي غير الطارىء؟
مطلوب منه المشي، عليه أن يمشي يومياً وقبل شهر من العملية، ويفترض به أن يُحسن نوعية غذائه عبر زيادة كمية البروتيين في المكونات، وإذا كان يعاني من مشاكل في الرئتين عليه أن يبدأ بتمارين النفاخة قبل شهر لا كما يحدث عندنا للأسف حيث تُعطى له النفاخة إثر إتمام العمل الجراحي!
ما يحصل عندنا أن المرضى يتحولون في كثير من الأحيان الى أرقام وهذا سيء للغاية. كل مريض حالة في ذاتها. والقول للمريض مثلاً أن عملية جراحية ما قد تؤدي الى الموت بنسبة عشرين في المئة ليس خياراً صائباً! فأين، والكلام الى جمالي، يصرف المريض هذه النسبة؟ يفترض إخباره الحقيقة على شكل معلومات ثم سؤاله عن المعلومات التي حصل عليها للتأكد من أنه فهم حالته جيدا على قاعدة: Teach back، فالمريض، حتى ولو كان مسناً، يرتاح حين يجد من يتكلم معه بواقعية ويشرح له بانسيابية ويستمع إليه بدقة. والطبيب، أي طبيب، لا يتمتع بهذه الخصال، ومهما كان حجم الصيت الجيد الذي يحوزه، هو طبيب فاشل! بدلوه!
تترددون؟
لا تتذمروا إذاً من ارتدادات العمل الجراحي الذي ستقدمون عليه!
نوال نصر